حق لنا أن نفخر بلغة البيان والإيجاز والإطناب، لغة عظيمة الألفاظ غزيرة الدلالات لم تترك لغيرها من اللغات وسم حسن ولا رقيق معنى، بل ما سواها مجرد أداة للتفاهم كالإشارة بالحركات ولا مجال فيه لمستوى جمالها اللفظي وأناقته، وبلاغة القول وشدة تأثيره على النفوس، ومصداق ذلك كله أن ادعت بالقرآن الكريم والحديث الشريف دون سائر اللغات وأي حجة بعد ذلك على علو كعبها وشرفها وجدارتها بالبقاء .
هذا وليست العربية حكرا على العرب، بل إنهم أكثر الزاهدين فيها، والمعرضين عن امتثال قيمها اليانعة، وحكمها البالغة، لكن العربية محفوظة بقيمة القرآن العظيم وعلى العرب وابل الرحمات؛ فقد ماتوا بهجرها، وتاهوا يلهثون خلف لغات المستعمر فلا هم الناطقون الأقحاح بلغات الأعاجم رغم جفوتها ولا رضعوا من ثدي العربية خمرتها.
وهنا أذكر إذ طال علينا الليل وأظلم وفقدنا الهوية في جنح العوالم المستجدة المعارة واقتبس من ظلام ليلنا المدلهم نهاره فارسها وابن بجدتها الصادق في نشرها حيثما حل أو ارتحل:
المرحوم أحمدفال بن أحمد الخديم حامي عرينها وزينة مجالسها وسراجها المنير، الذي عاش مثالا مشهودا على جميع القيم العربية من غير تكلف ولا عناء، لا يسبح في بحره الغواصون ولا تدور في سمائه الكواكب.
ومن إيحاءاته الدقيقة في معاني القرآن اللغوية:
أن السرد القصصي الذي وقع في سورة يوسف كغيره من أساليب القصص في القرآن بليغا بديعا جملة وتفصيلا ومن لطافة هذا القصص وتناسقه مع الظروف:
_أن الدلالات كانت من عمق لغة المدن ومستجدات المدن؛ وقال نسوة في المدينة... فجلي من مدلول الآية أن النسوة كانوا من أهل القيل والقال.
ومن ذلك: قالت فذلكن الذي لمتنني فيه... حيث تتدافع المتهمة عن نفسها بقوة... الآن حصص الحق
_أن المعجم كذلك كان وثيق الصلة بالمعجم المدني: وآتت كل واحدة منهن سكينا... ودخل معه السجن فتيان...
والعجب المحير أن المرحوم أحمدفال بن أحمد الخديم لم يستغن في يوم من الأيام ولا في موقف من المواقف عن معنى من معاني السيادة دون آخر على حين قد اغتر الشاعر والناثر فقد كان من كرمه ما يجسد شعر زهير بن أبي سلمى:
إن تلق يوما على علاته هرما.. تلق السماحة منه والندى خلقا
وفي حلمه وذكائه ما يذكر بالأحنف بن قيس وإياس بن معاوية.
وقد عاش على ثنائية متناقضة السعي إلى المال بأشرف الطرق وإعطاؤه في أرخص سبب.
وقد أرسل إليه ولد الطائع 2003 وفدا يناشده ويغريه بالمناصب والمال إبان الحملة الانتخابية شريطة أن يكون في صفه فرحب بالوفد كثيرا وسمع منهم حتى استكملوا فأجاب: أنا قد اتخذت موقفي.
وفي فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز علمت من غيره أنه التقى بالرئيس مرارا فسألته هل التقيت بالرئيس؟
قال نعم قلت لم لم يعرض عليك منصبا؟
قال وكأنه يريد أن ينهي الحوار "ما اخلك ذاك".
تغمده الله بواسع رحمته واسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وبارك فينا جميعا بعده.
عمر عداه