شاهدت في نيجيريا، وتحديداً في أبوجا (مارس 2004)، حادثة هي الأغرب والأكثر إثارة للدهشة في مسيرتي الدبلوماسية. كنتُ في مؤتمر وزراء خارجية الاتحاد الأفريقي، وأذكر أني اغتنمت فرصة استراحة لأخرج للوضوء وأداء صلاة الظهر. خلعت ساعتي من نوع "رولكس" أهدانيها - أو أهداني إياها لأنصار سيبوَيه - سمو الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأسبق، رحمه الله. وضعتها على حافة الحوض احتراسا من الماء. وكان بجنبي أحد الزملاء يغسل يديه من الحنفية الموالية. أكملت الوضوء مسرعا، و ارتديتُ حذائي. نظرت حول المكان ولم أر الساعة. بحثت عنها في كل الجهات، ولم أجدها. تظاهر الزميل بأنه لم يلاحظ أي شيء على الرغم مما انتابني من بَلْبَلَة و انْزِعَاج. تنشف بمناديل وخرج دون أن ينبس ببنت شفة. لم يساورني أدنى شك أن معاليه "تلثم" على الساعة، ولكني قررت التزام الصمت. في الحقيقة، لم يكن لدي خيار آخر، وإلاّ فجرت قنبلة أخلاقية وأزمة دبلوماسية غير مسبوقة. لذلك، اخترت التستر على ما جرى وإغلاق الموضوع نهائيا.
منذ ذلك اليوم وأنا أتطلع لمعرفة ما إذا كان يمكن لهذا النوع من الفضائح أن يحدث حقًا بين حكام العالم. و وجدت الرد في القاهرة (يونيو 2004).
حضرتُ مأدبة عشاء بدعوة من معالي الوزير أحمد أبو الغيط، وزير خارجية جمهورية مصر العربية والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، و روى أحد الزملاء رواية غريبة عن الملك الحسن 2 ورئيس فرنسي شجعتني على الكشف عن قصة "أبوجا".
قال معالي الوزير إن أحد الرؤساء الفرنسيين كان مدعوا على مائدة الحسن 2 رحمه الله، وكان هذا الرئيس مولعا بتجميع الملاعق الصغيرة النادرة. وقعت عيناه على ملعقة من ذهب مطلية بالماس بين صحون الحسن الثاني، فاستَلها من على المائدة، ووضعها في كمه، ثم في جيبه.
والحسن الثاني يتابع المشهد. و قبل انتهاء المأدبة، بدأ الملك في مزحة، وهو يقول لمدعويه: هل تعرفون أني أبدع أيضا في السحر والعرافة، انظروا... وأخذ ملعقة صغيرة كتلك التي سرقها الرئيس الفرنسي، وأدارها بين أصابعه ليخفيها، ثم قال "أبرا كدابرا.. أبرا كابرا".. الملعقة الآن في جيب السيد الرئيس. ويضع الرئيس الفرنسي يده في جيبه، ويخرج الملعقة التي سرقها، وتغطى الحادثة بهزة من تصفيقات المدعوين.
وأكّد لي الوزير أن الصحفي الفرنسي المعروف "استيفان بيرن" وثَّق هذه الحادثة (2013) في برنامجه الشهير "كمان سافا"، دون أن يذكر إسم الرئيس. والغريب في الأمر أني وقفت عليها بإمضاء "مصطفى العلوي" في كتابه "الحسن الثاني : الملك المظلوم"
(ص 118).
ومعلومٌ أنّ الحسن 2 عايش 6 رؤساء فرنسيين؛ هم شارل ديكَول، جورج بومبيدو، جيسكار ديستان، ميتران، جاك شيراك.
العبرة من هذا أنّ عالم الملوك والرؤساء والوزراء وأهل المال والأعمال و"الهرم" من "فَوگْ" يُخبِّئ من العجائب والغرائب ما لا يتخَيله الإنسان العادي النظيف ولا يخطر على باله.. دهاء، جشع، خداع، ذكاء، إخفاء، إلخ،،،