خالد، ونوفل، وفُضيل، وشمّاخ، وأحمد، ورباح، ستة رجال من طلاب العلم جمع بينهم البحث عن "ضالة المؤمن"، يتدارسون العلم النافع، وكل منهم يعرف ما ينقصه، وما لدى بقية أصاحبه من معارف، فشكلوا مدرسة متكاملة، يستفيد منها كلٌ من صاحبه في جلسات العلم والبحث والمحاضرة، فعاشوا فترة مستلذين بلذة نور المعرفة والتحصيل التي لا تعادلها لذة.
وفجأة انضم إلى ذلك المجلس العلمي شخص سابع، لكن، لا هو طالب بحث عن الحقيقة، ولا هو متعلم، بل "عالم متبحر"، لا يسأل ولا يستزيد، ولماذا يسأل ولديه علم الأولوين والآخرين، وما ظهر وما بطن..؟ وإن سُئل هو عن مسألة مهما كانت صعبة، فهو أعلم من أن يقول لا أدري، بل يقول فيها الجواب اليقين الذي لا يقبل الشك.
وإن تكلم شخص منهم، جادله حتى "أسكته"، وإن حرر أحدهم حكم مسألة في ورقات وعرضها على زملائه ليستفيد من ملاحظاتهم، دبج هو تأليفاً موسعاً في المسألة، مهما كان حقلها من المعارف، فهو أبو المعارف، فقهاً وتاريخاً وطباً وهندسةً، وبيّن غلط المؤلف، فالحق معه هو وحده.
من أول يوم دخل "زيد" إلى الحلقة اكتشف الجميع حقيقته، فهو ليس باحثاً عن الحق، مثلهم، ولا هو طالب علم جاء للتعلم، ولا هو "عالم متبحر" كما يظن نفسه، بل هو "متعالم" تملي عليه نفسيته أنه أعلم خلق الله، أعلمهم دون تعلم ولا علم، فلم تزاحم ركبتاه ركب العلماء يوماً، ولم يسود متناً ولم يبيض حاشية. لكنهم صبروا عليه في البداية علّه يستفيد من سلوك طلبة العلم، لكن مع الزمن أفسد عليهم مجلسهم، فكان لا بد من حيلة لإخراسه وإخراجه من محراب العلم.
وذات جلسة، قال واحد من الطلاب الستة منفساً عن ضيق صدره من وجود "زيد" في الحلقة: هل توجد مسألة لا يعرف جوابها رفيقناً، فضحك الجميع وقالوا: لا نظن ذلك.
قال طالب آخر عندما يحضر الآن سأختبره بسؤال لا بد أنه سيقول فيه "لا أدري"، فقال الآخرون: "لا أدري" ليست في قاموس "زيد".
جمع الطالب الأحرف الأولى من اسمه وأسماء زملائه، فتكونت لديه لفظة "خنفشار".
ولما حضر "زيد" قال الطالب : هل فيكم من يعرف ما هو الخنفشار..؟
فقالوا جميعاً لا نعرف.
قال زيد لا أحد منكم يعرف ما هو الخنفشار..؟ قالوا لا.
قال زيد" الخفشار نبات باليمن تأكله الإبل فيعقد حليبها حتى يصير مثل الجبن.
قال الشاعر:
لقد عقدوا بحبهم فؤادي…كما عقد الحليبَ الخنفشارُ
وقال عنه الطبيب داود الأنطاكي، وتبعه ابن سيناء، وأوفى بن أشفغ مصَّر الشمشوي، حيث قالو إن الإنسان إذا استعمل أوقية من الخنفشار سفوفاً على الريق، فإنه يصفي الدم ويطرد الدود والبلغم، ويزيد في الباءة ويدر البول.
وفي الحديث عن أبي هريرة: عليكم بالخنفشار فإنه….
فصاحوا به جميعاً ويحك توقف.. أخرس يا هذا… لقد كذبت على هؤلاء فلا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.٨
الحكاية، تجدونها في نفح الطيب للمقري، وطال عهدي بها فإذا رأيتم فيها "زوائد خنفشارية" فذلك هو المظنون.
في الزمن السابق كان خنفشاري واحد يندس بين ستة من الباحثين عن الحقيقة، والآن في عالم الفيس والواتس، يحيط بكل طالب علم سبعون خنفشارياً
*الحسن معاوية أبوظبي 08/07/2023*