مقال قصير، تميز بلغة مكثفة، لو اعتمد التعليق على منهجية التحليل، والشرح، لكتب صفحات عديدة في سبيل الإحاطة بما جاء في المقال من افكار قيمة للغاية، غير أن التعليق، لم يكن هدفه التوسع في استخراج أفكار الكاتب في المقال، أو تقديمها بلغة المعلق التي تختلف في رؤاه، عن لغة صاحب المقال الموصوفة ب" السهل الممتنع" ، وعرف بلغته، وجرأته، وتحاياه الودية في فصل الختام الذي أناب - هذه المرة - عن اسمه المستعار المعروف سابقا، لكن السؤال الأول الذي يطرحه القارئ عليه، هو:
لماذا حجب اسمه؟ وما الذي طرحه في مقاله، يحتاج منه للتخفي، أو أن حادثة الاغتيال السياسي، للمرحوم الصوفي ولد الشين، أدت مهمتها في إدخال الرعب اللاشعوري لدى الكتاب في ابداء آرائهم حول القضايا الوطنية المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، وإن تميز طرحها بين الكتاب بأسلوب مختلف عن الدعاية الرخيصة لدى "النشطاء الاجتماعيين"، و عن بعض الكتاب الذين يبحثون بمقالاتهم عن التوزير التوظيفي، وكذلك عن المعارضة السياسية للاحزاب القبلية، والجهوية، والعرقية، لأن معارضتها في وسائل التواصل الاجتماعي، هي للتعبير عن لفت الانظار اليها لمن يستعينون بها في مواسم الانتخابات، لأن استحقاقها للرخص التي اعطيت لها ، هو لتشظي الرأي الوطني العام، واستمالته للانخراط في الوعي التراكمي الكمي - ٢٥ حزبا - لا الوعي الكيفي المطالب بالتغيير، خلافا لمطالب الاحزاب القبلية في الرفع من نسبتها في ميزانية البرلمان المقسمة على اعضائه الحزبيين..؟!
والسؤال الذي يطرح للنقاش العام، هو:
هل تركت فرنسا من علامات الحياة الحديثة للنظام السياسي في بلادنا، إلا رئتين صدئتين يتنفس بهما بالكاد منذ تبنى المجتمع الموريتاني النظام الديمقراطي، واستجلب مؤسساته، لكن مكانها في الواقع ، هو ابقاؤها معروضة للمشاهدين، كما تعرض التحف الثمينة في المعارض..!
وهاتان الرئتان المصابتان بداء السل" الاسود" هما مؤسستا: الجيش، والأمن الداخلي، وبالتالي، كان زواجهما المذكور، غير خاضع لتوزيع المهام حسب الدستور الموريتاني، وبقي دورهما مغيبا، كالنظام القبلي الذي حل وظيفيا محل النظام الطائفي في لبنان، حسب الدستور الذي فصلته فرنسا على مقاس الجسم الاجتماعي العربي اللبناني ...
بينما المأساة في بلادنا، أن فرنسا، تحكمت في حركة التاريخ الاجتماعي بالصراع العرقي في مدار أحادي البعد تحت تفعيلها بآلياتها الخاصة، كلغتها، وثقافتها، و النخبة المتعلمة قبل الاستقلال من الموالين لها، كوعي ناقص لتغليب المصالح الذاتية، و من كلا " الإثنيتين" العربية، والأفريقية..
وعندما حدث الانقلاب العسكري ١٩٧٨م، باستدراج فرنسي - وحتى تحت انظار رئاسة الحكم - كان لزاما عليه، أن يدغم المؤسسة الأمنية في المؤسسة العسكرية، ولذلك كان رجل الجيش المرحوم ( اعلي ولد محمد فال) على مؤسسة الأمن طيلة حكم معاوية الذي عهد اليه بالحكم إثر الانقلاب العسكري الذي تزعمه قائد الجيوش الفرنسية الزائر على أساس الإشراف على تنحية " هيدالة" ونظامه "الهياكل" المتهالك..
وقد حدث التحدي المجتمع، و للسيادة الوطنية المزعومة المهتكة الجانب من طرف الفرنسيين الذين فشلوا في اقناعنا بأنهم اعطونا السيادة بدون ثورة لا داعي لها، لأن بلادنا مستقلة، فبذلك الانقلاب رجعت فرنسا من الباب، ولم تدخل من النافذة الثقافية، فحسب..
لقد فرضت نظام حكم معاوية، ليؤدي بدوره ذات الوظيفة " الطاعة العمياء" طيلة عشرين سنة، وهي ذاتها الطاعة التي تعهد بها المرحوم المختار ولد داداه طيلة حكمه ثمانية عشر سنة(١٨) من ١٩٦٠ -١٩٧٨م. وإن شابها، تطعيمه لها بعملة وطنية بدلا من" الفرنك الافريقي"، وتأميمه لشركة الحديد" ميفرما".
وكان تهور، غباء رجال النظام حينئذ، يتمثل في دخول الحرب في الصحراء، والاعتماد عسكريا على فرنسا التي اتضح أنها، رأت في مساندتها لموريتانيا في الحرب سبيلا للتخلص من صهرها - ابنة فرنسا، السيدة الأولى - وهو النائب السابق في الجمعية الفرنسية عن بلاده، ولا يمكن التخلص منه، إلا بمخطط ذكي، كالوقوف معه في حرب، لتسقطه، وقبل ذلك لتفرق بينه، وبين الجزائر التي ساعدته على التخلص من الفرنك الافريقي...!
ومادامت فرنسا، هي المتحكمة، فلا يستغرب أن يتم الزواج المذكور بإشراف الرئيس المخضرم - بخدمته في الجيش، وانتخابه رئيسا مدنيا - بين مؤسسة الأمن، و بين مؤسسة الجيش، فهما جسمان، لكن رأسهما واحد، وهو الذي استبعثه الفرنسيون، على رأي الكاتب الروائي الدكتور ولد ابنو في بطله الروائي في" الرياح"، وبالنتيجة رواية نظام الحكم في بلادنا..
والوعي بذلك، غائب لدى الكثير من الكتاب في تحليلاتهم للاوضاع الداخلية، ومحاولاتهم تفسير ما جرى - ويجري - على أساس الفاعلين المحليين، وأن الزواج بين الرئاسة، والأمن السياسي - كما استفتح الكاتب به مقاله - في الوقت الذي يصعب فهم هذا المتخيل، إلا على أساس، أنهما " ضرتان" لزوجهما النظام الفرنسي، هذا الشاب، الفحل ، كما يترائى لمجتمعنا، الذي تزوج رئيسه بشمطاء في السبعين من عمرها، وفي نفس الوقت، هو رئيس النظام، الزوج الحقيقي لمؤسستي ،ضرتي حكمنا العتيد...!
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو:
كيف للضرتين الحاكمتين في بلادنا - وفقهما الله تعالى لما فيه خير البلاد ومجتمعنا - إلا أن تعبرا عن قيم المجتمع، وثقافته، وانتمائهما لمكانتهما الاجتماعية؟!
ولماذا تتبرآن من انتمائهما للمجمع التجاري القبلي على عهد معاوية، او للطريقة الصوفية على عهد المرحوم، ولد الشيخ عبد الله، او للتعويض عن الفقر المدقع على عهد ولد عبد العزيز، او لعدم الانتساب للمشايخ السابق على التكليف، والتشريف معا .. ؟!
ويظهر أن مطالب، او رغائب بعض المثقفين - خارج النخبة الفاسدة - وبالذات الكاتب صاحب المقال الرائع، حالت دون اعطائه الأولوية لتأثير الواقع الاجتماعي على المعطى السياسي في بلادنا، وفي افريقيا عموما،،؟!
ولعل الكاتب استحضر في ذهنه امكان تحقيق التغيير السياسي في مجتمعنا القبلي على غرار ما تحقق في الشقيقة السنغال لدي سقوط نظام حكم "عبد الله واد"، بشخص مكانته الاجتماعية، - على رأي عبد الله واد لصحيفة فرنسية - أن يخدم ابن عبد الله واد، حسب التراتبية في المجتمع السنغالي السابق، لا الحالي ... ؟!
غير أنه كان على الزميل، أن يستحضر قيمة التأثير لمستويي: التعليم، والتحديث الجزئي على أقل تقدير للمجتمع السنغالي، وبالتالي دور الوعي الجمعي التابع لهذين المتغيرين، وهما اللذان يجعلان من النظام السياسي قياديا، لا تابعا للتركيبة الاجتماعية المتخلفة، ووعيها الانحطاطي، وما لم يحصل ذلك، فإن "ضرتي" النظام الفرنسي الحاكمتان في بلادنا، ستبقيان وفقهما الله، مثل مطلع "الثريا" التي رأسها مرفوع في اتجاه، ولكنه ملجوم " مقوبي"، من طرف زوج الضرتين،، بينما رجلاهما في اتجاه آخر نحو الأسفل، الحضيض، وان ارتسمتا بضياء النجوم المتلألئة لقربهما من مركز الضوء/ الحكم في مجتمع متخلف/ مظلم في حاضره، ومسقبله، لا قدر الله.!
لذلك على المطالبين بتغيير الحال، وهو من المحال، ما لم يتحقق الهدفان التاليان:
تحديث البنية التعليمية، وذلك يتطلب تحقيق بعض المطالب العصية، كالتعريب، واجبارية التعليم في المرحلتين الأبتدائية والاعدادية، والرفع من مستوى التعليم المهني، واعطاء نسبة اكبر من النسبة "الصفرية" الحالية للبحث العلمي من الدخل القومي، ولتكن باطراد..
وكذلك التركيز على الوعي البديل الوطني والقومي للوعي القبلي، والجهوي، والعرقي، والفئوي في المواقع الافتراضية، والتواصل الاجتماعي التداولي، وذلك في سبيل توجيه الرأي العام بالكتابات الواعية التي، ليس هدفها المواجهة مع نظام الحكم، ولا السعي للاصطفاف في طابور الاحزاب الموسمية، والقبيلة، والجهوية التي لو رفع النظام يد المساعدة عنها لاستبدلها الوعي الجمعي بالوعي الوطني، والقومي اللذين، يعملان على كنس الوعي الانتفاعي المتخلف، و المعبر عن عصر تولى، وتجاوزت معطيات العصر، اجياله التي، هي على مشارف القبور عمريا، ويجب أن يتزامن مع رحيلها، نهاية عصر التبعية، والطلاق البائن مع النظام الفرنسي الذي يعتاش على السرقة من افرقيا، وهذا إيذان ببداية عصر الاستقلال الوطني، والتحديث المجتمعي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، التي ستشكل وعي افراد مجتمع الانتاج، والاكتفاء الذاتي، والتوزيع العادل، وفق تكافؤ الفرص بين المواطنين في الحقوق، والواجبات..
وهذه الرؤية تعبر عن نظام جديد لتقسيم العمل، بديلا عن نظام القبلي المتشظي التراتبي اللامنتج..
ولعل الطليعة المثقفة، تستطيع بكتاباتها الواعية، أن تقود التيار الوطني، والقومي في مواجهة المفجعات، جراء الطقس اليومي الذي، ملأ الأنظار اتساخا بغبش السياسة، وبالوجوه الكالحة " اللحلاحة"، وبالتالي تغيير المناخ السياسي تصاعديا...
فهل نستطيع، أن نمضي بمجتمعنا، ونخرجه من حفر التخلف، والتبعية، بمعنى بؤس مخلفات الزواج" المثلي" بالضرتين؟