لم يكن الشخص الذي يتكلم وحده مصنفا بين العقلاء بل كان ضمن المجانين حتى وقت قريب.
ولما ظهر الأنترنت أتاح إمكان تسجيل الفيديوهات والصوتيات والمكالمات والتدوين، ما أدى إلى تغيير تلك الثقافة.
تغيير تلك الثقافة أصاب العقل العربي بالذهول إلى درجة جعلته يقبل كل مايخالف الثقافة السائدة بمافيه ثوابت العقل السليم.
وفي ظل ارتباك كهذا وجد نكرات فرصتهم ليتحولوا إلى أصنام يعكف عليها بعض الناس طوال الوقت، بل صار البعض يأتمر بأمرهم ويقلدهم كمراجع بديلة يتعلمون منها الحسن والقبيح والخير والشر.
المراجع البديلة قادت الناس نحو جاهلية لا تعرف حقا ولا تنكر باطلا ولا تقيم وزنا لعلماء الدين الاسلامي وهم مراجع أصلية لتمييز الحق عن الباطل !!
يروى أن أعرابيا جاء إلى منهل وعنده بعير وضع عليه حملا من شقين، أحدهما فيه متاع والآخر حجارة وتراب.
قال له قائل غير الوضعية واقسم الحمل وتخل عن الحجارة والتراب واقسم الأمتعة بالتناصف بين الشقين كي تخف الحمولة على البعير، فامتثل رأيه وطبق ذلك.
وبعد تمام العملية سأل الأعرابي صاحب الرأي قائلا :
ما اسمك
فأجابه قائلا اسمه.
ثم سأله : هل أنت صاحب رأي في قومك، أي هل أنت حكيم
قال : لا
وأضاف : هل أنت رئيس في قومك
فأجابه : لا
فأضاف : هل أنت عالم دين
فأجابه : لا
فقام الأعرابي ورد وضعية الحمل إلى ماكان عليه أول مرة قائلا :
لن أساهم في صناعة رأس فتنة.
لكن خلف من بعد الأعرابي المذكور خلف لا يقيم وزنا لتلك المعايير، ما أتاح للنكرات والسفلة فرصة تسويق حماقاتهم الضارة.
في عصرنا ظهرت قدوات إنجازها الوحيد الصخب والثرثة، وبهما وحدهما نالت القدوة والقيادة.
استفحلت تلك الظاهرة بموازاة ظاهرة الأحزاب عديمة الأفكار التي تتأسس على شخص رئيسها الذي يتحول من شخص إلى غاية !!
أزمات أمتنا إذن مردها إلى التشويش الذي تتركه آراء مغرضة لنكرات ليسوا مرجعية في العلم ولا في التنمية ولا في الجهاد وليسوا كراماء بذلوا مالهم في صنائع المعروف، إنهم والعدم سواء، وما أبرئ نفسي.
وبه صرنا بلا مناعة عقلية في مواجهة الكلام الذي ينفثه كل طامع في اصطناع مكانة بلا أسس.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
المحامي محمد سدينا ولد الشيخ