وأنا على هذا الساحل اللازوردي، وغبّ ردود قرأتها، جلست على الشاطئ الهيمان والمويجات تأتي أزواجا وتنفصل، أسائل نفسي وأنا أطوي الدجى:
-هل لابد لكي يكون أحمدو ولد حرمة زعيما ومجاهدا أن يكون الرئيس المختار ولد داداه عميلا لفرنسا ودمية بيدها؟!
-وهل لابد لكي يكون المختار مؤسسا وأبًا للأمة أن يكون الزعيم ولد حرمة عميلا للمغرب أو (بايِعْ وَطْنو ابْبَطْنُو)؟!
منطق لا يستقيم، فالسماء تسع جميع النجوم، لكن أخلاق الرجال تضيق!
شتان بين تصوراتنا، وأخلاق ذلك السلف الصالح الذي لم يفسد الخلاف لوده قضية، وهنا لا بأس في إعادة هذه القصة التي كتبتها قبل سنوات:
عندما ذهب الأمير محمد فال ولد عمير إلى المغرب مع زعماء النهضة، نشط أهل المنتبذ القصي في الهجوم عليه وعلى ولد حرمة والنهضة.
وفي مجلس الشيخ عبد الله ولد الشيخ سيديا في بتلميت، هاجم أحد المتزلفين الأمير ولد عمير، فلم يعجب ذلك الشيخ عبد الله، لكنه لكرم أخلاقه لم يقل شيئا للرجل وهو في مجلسه، لكنه في الآن ذاته لا يحب أن يُنال من الأمير في مجلسه فأراد أن يبين خصلة من خصال ولد عمير الجمة، وهي الوفاء فقال الشيخ عبد الله بن الشيخ سيديا:
حين نبذ ابنا سيدي، أحمد للديد وسيدي ولد سيدي، إلى النصارى وأعلنو الهجرة والجهاد قام النصارى بتحويل المدرسة من (المحصر) في المذرذرة إلى بوتلميت.
وظلت هناك حتى أبرم أحمد للديد الهدنة مع النصارى برعاية الشيخ باب وكان من بنود المعاهدة إرجاع المدرسة إلى المذرذرة فرجعت.
بعد فترة يقول الشيخ عبد الله أحببت أنا أن أرجع المدرسة إلى بوتلميت فانتهزت فرصة وجود الحاكم العام في المذرذرة فذهبت إليه لذلك الغرض، وصلت وقابلت الحاكم لكن الترجمان "أملاژ" لم يكن حاضرا فأرسل الحاكم إلى المدرس الفرنسي أن يرسل له أنبه تلامذته ليترجم بيننا فجاء شاب جميل حسن الأخلاق وقام بالترجمة وأخبر الحاكم بمهمتي، فقال الحاكم:
المدرسة في (المحصر) حي الأمير أحمد للديد ومن شروط المعاهدة معه بقاؤها في حيه.
قال عبد الله، الأمير لا يُؤمَن وقد عاهدكم ونكث وهو اليوم يعاهدكم وربما نكث بعهده لكم غدا فتضيع الدراسة، يضيف عبد الله والشاب يترجم بكل أدب.
بعد انتهاء اللقاء أعجبني سلوك الشاب، ناديته وأردت أن أعطيه شيئا، أعطيه مالا فرفض، فعرضت عليه دراعة فرفض، فسألته عن اسمه فقال محمد فال ولد أحمد، فقلت أحمد ول آش، فقال ولد محمد فال ولد سيدي، فقلت له والدك أحمد للديد فقال نعم.
أسقط في يدي وقد تكلمت عن والده قبل لحظات، لكنني تماسكت وقلت له:
عندي طلب يا محمد فال.
قال: وماهو؟
قلت: أريد أن يبقى مادار بيننا وبين الحاكم سرا بيننا.
فقال: لك ذلك.
التفت الشيخ عبد الله إلى جلسائه وقال: هل سمع أحدكم بهذه القصة قبل الآن؟
فأجابوا: كلا. وكان قد مضى عليها زمن طويل.
فقال الشيخ عبد الله: هذه خصلة من خصال محمد فال ولد عمير.
فلم يدر الناس أي الخصلتين أعجب: هل هي وفاء ولد عمير، أم نبل عبد الله وشهاته على نفسه وشهادته لابن عمير في مرحلة دقيقة من تاريخ البلد.
كامل الود