د. إشيب ولد أباتي: مدائن المقاومة الكبرى وعواصم المؤامرة الصغرى.. أمتنا تنتصر بالمقاومة.. وبقياداتها التي تتجدد !
في حديث ودي مع زميل وحدوي، انتهى به المطاف الى خارج” بلاد العرب أوطاني”، كان لايخلو النقاش من التوتر جراء ما يجري في وطننا العربي مما هو اسوأ من” الموبقات السبع”، ثم بادر بطلب الإجابة على سؤاله، قائلا : بكل ما في وجدانك من محبة للقائد اليماني “إبراهيم الحمدي”، فلو كان حيا، وقائدا لليمن، فماذا الذي تتوقع منه أن يصنع لليمن، وباليمن للأمة العربية، أكثر مما يقوم به بعزم الثوار، وباقتدارالجيش الوطني الذي حقق انجازا باهرا في التصنيع العسكري، والتسليح النوعي، وبفضل القادة الثوريين في صنعاء التي تحتضنهم، كما لو انهم يتكئون على جبالها رفعة، وبقوة الراسيات وبشموخها، وبعزة العرب لدورها القيادي، وكذلك بالجماهير المحتشدة في مدائن اليمن المجاهدة التي وقفت – ولازالت – بصمود الأبطال إلى جانب حركات المقاومة العربية في غزة هاشم لتحرير فلسطين؟
فقلت : فكأنما حاضرنا، وواقع أمتنا، قد استنطقهما الشاعران العربيان قبيل الآن، حين نادا ب”صنعاء” وب”بيروت”، حيث قال الأول: ” لابد من صنعاء، وإن طال السفر”،، وقال الآخر: ” بيروت خيمتنا، بيروت تفاحة، والقلب، لا يهدأ “..
فقد ازداد الشوق، والمحبة العربية لصنعاء، ولثوارها وقادتها حقا، ولبيروت زعامة عربية عن استحقاق مشرف للأمة في تاريخنا النضالي الحي، ولا نخجل من البوح بذلك، والإشادة به في كل المواقع، والمحافل الفكرية، وذلك من واجب الإشادة بالمقاومة وجمهور المقاومة في غزة، وجنين، والجنوب اللبناني، واليمن الذي سعدت به أمته، اكثر من سعادته بنفسه، والعراق النشامى المقاومين لكل الغزاة ، فجمهور المقاومة في اليمن والعراق هو وحده الذي ما برح مواقعه في الميادين، يتظاهر طيلة تسعة أشهر، الأمر جعل قياداته الثورية الحكيمة، تتسمك بثوابت الأمة في مواجهة الصهاينة، وعصاباتها العسكرية، والسياسية المتصهينة امريكيا، وعربيا،، طالما بقيت الحرب الهمجية، تحصد أرواح ثلاثة ملايين عربي في غزة، وأخرى في جنين، وباقي مدن الضفة الغربية المحتلة .
لقد استعاد اليمن دوره الفعال، كما سجله التاريخ المشهود منذ ” سيف بن ذي يزن”، ومن تلاه من القادة الذين، لم يبخل التاريخ بهم في اليمن العظيم، وكانوا، ككل القيادة التاريخية، ستأتي – على رأي “هيجل” في القيادة التاريخية للأمة – ولو لم تأت تلك القيادات المعروفة باسمها، ونضالها، ومواقفها المشهودة، وأدوارها المشرفة..
وقادة اليمن اليوم، جاءوا، فاستانفوا حركة التاريخ اليمني الحديث منذ الثورة في ستينيات القرن الماضي، وما لبثت الثورة، أن “أكلت أبناءها” – كما يقال – حيث احتل الصدارة من بعدهم العملاء، وغيبوا دور القادة الوحدويين، بل صفوا جسديا بالاغتيالات ، وكان اكثرهم تأثيرا، وابرزهم اخلاصا للوطن والامة،هو القائد “ابراهيم الحمدي” رحمه الله تعالى، ولكن ابرهيم الحمدي، لعله اليوم يتنعم في قبره، ككل أحرار اليمن الذين استشهدوا من اجل اليمن، واستعادة دوره في التاريخ، لأن مشروعهم طورته – وتطوره – القيادة في حركة المقاومة العربية بعد طوفان الأقصى.
وقد حصلت على تأييد الرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج، فلك أن تتصور عمليا، لو جرى التصويت في انتخابات حرة يتنافس القادة على الرئاسة الدورية للأمة، سواء أكان ذلك في وحدة اندماجية، أو فيدرالية، أو حتى اتحاد، يخضع القادة فيه إلى إجماع الرأي العام العربي، لأن الرأي العام العربي مقموعا – وليس مقصرا في وعيه – ولكن إلى حين، تحصد نتائج الانتصار في غزة، وإياك، ثم إياك، أن تعتقد أن الرأي العام العربي مغيب الوعي، أو أنه لا يفكر في الشأن العام، فهو يعتقد جازما، أن فلسطين، هي : السبب ، وهي النتيجة في آن معا، لذلك، فالأمة، تدرك تماما القريب من فلسطين، والبعيد منها على حد سواء، أن مصير العرب في غزة،، فهي قبلة الوعي العربي، والعمل العربي ، وزعماء الخنوع ، والانبطاح، هم في حبل يخنق اعناقهم في اسطبل الخيانة، منذ أصبح دورهم محصورا في مؤازرة الصهاينة لهدم الاقصى، وتهويده، فلا فرق بينهم ، وبين الخائن العربي السابق عليهم – الذي لايستحق الذكر- حين كان دلالا، ل” أبرهة الحبشي” إلى طريق مكة، لهدم الكعبة المكرمة “.!
ومن مظاهر الوعي العربي العام، أنه بعد طوفان الأقصى المبارك، صنف المدائن: غزة، وجنين في فلسطين، وعواصم عربية أخرى، صنعاء، وبيروت، وبغداد، ودمشق، باعتبارها تسجل أدوارا، كعواصم ثابتة المبدأ، لتحرير فلسطين، لأن مدائن قوى المقاومة، هي اليوم: ” الإقليم القاعدة” رغم المسافة بينها، وعلى الرغم من ذلك، فهي قاعدة التحرير التي تبشر بالحاضر المقاوم لفرض وجود الأمة، وإخراجها من حالة الكمون إلى الفعل، ومن الشك العدمي، إلى اليقين الذي لا تصدق الأمة غيره، وليس هذا مبلغ وعي كتابها، وطلائعها الثورية في المقاومة العربية العسكرية، والفكرية، بل هو: “الوعي الموحد” لروح الأمة الذي يمور في وجدان كل عربي، سواء أكان أميا، أو أمية، متعلما، أو متعلمة، ربة بيت، او عانسا، أو مترملة، شابا كان، أو شابة، شيخا هرما، أو يافعا على مقاعد الدراسة، صبيا مولودا في المهاجر، يحرم على تفسه الأكل في مطاعم ” ماكدونالد”، أو حتى لو كان من رعاة الأغنام، أو البقار، أو حراس الصهاينة من حمير ” رام الله”!
لذلك عليك عزيزي، أن تعلم علم اليقين، أن في عيون الأمة المبصرة بنظرها الحاد، وبصيرتها الثاقبة، قد تقزمت قيادات أكل عليها الزمن العربي الخياني، وغابت أدوار العواصم الكبرى، وأصبحت لا تكاد ترى إلا بالمجهر مثل القاهرة، وعمان، والجزائر، والرياض، وتونس،، واختفت أخرى نهائيا، كما لو أن الرمال العربية، غضبت عليها بريح صرصر عاتية،،فأمرتها العناية الالهية بوأدها حية عن سبق اصرار – تعالى الله علوا كبيرا عن كل تشبيه – نظرا لإجراء وانحراف الأقزام، من الزعامات المتصهينة..
وهكذا كان تصنيفها في نظر الرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج، و كأنما لم تكن تلك العواصم العربية، إلا ك” عاد وثمود”، و لم تملأ دنيا العرب، ولا شغلت العالم بحضورها، ودورها في التحولات الحضارية، والاستقلالات الوطنية، و توجيه مؤشرات حاضر الأمة قبل خمسين عاما ..!