هذه الوثيقة متعلقة بالصناع التقليديين، وبمنزلتهم السامية في الحضارة الإسلامية، وفي المجتمعات المغاربية التي نحن جزء لا يتجزأ منها، وقد كتبها أحمد بن محمد بن العباس العلوي، وهو من أبرز أتباع الطريقة التجانية في موريتانيا؛ وهو صاحب كتاب "روض شمائل أهل الحقيقة في تراجم أعلام الطريقة التجانية".
.
توفي أحمد بن محم بن العباس أواخر القرن الثالث عشر بمنطقة الترارزة وكان قد زار فاس مرارا، وزارا لحاج عمر الفوتي أيام إمارته بسيكو في مالي. وكان من أشياخ أحمد بن محم بن العباس: سيدي مولود فال اليعقوبي وبابه بن أحمد بيبه العلوي. وقد ترجم في كتابه: روض شمائل أهل الحقيقة لعشرين من الطبقة الأولى من التجانية وعشرين من الثانية. ويبدو أن أحد الشرفاء في المغرب وهو الأمير محمد بن السلطان مولاي سليمان بن مولاي محمد بن مولاي عبد الله بن مولاي إسماعيل تعدى على أحد الصناع التقليديين المقربين من الحوزة التجانية بفاس وأخذ ماله ظلما، فما كان من أحمد بن العباس إلا أن انبرى لهذا الأمير موجها وناصحا ومبينا حقيقة الصناع التقليديين في المجتمعات المغاربية وقائلا:
إلحاق:
واعلمْ سيدي أن الحاج محمد بن عاشور السمغوني، إذا كان صانعا فصانع سيدنا محمد الحبيب بن شيخنا رضي الله عنهما. وإذا كان عبدًا فعبدُ ابن الشيخ، والشيخ يستحق عينا أضعافَ أضعافَ ما رأيتَهُ عنده من الذهب.
وعلى كل حال فلا نعلم قولا في الشريعة المحمدية يبيح مال الصانعِ بغير طيب نفسه. وأيضا أنت بنفسكَ تعلم أن كثيرا من الشرفاء بفاس ومراكش صناعٌ، وكذا الجزائر وإفريقية ومصر والحرمين وغير ذلك، ومنهم الدباغ كعبد العزيز الدباغ رضي الله عنه.
والحاصل أنك تعلم أن الرجال لا يتشرفون بالأعمال وإنما الأعمال تتشرف بالرجال. وقد رعى كثير من الصالحين والأولياء كأويس القرني وشيبان الراعي. وما من صنعة إلا وقد لقب بها شيخ ممن كان يصنعها كأبي حفصٍ الحداد وكالحطاب والنجار والدباغ والخياط والزيات والبقال والنحاس وغيرهم من أكابر العلماء والأولياء.
وذكر الترمذي في شمائله وعياض في شفائه أنه صلى الله عليه وسلم ما رئي قط فارغا في أهله إما أن يخصف النعل لمسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة، ويعقل البعير ويرقع الثوب، ويقيم البيت، ويحلب الشاة، ويأكل مع الخادم، ويطحن ويعجن معها إذا أعيتْ ويخدم في مهنة أهله. لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة.
والسلام،
وكتب محبكم أحمد بن محم بن العباس يوم الأربعاء العاشر من شهر صفر الخير عام "جاء شرف = 1285هـ" من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام. (الموافق: 2 يونيو 1868م)
يا كتابي بالله قبِلْ يدَه ** بدلاً من فمي ففيه احتشام.
نقلا عن صفحة المؤرخ والباحث الدكتور سيد أحمد الأمير على الفيبسوك