“نحن غزة الابطال ” قالها الشاب و كان ذراعه المجروح مرفوعا الى الأعلى وقابضا يده، وهو الواثق من الانتصار على عدوه كما لو أنه طرحه أرضا تحت قدميه لحينه، فخلت أن الصورة المنشورة في الإعلام المرئي أخذت مجتزأة من ملحمة بين الشاب وأحد أوغاد العدو الصهيوني، فبعد أن صرعه رفع رأسه عاليا ليقول لثوار العصر الماضي، ها نحن الغزاويين نجدد العهد لكم في مواجهتنا للعدو الصهيوني ومن جهة أخرى يطعن في شرف ” العرب الرسميين”، ليعلمهم البطولة من اهل غزة، لا العنتريات التي يعتاش على ألقابها الحكام وعسكرهم الخمسة، وعشرون مليونا في الوطن العربي من حاملي السلاح فيما يسمى بالجيوش العربية التي تكرشت في دورات التسمين منذ حرب اكتوبر سنة ١٩٧٣م، حتى اصبح السلاح خردة في أيديهم غير قابل للاستخدام..!
كم هي الصور التي تدمي قلوب المشاهدين، مما تتشابه فيها المآسي من قتل، ودمار وتدمير للبناء الاجتماعي لمجتمع كان تعداده يزيد على مليونين وربع المليون دون أن يتأكد المشاهد العربي من مقاصد الاعلام التجاري، فهل هو محصور في عدد المشاهدين او من أجل التنديد بالمجازر اليومية خلال العشرة و المائة يوم الحالية من يوميات الحرب الصهيونية على أبرياء المجتمع العربي الفلسطيني المحاصر في ” غزة ” بأسلحة القتل السادي، وبالجفاء اللافح المدمر لعاطفة الأخوة العربية الظالمة وعجز المجتمعات العربية المهزومة إراديا عن إغاثة بني بجدتها..؟!
عندما قامت الانتفاضة الأولى في فلسطين في العام ١٩٨٧م، وتصدرها الأطفال في أحياء محافظات مدينة “غزة”.. قال الراحل نزار قباني “يا اطفال غزة علمونا الرجولة،،، والبطولة..”، واليوم صار أطفال غزة آباء، وأمهات، وها هم اليوم يقدمون أنفسهم فداء للوطن المحتل، وتحريرا للأمة التي “خنا عليها الدهر” بحكام، عجز المتنورون عن تقديمهم بأسمائهم القبيحة التي تعبر عن خصائص جينات عقيم ” البغال”، وكأنهم خلقوا من أجل امتطاء بني صهيون لهم ليؤكدوا مصداقية الوهم في تلك القراءة لخرافات “التلمود” في أن ” قوما” خلقوا ( حميرا ) لبني صهيون للاستعانة بهم في مشروعهم الاحتلالي وهؤلاء يرونهم بهذه الطاعة العمياء كما عبر عنها خضوع حكامنا الذين تفردوا بالتوصيف التالي : ” العرب الرسميين ” الذين حفروا، لرؤوسهم في الرمال حين كان المتوقع منهم ان يرفعوا رأس امتهم في هذا الامتحان الوجودي، لكن واقع الحال انهم لم يكونوا في مستوى المتوقع منهم، الأمر الذي يعوض عنه عبثا، بعض الإعلاميين بهذه الألقاب “الاسمية” التي لا قيمة لها، وكما قال الشاعر الاندلسي في امثالهم :” القاب مملكة في غير موضعها…كالهر يحكي صولة الأسد”، وإلا فأي “العرب الرسميين”، يستحقون الألقاب، بينما، هم” جينيا ” بغال يتبادل الركوب على ظهورهم “المدبورة” لطول تحملها اثقال أليات كل من “جو بايدن”، والنتن إياه” المثقلين.. فضلا عن افرازاتهما الخنزيرية، كأية أثقال قاتلة، وإن كان هذا أسوأها، غير أن ما يهمنا هو ضرورة مطابقة الأسماء للتعبير عن هويات حامليها.
ف”العرب الرسميون” من حكام مقادين، محتقرين من ركابهم، كالبغال التي قهرها ركابها من رؤساء حكومات الصهاينة، ورؤساء امريكا منذ ” جيمي كارتر” الى ” جو بايدن” الناعس على حد تعبير نظيره ” ترامب”..! أن” العرب الرسميين” هو مفهوم يعبر عن بحث في تفرد حكامنا عن سابقيهم من حكام العصور السابقة في تاريخ العرب،،! لعل ذلك من جهة تبعية المهزوم لقاهره، كتبعية “ابن عباد” للفونسو الاحتلالي بعد أن انهزم الأخير في معركة ” الزلاقة ” بقيادة ” يوسف بن تاشفين ” رحمه الله تعالى.
والجدير بالذكر دور الصفات ومحوريتها لحكام القهر والإذلال العربي الحالي، مما لم نجد له أثرا في تراث الأمة الذي أجاد التنظير فيه ” الفارابي” في كتابه ” المدينة الفاضلة”، الذي وضع حدوده للأسماء للتعبير بها عن الصفات الاخلاقية ونماذج الهويات في التصنيف للحكام المطلوبين شرعا، وتشريعا، وطبائع، و كذلك اللاخلوقين المطلوب اقصاؤهم واسقاطهم شرعا سدا للذريعة ..
وقد راجعت مكتبتي بحثا عن الألقاب الحديثة التي تبرع بها الكتاب لحكامنا، وسجلوها في كتاباتهم، كشهادات دالة على السلوك السياسي المنحط اخلاقيا ومروءة بما يفقد الشرعية عن كل حاكم على حدة، فالراحل عبد الرحمن الشقيري رحمه الله قد اعطى لقب ” صاحب القطط “، لأحد الملوك وذلك بسبب اهتمامه بالقطط التي كانت تتجمع حواليه في ساحة المسجد الأقصى في الوقت الذي كانت زيارته تخفي تواطأه مع الصهاينة، وتفريطه في الأقصى، واستهتارا بالأمانة التي في عنقه لحماية أولى القبلتين من الصهاينة والمحتلين.
فهل أراد عزيزنا الإعلامي الشهم أن يعطي اسما متفردا ولو باكتئاب عربي عام لفرط السخط من حكام هذا الزمن العربي الرديء، جراء مواقفهم الخيانية دون أن يحددها زميلنا بصفات ذات أبعاد مفهوما ومضمونا؟! ربما، كان ذلك عن حسن نية في الاجتهاد لتسجيل الالقاب في ذاتها دونما غاية شخصية، لكن ستبقى من ابداعه المتميز، فهل نحتاج للتذكير باسمه الكريم، أو أن من الأفضل تجنيبه مثالب، ستنطلق تلقائيا من أفواه الجماهير العربية تعبيرا عن الغضب على ” العرب الرسميين” ..؟!
ونظرا لاسترجاع الأحداث، ودور الحكام المخزي فيها، فجاءت ألقاب بعضهم للتنويه تارة، والقدح في الأغلب، اما التنويه فغاية اصحابه من الكتاب هو التلميع، كما يلمع ماسح الأحذية بأيديهم الشريفة من الأتساخ اللاصقة بها بغض النظر عن مساوىء المقارنة، ذلك أن ماسح الأحذية، اشرف من الحكام الذين لن تغسل رذائلكم بحار العرب مشرقا ومغربا، احرى تلك الالقاب التي لا ترد شرفا فرديا، او عائليا، أحرى وطنيا وقوميا، ولا ننسى من ذلك لقب ” البقرة الضاحكة “، وما جلب من مآسي على الأمة وطنيا، وقوميا،، وكذلك ” النعامة ” الذي أطلق على قاتل أطفال مخيمات ” تل الزعتر”، فحرم الأمة من أن يعطي فرصة للحياة الكريمة لابنائهم، ثم ليمنح ضحاياه شرف المشاركة في تحرير فلسطين المحتلة.. !
ولن ينسى معظم كتاب هذا الجيل الذي يكتب افراده في “المواقع” الافتراضية الحرة، كشهود على أحداث الأمة العربية منذ الخمسين سنة الأخيرة، تلك الألقاب التي كانت تعتبر أكثر صدقية من غيرها، إذ لم يطلقها خلافا لاصحابنا اليوم ممن في نفسه ” شيء من حتى” ..
فالشاعر”مظفر النواب” اعطى حكامنا الميامين لقب “كلهم ابناء العفيفة” والعكس، بينما بعض الالقاب كانت من قبيل التنابز بالالقاب، ك” خنازير الجزيرة العربية”، و ” أشباه الرجال”، ولا ننسى حساسية هذين اللقبين الأخيرين لتداعياتهما التي جلبت الكثير من الإجرام على صاحبيهما، وبالتالي على مجتمعهم، واحداث الأمة حاليا…
ولكن الألقاب التي انتزعت، ولم تعط جزافا، او مجاملة، أو مخاتلة،، هي تلك التي تنطلق من حناجر الأبطال الذين يرفعون اياديهم بأذرع مجروحة، ولو أنها لا تطهرنا من عار القهر والمذلة العربية.. كما تفعل هذه الشبيبة العربية اليوم في فلسطين، وفي ميادين القتال في غزة، وجنين، وطولكرم.
رأي اليوم
كاتب عربي موريتاني