نحن أمة الموت والشهادة / الدكتورة النجاح محمذن فال

2024-06-05 02:33:43
 

نعى كتابنا المقدس رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو حي، فقال "إنك ميت وإنهم ميتون"..هذا حكم عام، فالموت مصيبة كما حددها القرآن (فَأَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ).

ويؤجر الصابرون على فقد الأحبة عظيم الأجر (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )..ومع كل هذا الثواب، فإن مصيبة الموت ليست هي الشهادة ..

الشهادة مقام عظيم، نحتاج كثيرا لاستجلاء معانيه السامية، خاصة شهداء ساحة الشرف..الشهيد لا يتعرض لسؤال الملكين.. الشهيد لا يمر بالبرزخ.. الشهيد تطير به طيور قادمة من الجنة إلى سدرة المنتهى، ويستقر في الجنة (عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾.

وقد ورد في تفسير الطبري أنها هي يمين العرش، وهي منزل الشهداء في الجنة، فما بالك بشهيد مثْل ابني، النقيب الطيار المقاتل سيد احمد محمدن احمد باب غلام-الاسياد، الذي ارتقى شهيدا يوم الخامس عشر من مايو 2024، في مهمة قتالية كشفت الفيديوهات كيف نفذها بمهارة وروح فدائية، عكست معدنه النبيل واستعداده للتضحية في سبيل من أقسم يوما على أن يحميهم، حيث جنب ساكنة مدينة أطار كارثة محققة، كانت ستخلف ضحايا كثر لو سقطت الطائرة على الأحياء السكنية..وحين انتشرت ألسنة اللهب حول الطائرة المنكوبة،كان من حق ابني الاسياد أن يستخدم مظلته وينجو بحياته، لكنه فضل فداء السكان وظل يقود الطائرة بثبات، إلى أن تدحرجت نحو المطار والنار تشتعل، حتى تمكن في بطولة أسطورية من تخطى كل الأحياء السكنية..

ملحمة بطولية أسطورية، سجلها ابني البطل الشجاع سيد أحمد محمدن أحمد باب غلام، الذي اختار الفداء والشهادة على أن ينجو بنفسه، ويترك السكان يواجهون كارثة ..

مفهوم الفداء هو درس عظيم وقيمة سامية، علينا أن نزرعها في أبنائنا، أسوة بالقرآن الكريم (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) صدق الله العظيم…

هذا هو الجزء الأول من الملحمة البطولية، أما الجزء الثاني فهو الذي انشغل فيه بإنقاذ الطيار المتدرب،الذي كان يدربه سيد آمين، الذي ارتقى شهيدا بعد كل محاولات إنقاذه..

لقد شوهد ابني النقيب سيد أحمد وهو يدفع الطيار المتدرب سيد آمين إلى القفز بالمظلة، وقد نجح في ذلك لكنه ارتقى شهيدا بعد القفز.

ليست الشهادة موتا، بل إن الله نفى الموت عن الشهداء، فقال {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.  وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم.

مقام الشهادة هذا يجب أن يظل عظيما في نفوسنا، وأن يبقى الفداء للوطن والتضحية من أجل المواطنين مطلبا نبيلا عندنا..

لقد سُطرت هذه الملحمة الاسطورية ذات صباح، بأحرف من ذهب على جدران الذاكرة العسكرية الوطنية، حينما قدم ابني سيد احمد محمدن غلام روحه فداء لساكنة أطار، ولا شك انه استحضر الآية الكريمة (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).

إن مفاهيم الفداء والشهادة والتضحية، تنتمي إلى مدرسة ومنظومة قيمية لا يدركها إلا من انتسب لمصنع الرجال، الذي هو الجيش الوطني الموريتاني ..

ولا تتحقق الشهادة في سبيل الله إلا من خلال المهام القتالية للجيوش الوطنية.

أما من يحصدون أرواح المدنيين، ويستهدفون جيوش دولهم، فلا نصيب لهم ولا حظ من الشهادة…

تقبل الله ابني وسائر شهداء الجيش الوطني في عليين، وتغمدهم برحمته الواسعة…

عاش الجيش الوطني، درع البلاد وحامي حماها، وعاشت موريتانيا قوية بتضحيات أبنائها البررة…

_______________

(*) أم الشهيد النقيب الطيار سيداحمد محمدن احمد باب

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122