على الرغم من المحاولات الفاشلة التي يقوم بها الغرب الأمبريالي، وساسة النظام الأمريكي المتوحش، وأتباعهما من القادة التابعين لأنظمة الحكم في الوطن العربي المفجوع بهم ، لدرجة السدانة التي عبرت عن قبح هذه الأنظمة ” العبرية” التي تدعي العربية ، فإن طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر في السنة الماضية، قد حرك الوعي العربي، ووحد قواه التي انضوت تحت قيادة قوى المقاومة في وحدة الساحات العربية، وإيران الثورة بنظامها الجمهوري الإسلامي المقاوم، ومن هنا يمكن أن نطمئن على التفاعل الإيجابي للعقل السياسي العربي بعد أن أدمن منذ خمسين سنة على مخدر السمسرة الحزبية، والمماحكة السياسية، والأنجراف خلف الدعاية المغرضة للجهاد في افغانستان، ثم تلاه تطميس شموس الوعي التابع للمجرم ” توني بلير” في سرقة الوعي الشبابي في الانتفاضات التي حصلت في بداية العشرية الثانية لهذا القرن، لأن تلك الأنتفاضات، لم تكن لها قادة، ومخططين برؤى للتغيير خلافا لما نشهده منذ طوفان الاقصى، وقد أبهر المجتمعات الغربية، وشكل “صدمة” لشبيبتها الطلابية التي استفاقت على “كابوس” الظلامية الذي أخفته العنصرية، والإجرام الصهيوني بالإعلام المزيف للحقائق، والإسناد الأمريكي، والدولي، لذلك ما كان للبشرية أن تفتح عيونها على الحقائق المؤذية قبل “طوفان الأقصى”، ومعاركه المستمرة في في غزة، وجنوب لبنان، ومدن الضفة الغربية، وهي الموجهة بالتخطيط المنهجي، والعمل الثوري المقاوم منذ أحد عشر شهرا..
وللتفاعل البناء مع هذا الصمود الإعجازي، فإن الأمتين: العربية، والإسلامية، مطالبتان بمزيد من التعاطي بعزم، وأمل في الله العظيم على النصر الذي يجب أن يتحقق بالمشاركة الإيجابية، والتضحية بالغالي، والنفيس في سبيل مؤازرة قوى المقاومة التي تجد نفسها اليوم ، وكأنها الوحيدة في المواجهة ما لم تتحرك جماهير أمتنا العربية في كل قطر عربي في تظاهرات يومية، لتحاصر بها الأنظمة العميلة التي فتحت خزائنها للعدو، وساندته بالتواطؤ الحقير: سياسيا، واقتصاديا، وتجاريا حين زادت الصادرات إلي الكيان الصهيوني، يؤلمنا أن بلادا مثل المغرب، والإمارات، مرورا بالسعودية، والأردن، ومصر، كما لازالت تركيا ترسل المواد الاستهلاكية للكيان الصهيوني.. رغم الكذب البواح للسيد أردوغان المداهن في تعاطيه مع القضايا المصيرية للأمتين الإسلامية والعربية .
لذلك على القوى الحية في الأمة العربية، أن تكون واجهات مشرفة للروافد المتعددة ل”طوفان الأقصى” في كل قطر عربي بالمظاهرات اليومية أمام السفارات الأمريكية، والألمانية، والإنجليزية، والإيطالية، ولعل الجانب الإيجابي المنتظر، هو إمداد قوى المقاومة في كل من لبنان، واليمن بالمال، ورفع الحصار عن نظام اليمن الثوري المقاوم
وفي هذا الصدد، لا بد أن ننوه بدور الجزائر بارسالها باخرة النفط في إطار المساعدة للبنان، وتثمينا لهذا الدو، فعلى الأحزاب العربية، أن تضغط على الحكومات لأرسال مساعدات للبنان العظيم، واليمن الثوري، ورفع الحصار عن الأخير.
إن المثال الذي يجب الاقتداء به اليوم، هو ما حصل من تفعيل العمل المقاوم، لحركات التحرير العربية – في الستينات – التي انتصرت بالثوار من مختلف الاقطار، وبالسلاح، والمال العربيين، فالتبرع حينىذ ب” ذهب” الحرائر الكريمات في الكويت، والعراق، وسورية، ولبنان،،، فهذا الفعل المقاوم محفوظ في أنصع صفحات تاريخ الأمة الحديث، وهو مبثوث في الصحف التي كانت، تصدر حينئذ، وقد ازدانت به الآثار الأدبية.. وهو سجل خالد يمثل “تاجا” مشرفا للأمة، ولحرائر الأمة العربية ، ولذلك علينا أن نذكر به اليوم، فأين العمل الذي يضاهيه في نصرة أمتنا في فلسطين، ولبنان، واليمن، والعراق في هذه المواجهة المصيرية مع العدو الصهيوني، والأنظمة المتصهينة التي ستنتهي بهزيمة الكيان الصهيوني: مدنيا، وعسكريا، وسياسيا، وثقافيا، وحضاريا، ولعل هذا ما نبه إليه المجرم ” أبن غوريون”، بأن أي هزيمة عسكرية، ستقضي على الكيان الصهيوني، ومن يحالفه في الوطن العربي.
لقد بدأ العد العكسي في الهجرة من فلسطين إلى خارجها، وها هي الشعوب الحرة، تجاوبت عمليا، بأولى الخطوات الرائعة، حين اسقطت الأنظمة السياسية التي تحالفت مع الكيان، كنظام المحافظين في بريطانيا، وفي هذا الاسبوع ، اقدم الشعب الألماني على هزيمة النظام المتصهين في” برلين “، كما انهزم قبله حزب الصهيوني ” إيمانويل ماكرون” في فرنسا، وهذا يؤكد على مدى التأثير الذي أحدثه “طوفان الأقصى” عالميا، علاوة على تعزيز اتجاهات الرأي العام المساندة لهزيمة المحتلين الصهاينة في فلسطين، ونبذ المجتمعات المعاصرة لهم، وتنامي مظاهر الوعي التحرري، وتقدم رؤاه خلافا لأنظمة تابعة، لأنها نتاج الهزائم العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وتداعياتها، ولا أدل على ذلك من المفارقات الحاصلة حين انتصرت الشعوب لفلسطين، وحق العرب في استرجاعها، وبين الحكومات الراكعة تحت الحذاء العسكري الأمريكي، كما رأينا في اليابان التي لم تختلف حكومتها عن حكومات خليجية في مظاهر الإذعان، والإذلال، بينما نجد رئيس مدينة ” هيروشيما”، رفض استدعاء السفير الصهيوني لذكرى الإبادة الجماعية، لما في ذلك من رفض أخلاقي، وحضاري، بما يقوم به الصهاينة، والأمريكان من إبادة جماعية لمجتمعنا العربي الفلسطيني في غزة، ومدن الضفة الغربية.. !!
وإذا كان الغرب الأمبريالي، وشيطانه الأكبر أمريكا، والصهيونية العالمية في فلسطين، راهنوا على طول المعركة العسكرية، معتبرين التفاعل الثوري مع “طوفان الأقصى”، ظاهرة عابرة، تعبر عن التعاطف الإنساني الذي فجرت مدامعه مظاهر الإبادة الجماعية التي قتلت الإحساس الإنساني، كما تهيأ لهم، أن “التكيف” مع بشاعة القتل بالصواريخ، وبالقنابل الأمريكية التي تجرب لأول مرة لقتل أطفال العرب، ونسائهم، وأبريائهم ، فإن واقع الحال، أظهر أن التفاعل الثوري للشبيبة العالمية مع طوفان الأقصى، انطلق من الوعي بضرورة التحرر من الهيمنة الأمبريالية، وأنظمتها المدمرة للتقدم الإنساني،، لذلك كان افتتاح الجامعات الأمريكية، والإنجليزية للسنة الدراسية الجديدة، مستانفا بالمظاهرات الطلابية، وهذا يدل على أن التغيير أسس على الوعي التحرري، وليس على التعاطف الأخلاقي، والإنساني رغم قيمة الأخيرين، غير أن الأكثر فاعلية، هو الوعي بالتغيير، وتأسيس العمل الثوري على رؤى، وطنية، وقومية ، وإنسانية، وهذه كلها نجدها حاضرة بنسب متفاوتة بالنظر الى التأثر بطوفان الاقصى،، وعلى من يراقب أبعادها في الوعي الجمعي، ألا ينسى أن من تعريفات الفلسفة، أنها التعبير القيمي، والمتأمل فيما خلف الظواهر من سلوك جمعي، وأنشطة ثقافية في العصر على مر التاريخ، ومن هذا المنطلق، فإن تفاعل فلاسفة الغرب مع قضية الأمة في فلسطين، يجب أن ينظر إليه على أنه مؤشر بالغ الدلالة على تدشين الأنتصارات الأولية لفجر مشرق جديد، ونهاية لعصر مهزوم، وهذا الذي يمكن أن يقرأ على ضوئه بيان “الفلسفة من أجل فلسطين” الذي أصدره فلاسفة أمريكا، وتبعهم فلاسفة جامعة “اكسفورد” برسالتهم المفتوحة إلى نظام المحافظين بأن الوعي المعاصر، آثر التعبير عن طموحات الإنسانية في تحرير”غزة هاشم”، وفلسطين من البحر إلى النهر..!!
وباختصار، فإن تحرير فلسطين، هي قضية العصر، ويتوقف عند عتباتها التقدم العربي، والإنساني، والرخاء البشري، والحرية العربية الحتمية بعد، أن تعمدت بدم شهدائنا بهذه الأعداد الكثيرة من فلذات أكبادنا، ولعلها “المهر الغالي” للقدس، وفلسطين، من التضحية غير المتكافئة بين ابناء الأمة في سبيل قضيتها المشتركة، وهذا أمر يحز في النفس.