بين الفقهاء والنحاة.. / محمد السيد

2015-06-03 18:45:00

الفقه واللغة صنوان لا يفترقان في محل الاستنباط من علوم الشرع . وقد تقع أحيانا بين علماء هذين الفنين بعض "الاستفزازات" على سبيل الملاطفة والمداعبة، لاسيما في القرون الأولى قبل استكمال كلٍّ من العلمين "شخصيته الاعتبارية"، مع عدم الاختلاف في أهمية علوم الشرع، وعدم الانتباه لذلك بالنسبة لعلوم اللغة.

.


- من ذلك أن أبا يوسف قاضي القضاة في عهد الدولة العباسية الأولى، دخل يوما على هارون الرشيد، فوجد معه الكسائي إمام نحاة الكوفة، وهو يمازحه. فقال له: هذا الكوفي (يعني الكسائي) قد استفرغك وغلب عليك. فقال له الرشيد: يا أبا يوسف! إنه ليأتيني بأشياء يشتمل عليها قلبي. فأقبل الكسائي على أبي يوسف، فقال: يا أبا يوسف! هل لك في مسألة؟ فقال: نحو أم فقه؟ قال: بل فقه. فضحك الرشيد حتى فحص برجله، ثم قال: تلقي على أبي يوسف فقها؟ قال: نعم. قال: يا أبا يوسف! ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق أن دخلت الدار، وفتح أن؟ قال: إذا دخلت طلقت. قال: أخطأت يا أبا يوسف. فضحك الرشيد، ثم قال: كيف الصواب؟ قال: إذا قال "أن"؛ فقد وجب الفعل ووقع الطلاق، وإن قال: "إن"؛ فلم يجب ولم يقع الطلاق.
فكان أبو يوسف بعدها لا يدع أن يأتي الكسائي

وهذه الحادثة في الواقع تبيّن مرحلة من مراحل نشأة علوم اللغة قبل أن ينتبه الفقهاء إلى أهمية التضلع من العلوم اللغوية لصالح التحكم في ناصية فهم الخطاب الشرعي. ولولا الخوف من هتك حرمة العلماء، لأعطيت أمثلة غريبة من الأخطاء النحوية التي كان يقع فيها علماء من الدرجة العليا في سلم الإمامة في الميدان الشرعي، قبل أن تستدرك الأجيال اللاحقة خطر جهل علوم اللغة.
- ومن هذا المعنى أيضا: أن الفراء النحوي، قال: من برع في علم واحد سهل عليه كل علم. فقال له محمد بن الحسن القاضي، وكان حاضرا في مجلسه ذلك، وكان ابن خالة الفراء: فأنت قد برعت في علمك، فخذ مسألة أسألك عنها من غير علمك: ما تقول فيمن سها في صلاته, ثم سجد لسهوه فسها في سجوده أيضا؟ قال الفراء: لا شيء عليه. قال: وكيف؟ قال: لأن التصغير عندنا لا يصغر؛ فكذلك السهو في سجود السهو لا يسجد له؛ لأنه بمنزلة تصغير التصغير؛ فالسجود للسهو هو جبر للصلاة، والجبر لا يجبر، كما أن التصغير لا يصغر.
فقال القاضي: ما حسبت أن النساء يلدن مثلك

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122