كانت ” إسراء جعابيص” أسيرة في الأول من أكتوبر 2015 إلى 26 نوفمبر 2023م. وهي من ضمن المجموعة الثانية للأسرى المحررين في صفقة ” الهدنة ” المؤقتة – واستكمالا للانتصار الحتمي – التي شملت مجموعة من ابناء، وبنات، وسيدات عرب فلسطين اللائي ضحين باعمارهن، وجمال اجسادهن، واحلامهن، وأسرهن، ومجتمعهن، وحاضرهن، وذلك في سبيل انتزاع حق هذه الأمة في الوجود المهدد بالاحتلال الصهيوني الذي، أصبح لا يحتمله في الوطن العربي، إلا حثالات، هم وكلاء للغرب في “اصطبلات” أنظمة الحكم العربي اسميا، المتصهين عمليا..!لقد عبرت أسيرات الحرية لفلسطين عن جمال العروبة المشوه في سجون الاحتلال بالتجويع، والتعذيب النفسي، والجسدي، لينتهي بحرق أجسامهن المصونة بالعفة، وبإرادتهن العنيدة، وعزائم صبرهن الذي يعلو فوق إرادة البشر الطبيعيين..! ولم يبق من رصيد القيم الرفيعة للأمة إلا هذا الوميض – كبرق في ظلمات الليال العجفاء – في ذاكرة بنات فلسطين، وسيداتها، لإحياء الأمل المقاوم الذي، لا يعرف للإذعان مساحة في مجال الواقع العربي المتصهين، والمهزوم..!
إن حرمان ” إسراء جعابيص” من قوة اليدين العضلية، والمظهر الخارجي العرضي في أول لقاء مع الإعلام المرئي ، إنما كان يمثل لها سيماء جمال جذاب لا نظير له، و لا يعتوره تأثير عاديات الزمان، لأنه عبر عن مظهر جمال الروح الخالد، كخلود القدس في معتقداتنا الروحية، والتحررية ، ذلك، أن تلك المظاهر العرضية لم تحل دون قدرات ” إسراء جعابيص” العجائبية في صرع العدو الصهيوني بسجانيه، ومحاكمه الصورية الهزيلة، وطول فترة السجن، ومعاناتها النفسية، والعضلية .. نظرا لوعيها المقاوم، وفكرها الممانع دون أن تسقطها المساومات، ولا المفارقات في موازين القوة، ورغم ذلك استطاعت، أن تظهر للعالم وجه الصهيونية الإجرامي القبيح، و ساديته الحيوانية التي حكمت على نفسها بالسقوط الحضاري، وللغرب المتصهين، والمستعمر الأمريكي الذي أظهرته، لا انسانيته بهذا التجسيد الحي ل” نيرون” قادة الزمن الأمريكي التي، تتلذذ بمحارق واقعنا العربي في غزة ، وفلسطين، وبأنه يتغذى باشلاء اطفال العرب، وجثامين الابرياء من رجال ونساء، ولا يعجزه فقدان الضمير الإنساني عن بتر أطراف حرائر العرب في سجون الصهاينة.. وبذلك كانت السجينات الفلسطينيات شهود عصر المحارق الجسدية للوجه العربي الجميل الذي يزدان جماله على كل جمال قيمي، ولا يشوهه سوء أفعال الاجراميين الصهاينة، أو إذلال لروح الفدائيات اللائي لم تعرفن الانكسار، أو عدمية التافهين في هذه الأمة التي لم تحرك ساكنا عندما سُجِن نساؤنا، فما كان منهن إلا هذه التضحيات للخلاص، فأصبحن” ايقونات” للحرية في فلسطين، والوطن العربي من المحيط الى الخليج…!سيدتي وجهك القمري، يشع بجماله، و بنوره على مسافة تجمع بين حدين:١ – الهزيمة العربية، وتضحيتك خلالها. ٢- والانتصار منذ 7 أكتوبر في غزة العزة.وانتما يا اسراء جعابيص، وغزة هاشم، الوجهان الجميلان اللذان يستحقان النظر فيهما بحق، ويبعثان فينا الفرح والسرور.. ولن تتأثرا بمظاهر التشويه المقيت، لا في مظهريكما، لأنكما حملتما القيم الجمالية بكمالكما، والتضحية لإنقاذ أمة العرب، واحياء ضميرها الذي مات، ولأنكما احييتماه بافعالكما القيمة، و جمالكما الأخاذ نظرا لجسامة هذه التضحيات الكبيرة لجميع بنات فلسطين في سجون الاحتلال، كما يضاهيها الاشلاء في مشافي وشوارع، ومنازل ” غزة “، هذه المدينة العظيمة بانتصار ابنائها على العصر الأمريكي، الصهيوني الذي يتواري الى غير رجعة، ولا أسفا على رحيله الذي كان ثمنه هذه المقاومة في ميادين السجون الممزقة، لكينونة الإنسان، وهو في عمر الأشبال، والبنات، والسيدات ، وهذا أمر، يضعف عن تحمله، والصبر عليه مجتمعات الامة ، إلا انتن بقوة الإرادة وعزيمة الأنتصار، حتى سلمتن الراية لقوة السلاح في” طوفان الأقصى” في ذلك اليوم المشهود من أيام العرب التي، تتميز بأنها قليلة العدد، لكنها عظيمة في التقويم التأريخي، ليكون آخرها في فلسطين من أجل استئناف ثورة التحرير الثانية على أرض العرب في القرن الواحد والعشرين، بعد ثورة التحرير الجزائرية في القرن السابق.. ولعل هذا التحرير، سيؤسس لعصر العروبة الجديد، الواعد بالتحرير، والاستقلال الفعلي، والتجديد لوعي كاد يغيب للأمة المترهلة التي استكانت للمهانة، وفقدت وعيها لذاتها، ولقيمها في الندية، والنزوع نحو اجتراح مداميك الحرية، والتحرير قبل طوفان الأقصى في السابع 7 اكتوبر الذي ألهب مشاعر المجتمعات العربية، وأعاد لها ذاكرتها الميتة بفعل تراكام عوامل عديدة، كالتشكيك في أننا أمة واحدة، واننا نستطيع الخروج من سجون الاحتلال، وتكسير قيود وكلاء الامبريالية الامريكية بالمظاهرات السلمية ضد الصهيونية، فحسب ..!كما أوقد “طوفان الأقصى ” مشاعل الوعي التحرري للملايين من الشاب العالمي، الذي صوب وعيه بالحرية المجسدة للضمير الإنساني، وبصدى الانتصارات في آفاق الكون بين ظهراني المجتمعات المعاصرة.. سيدتاي المصونتان بالمحبة القلبية : المناضلة العظيمة “إسراء جعابيص”، و”غزة العزة”، يا جميلتي هذا الزمن العربي الذي تقودانه بخرطومه لتنقذان أمتكما منه، وهي واقفة القرفصاء في الظل الدامس منذ الف عام، وقد احترقت مدائنها، وسلبت إرادتها، وأخصيت الرجولة فيها، ولم يبق منها، إلا ” فأر” الذكورية النرويجي الذي، يتكاثر بلا قيمة له، إلا بقدر ما يحرك غرائزه التي لا يعرف لها عدا، حتى تجاوزت الأمة الأربعين واربعمائة مليون عربيا، وهي تقبع تحت سياط الخوف من فرقة “غزة” في جيش المحتل التي، هي الآن حبيسة الإرادة العربية المبعثة في فلسطين، وتتويجا، للتضحيات المرتسمة على جبين سيدة النساء العربيات ” إسراء جعابيص”، جنبا إلى جنب مع خواتها المحررات… لهذا انت يا” إسراء ” أجمل من جميلات الأرض..وسيذكرك تاريخ الأمة، كما ذكر ” كيلوبتراء”، ورفيقاتك في السجون، إيذانا بزوال عصر الاحتلال الذي، سيرفع رغم انف امريكا ، عصاه على كاهله، ويرحل كشتات الأفاكين في الآفاق دون أن يكون موجودا في عداد المستقبل القريب..…لقد كانت مظاهر حرائر فلسطين المحررات من سجون الاحتلال ، أقوى تعبير فاضح عن حقيقة العرب المخزية، ولقد جسدت أمام ناظري تلك الرسوم عن حقيقة ” الحرية العارية” في كتاب ” إعدام السجان” للدكتور الراحل عصمت سيف الدولة – رحمه الله -، حيث زج به في سجن، السجان السادات، فكتب – عصمت – عن السجون، وعن رموز الحركات اليسارية في السجن، وتحولها الى أشخاص محبطين، يتحلقون حول مشعوذ، يستحضر الأرواح، ويزعم معرفة مصائر، ومستقبل المتحلقين المصدقين بما يلوك به لسانه..!وقد فات السجناء – وعلى غرارهم الحراكات السياسية العربية اليوم المتخاذلة، والمهزومة – أن مستحضر الأرواح، مرسل إليهم من طرف المخابرات لمعرفة، ماذا يفكر فيه سجناء الرأي في عصر الانفتاح – وامتداده عصر عبد الفتاح السيسي – باعتباره بداية الردة الكبرى، والهزيمة الماثلة ، والغزو الأمريكي للأمة منذ ال 6 من اكتوبر 1973م، إلى ال7 من أكتوبر 2023م..! وإذا كان مشهد تحرير الأسيرات، حمل الفاجعة التي جعلتني استحضر تلك الرسوم عن حقيقة “الحرية العارية في الوطن العربي “، نظرا لتفاهة وجودنا بدون وعي بقضيتنا في تحرير فلسطين، وإخراج ابنائها، وحرائرها من سجون المحتل الصهيوني، وهزيمة الصهاينة، وطردهم الى مجتمعاتهم…فإن الأطراف المحترقة للمناضلة، الثورية ” إسراء جعابيص” من بنات وسيدات هذه الأمة، إنما أعادت لذاكرتي نضال أمتنا في حرب الجزائر، كما في رواية ” أصابعنا التي تحترق” للراحل ” سهيل إدريس”، لأن تلك المشاهد الحية التي، كانت تشع بالأمل في النفوس بالحيوية، والإباء المشترك بين الثوار في جبال الأوراس، كالأمل من الثوار بقيادة المقاومات، والمقاومين في فلسطين، ولبنان، والعراق، واليمن في هذه المعركة المصيرية ..ونتمنى، لو أن نتائج ثورة الجزائر، تكون ” المثال” الناصع للمقاومة لتحرير فلسطين بعزيمة حلف المقاومة العربية، في وحدة ساحاتها حتى تحرير كل فلسطين المحتلة منذ الاحتلال الانجليزي الذي سلمها للصهاينة، كما تحررت الجزائر من الاستعمار الغاشم منذ 1830م. إن انتصار الثورة في فلسطين على المحتل الصهيوني، ستغير وجه الوطن العربي على غرار مفاعيل الثورة في الجزائر..وإنها لثورة عربية، حتى النصر، أو الاستشهاد…طن العربي على غرار مفاعيل الثورة في الجزائر..وإنا لثورة حتى الانتصار او الاستشهاد
د.كاتب عربي موريتاني.
نقلا عن صحيفة القدس