في كتب الأدب أن نخلتي حلوان كانتا بعقبة حلوان من غرس الأكاسرة، وضرب بهما المثل في طول الصحبة، وكان الشاعر مطيع بن إياس قد قال أبياتاً في جارة له أحبها في الري ثم اضطر ففارقها فلما كان في طريقه مر بعقبة حلوان، فجلس يستريح إلى النخلتين هناك وذكر صاحبته فقال:
أسعِداني يا نخلتي حلوان ** وابكيا لي من رَيبِ هذا الزمانِ
واعلما أن رَيبهُ لم يزل يفْـ ** ـرُقُ بين الأُلافِ والجيرانِ
ولعمري لو ذقتما ألم الفر ** قةِ أبكاكما الذي أبكاني
أسعِدَاني وأيقِنا أنّ نحساً ** سوف يلقاكُما فتفترقانِ.
وقال حماد بن اسحق بن ابراهيم:
أيها العاذلان لا تعذلاني ... ودعاني مع البكاء دعاني
وابكيا لي فأنني مستحق ... منكما بالبكاء أن تسعداني
أنني منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتي حلوان
فهما تجهلان ما كان يشكو ... من جواه وأنتما تعلمان.
وفيهما قال حماد عجرد:
جعل الله نخلتي قصر شيري***ـنَ فداء لنخلتي حلوانِ
جئت مستسعداً فلم تسعداني ... ومطيع بكت له النخلتان.
وعلى هذا المنوال كتب محمد ولد إمام:
يا خليليَّ مِ الملام دعاني... وامضيا في الهوى ولا تعذلاني
وارثيا لي فإنني من هواهم .. واشتياقي لهم كما تريانِ
أسعداني بذكرهمْ، ذكَراني ... بلقاهم يا أيها الفتيانِ
فأنا في الغرام أكثرُ وَجداً ... من مطيعٍ بنخلتيْ حلْوانِ
وقديما جعلت أبيات مطيع لنخلتي حلوان تاريخاً وذكرى بين الأدباء والشعراء. قالوا: أراد المنصور أن يقطعهما، فلما أنشد هذا الشعر كره أن يكون النحس الذي يفرق بينهما.
قالوا ومر الرشيد بحلوان وهو ذاهب إلى طوس، فهاج به الدم، ووصف له الطبيب جُمّاراً، فلما سئل الدهقان أشار إلى النخلتين، ولم تكن في حلوان غيرهما، فقطعت إحداهما، ثم مر الرشيد بالأخرى، فرأى عليها هذه الأبيات، فندم وقال: لو علمت أن هذه الأبيات قيلت في هاتين النخلتين ما عرضت لهما، ولو قتلني الدم.
ولما وصل المهدي، في شخوصه إلى الري، إلى عقبة حلوان استطاب الموضع فنزل، فأنشد بيتي مطيع، فتطير منهما، فحلف ليفرقن بينهما؛ فكتب إليه المنصور: يا بني، أقسمت عليك ألا تكون النحس الذي يلقاهما. ويقال إن حسنة، جارية له، قالت له ذلك فأمسك.
نقلا عن مدونة إكيدي