د. إشيب ولد أباتي
تحور الذباب الإلكتروني إلى خنفسائيي الدعاية المساندة للكيان الصهيوني، وأتباعه من عملاء أنظمة الحكم في الوطن العربي ..
كل ما حاولت كتابة مقال عن واقع أمتنا العربية، أوعن الأحداث التي تجري في وطننا الكبير من المحيط إلى الخليج، كلما استحضرت تلك المصادر في تراثنا، والمراجع الحديثة منذ أكثر من قرنين في ثقافتنا الحديثة، وكون بعض كتابها، إهتم بالكتابة عن هموم المواطن، وخياراته حول ما جرى، وما يجري من الوقائع، وعن الكثير من الأدوار الفاعلة لبعض القيادات العربية في فترة الاستقلالات الوطنية، وعن بعض القيادات القزمية المخيبة لآمال أمتنا العربية، و تأثير الاخيرة في احداث منعطف انحرافي لأنظمة الحكم الوطنية في اجهاضها لصد العدوان، أو مواجهة التحديات الداخلية من جهة أخرى..!
والحقيقة المريرة، أن قسما كبيرا من أدبنا السياسي القديم، والحديث، لا يستحق القراءة في أي زمان، سواء أكان ذلك في حاضر من كتبوه، أم لقراءته في حاضرنا، أم في حاضر أجيال الأمة في المستقبلين القريب، والبعيد..!
وللعلم، فإن القارئ العربي، يعرف بوعيه المتراكم بما في الذاكرة الجمعية من قيم مفارقة للدعاية في الكتابة، وبين الكتابة المناهضة للوعي الزائف، لذلك لا يسأل، لماذا قبل هذا الجزء من التراث الخالي من الدعاية المغرضة، ولماذا رفض النقيض له من الدعايات المتهافتة؟
لأن ما كتب حينها، كان معبرا عن الغث في دعاية السياسية التي زيف بها هذا الرهط من الكتاب الحقائق الجلية على مر التاريخ، وحين يكتب عنها، فإنما في سبيل غايات أسمى..بعيدا عن التزلف الذي أهتم أصحابه بما يدر عليهم من فتات، لا يساوي أيهما قيمة الحبر الذي كتبت به الداعية في أي وقت كان ذلك…!
ولعل عبد الرحمن بن خلدون، كتب عن الموضوع قصدا، أو يمكن أن يقرأ به الواقع لفهم هذه المحاكاة، واسقاطها على من يكتبون للأمة، ومن يكتبون للحكام، وأداء الأئمة من فقهاء سلاطين الحكم، وسدنة الحكام للصهيونية المحتلة لفلسطين..
ذلك أن ابن خلدون كتب في أن " الماضي يشبه الحاضر، شبه الماء بالماء"، والماء من جهة خواصه عديم اللون، والرائحة، كعدمية الدعاية المغرضة في أي زمان كتبت، وفي أي وقت قرأت، وهي لا تساوي عند فرد في أمتنا العربية شربة ماء..
2
لذلك، وجدتني معارضا في التعليقات التي كتبتها على مقالات كتاب محترمين، لم يكتبوا من اجل الدعاية، وإنما بدافع تغيير موازين القوة في السياسة الأمريكية قبيل الأنتخابات الرئاسية الأخيرة،، فالزملاء، حاولوا في مقالاتهم توجيه الرأي العام للجاليات العربية في أمريكا، غير أن وعي ابناء الجاليات العربية، وكذلك الشبيبة الأمريكية المتحررة من الوعي الزائف منذ أن خرجت في المظاهرات المؤيدة للحق العربي بعد "طوفان الأقصى"، مدافعة عن الشعب العربي في فلسطين الذي يباد في ايشع مجزرة في التاريخ…!
كان عرب المهجر الامريكي، أكثر فهما للواقع الذي خاضوا فيه حربا ضروسا دفاعا عن حق أمتنا العربية في مواجهة العدوان الصهيوني، والأمريكي معا، وذلك منذ ٧ من اكتوبر ٢٠٢٣م، ومن هنا لا نبالغ في القول إن ابناء الجاليات العربية، هم أكثر وعيا بدهاليز السياسة للأحزاب الأمريكية، واللعب معها في مجال غاب عن كتابنا الذين نظروا تنظيرا ثبت، أن مجاله سيبقى على حافة الرف المنسي للدعاية غير المقصودة لذاتها من أجل انجاح قادة الحزب الديمقراطي المتصهين، أكثر من الصهاينة..
وأنا الآن عندما اتطرق لهذا الموضوع، فليس القصد منه، أن الكتاب المحترمين، كانوا أقل وعيا، أو انهم كتبوا بدافع الداعية المدفوعة الأجر مسبقا، أو لأؤكد صحة رؤيتي في تعليقاتي على مقالاتهم، وإنما لأظهر للزملاء خطورة أن ينشروا ما كتبوا ليصبح، وثيقة تدينهم بعد نصف قرن، أو أكثر،، لأنها ستضضل القارئ العربي لتأريخ هذه الأحداث في المستقبل حين يقرؤ عن مشاركة أمريكا في حرب الإبادة الجماعية التي لا يختلف عليها كتاب هذه الفترة في العالم أجمع، أحرى في الوطن العربي ..
ولأن القارئ في المستقل، سيتساءل كيف يستقيم إدانة الحكومة الأميريكة بالعدوان الذي لا اختلاف عليه في كل الكتابات، بينما، نجد الدعاية لرموز الحزب الديمقراطي من أجل انتخابهم في كتابات عربية لكتاب محترمين في موقع" رأي اليوم" المستقل، والمدافع عن قضايا أمتنا في معركتها المصيرية مع الكيان الصهيوني، وعن الأنظمة المتصهينة في أمريكا، وأوروبا، والوطن العربي..؟!
3
منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م، والذباب الإلكتروني، يتوارى عن مواقعه الأمامية تاركها لأسوإ "وعاظ السلاطين"، - على رأي الراحل علي الوردي عالم الاجتماع العربي العراقي - في التقول على الشرع، واحكامه بالأقاويل التحريمية، والتحليلية، وذلك لتمرير الدعاية التي لاكتها الألسن في الإعلام الصهيوني، والعربي المتصهين، فاسقط الأئمة تمرة الكهنة اللامباركة من اشداقهم الدعائية، ليطالبوا الناطق باسم حركة "حماس" القائد " أبو عبيدة" - حفظه الله - بما لقنوا به من أجل إسقاط مبدأ الجهاد الذي تخوضه الأمة جمعاء بوعيها التحرري، وبقواها الحية، وبمقاوميها الشرفاء، وكتابها، ومثقفيها ،، وهو دفاع عن الأرض، والعرض، والعقيدة، والمجتمع ، والأمة في حاضرها الذي تجسده الإبادة الجماعية في غزة هاشم، ولبنان، واليمن، والعراق، وإيران..
وأئمة السوء هؤلاء يهدفون إلى استبدال الجهاد العظيم عند الله تعالى، والدفاع عن النفس بما هو أحط قيمة عند الله، وعند الناس أجمعين، كجهاد الأئمة بما قالوا حرفيا: " ترك اللحى"، و" الزواج من اليهوديات"، و" هجرة فلسطين، وتركها للصهاينة" على غرار القياس المفارق في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة..!
وبهذه الدعاية اللادينية، أسقط بعض حثالات الأئمة في الإعلام المتصهين نقيرته على " الأسفلت" في شوارع القدس المحتلة مطالبا بهجرة فلسطين، وترك أولي القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، للصهاينة…!!
وهؤلاء المساكين، لم يقرأ أحدهم عن علماء الأمة من أمثال "أسد الفرات" الذي فتح "مالطا"، وجزيرة صقلية..ولا قرأ عن مشاركة علماء الأمة في معركة "الزلاقة" - ٤٧٣/٤ هجرية - التي استشهد فيها الآلاف من علماء الأمة في تلك المعركة التي انتصرت الأمة بقيادة يوسف بن تاشفين - رحمه الله - ، وصدت عدوان " الفونسو"، واتباعه خلال أربعة قرون قبل سقوط آخر معاقل العرب والمسلمين في الأندلس، وذلك بسبب تولى حكم غرانطة الخائن عبد الله الصغير، ووالده الذي قاتل المسلمين إلى جانب حكام اسبانيا الذين وضعوا سياسة اسقاط مدائن الأندلس واحدة بعد الأخرى، لينتهي المطاف بالخائن عبد الله الصغير الباكي على ملك لم يحافظ عليه، على حد تعبير والدته، وعلى غراره، يفعل عظائم الخيانات حكام الخيانات الإجرامية في حق أمتنا في الوطن العربي من الماء إلى الماء في هذا الزمن العربي المتأمرك، والمتصهين…!!
وهذا الدور المخزي لحكام مجرمين، سبقوهم في الخيانة، ولم يرحمهم التاريخ، كما لن يعطي قيمة للحاضر الذي إحتلوه مع قوى الخارج، غير أن الأمة ستبقى تقاوم على النقيض منهم، ومن اتباعهم ، وهذا هو الجانب الحيوي في الحاضر الذي يستنجد بدور الثقافة المقاومة، و المشاركة في صناعة أحداث التاريخ العظيمة، وكما كان قادة الثقافة المقاومة طلائع أولية في جيوش قادة الأمة التاريخيين، مثل دور علماء الشام، والعراق، ومصر الذين شاركوا الناصر صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس، ومدائن فلسطين التي كانت تحت الاحتلال الصليبي الأوروبي في الحروب الصليبية خلال مائتي سنة ..
4
وكان الذباب الإلكتروني يدافع عن الأنظمة السياسية قبل طوفان الأقصى، غير أن دوره الوظيفي، افتقده في وسائل التواصل الأجتماعي، نظرا لاستحالة توجيه الرأي العام العربي، والإسلامي، والحر، لأن ميزاجه لم يعد يتقبل الترهات المكشوفة في الدعاية المتصهينة الهابطة…!
لذلك كان لابد من إيجاد بديل للذباب الالكتروني الذي ظل، وبات، ولازال، تتناوس كتاباته محصورة في التعليقات النسبية على المقالات التي تظهر صفاقة الأنظمة العربية التابعة، وسياسة حكامها من سدنة "التطبيع" الخياني، والأتفاقات التي، يتبرؤ من التزاماتها الإجرامية، بعض الوزراء لتبييض وجوههم، بينما أيديهم مخضبة بدماء الشهداء من الأطفال، والنساء، في فلسطين، ولبنان..
كما حاول وزير خارجية الأردن في تصريحاته اليتيمة، وإن كان دور المخابرات لازال قائما، كالتنسيق الأمني في رام الله الذي لم يتوار عن الأنظار رجالاته اتباع جيش الاجتلال..
وقد بدأت الأنظمة، سياسة التخلص من الوجوه الشائهة، كوزير خارجية مصر السابق، ورئيس مخابرات حكمه الذي باء بأعظم الكبائر في تقريره الذي قدمه للصهاينة من أجل إجهاض طوفان الأقصى قبيل السابع من أكتوبر..!
وقد لا نبالغ في هذا الصدد، إذا أشرنا إلى تشابه الأدوار ما يسمح باستعادة النظر في الواجهة السوداء لتاريخ الخيانات العظمى في تاريخ أمتنا نظرا للدور المشابه للمجرمين في مصر على عهد الفاطميين، وخيانة المجرمين لقادة الدولة الفاطمية،، كالدور الذي قام به كل من " شاور السعدي " ، و" ضرغام " مع الصليبيين في القدس، وكانت نهايتهما - غير المأسوف عليها - درسا لمن يعتبر من الخونة...
لذلك سيأتي الدور على كل خائن مهما احتمى بالغزاة، مثلما تخلص القاطميون من المجرمين السابقين على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله …
وهكذا يعيد التاريخ نفسه، ولكن هذه المرة بأبهى مظاهره، وظواهره، في أعظم أحداثه بسقوط دور" الطائفية " المذهبية في تفتيت صفوف الأمة في معركة طوفان الاقصى في حاضر الأمة، مثلما سقطت قبلها الطائفية المذهبية يومئذ عندما تحالف الناصر صلاح الدين الأيوبي السني مع الخليفة" العاضد" الشيعي - رحمهما الله تعالى، والأخير، كان آخر خلفاء الفاطميين - وذلك في مواجهة الصليبيين في مصر…
ولهذه نقول لأمتنا العربية، ولأحرا العالم معنا، صبرا فالأنظمة المتواطئة ستتساقط، كأحجار " الدومينو"، في فترة قصيرة مهما حاولت التخلص من بعض رجالاتها، إلا أن ذلك لن يضمن البقاء لها، فكل إمعان لها في التبعية، والخيانات العظمى، سيعجل بنهايتها الحتمية..!
فالأمة اليوم، تراهن على قادتها في وحدة الساحات للمقاومة العربية الإسلامية، وهي الواجهات الأمامية لجبهات الأمتين العربية، والإسلامية، وأحرار العالم، ولن يقف في وجهها عدو، أو رئيس فاقد للشرعية، كما لن يكون للأدوار التافهة قيمة مؤثرة لأصحاب الدعاية الذين تحوروا إلى " خنفسائيين " يكتبون المقالات الفيسبوكية، ويدعون فيها الثورية التي ينقضها ما كتب أحد المتصهينين في أن " الديمقراطية المباشرة في إسرائيل"..!!
وفي كل مقال له على موقع "رأي اليوم" يضيف مثلبة على أخرى، كادعائه بأن المستوطنين الصهاينة، (مواطنون)، وهذا من قبيل إعطاء من لا يملك ، لمن لا يستحق..!! فالمواطن يا هذا نسبة إلى الوطن، وفلسطين ليست وطنا للمستوطنين الغزاة، بل هي وطن للعرب حصرا ، ومنذ ثلاثة آلاف سنة ، ويجرم في حق امتنا العربية، من يعتقد أن فلسطين وطنا للصهاينة الأوكرانيين، والأوروبيين، والأمريكيين، والروس، لأنهم من الغزاة المستوطنين، ولا وطن لهم إلا" الغيتوات" التي أتوا منها، وسيعودوا إليها طال إجرام الأحتلال للأرض، وللوعي، أو قصر..!
وهذا الخنفسائي المدافع عن الصهاينة، والمتحسر على لجوئهم للملاجئ في " تلابيب" اثناء الرد على عدوان جيشهم الأحتلالي من طرف ابناء لبنان المقاوم.. كما كتب في مقاله الأخير، نيابة عن عقله المأجور، و وعيه المتصهين في تحسر بائس: (( صفارات الانذار تدوي في سماء تل ابيب، والمواطنين - والمواطنون- يهرعون للمخابئ، وتعطل عجلة الإنتاج بمشاركة جنود الاحتياط في الحرب - ويقصد العدوان الإجرامي على ابناء بجدتدنا من الأبرياء -..))
فهل يكتب هذه الدعاية التافهة، من يحمل هذه الأزدواجية الافترائية، والانفصام في الشخصية، وبالنتيجة الوعي، ذلك أنه كتب في نفس المقال، أنه، كان من حواريي " المركز الأخضر للأبحاث " في ليبيا المستقلة، و من المعروف للقاصي قبل الداني، أن مفكري المركز المذكور، وقادته، كانوا معادين للصهاينة مهما اختلفنا معهم من جهة استبدالهم للوعي القومي بالوعي الأفريقي الأممي، واستبدال برامج صوت الوطن العربي، بصوت افريقيا واللجان الثورية الأممية" ..؟!!
فعلى من يكذب خنفسائيي الدعاية الصهيونية الذي اختار "السويد" منفى اختياريا، لا باعتبارها موطنا للمناضلين السياسيين، ودعاة الرأي الحر على حد زعمها، وذلك للدفاع عن حقوق المهاجر إليها من اي وطن كان، فما احرى بالعربي المصري، أن يوظف المكان في الدفاع عن الحقوق المدنية، والسياسية ومنها حرية الرأي في وطنه الصغير مصر، و في وطنه الكبير، الوطن العربي الذييشهد قمعا في الداخل، وقتلا في السفارات ؟!