إن حالنا لغريب عندما نجد أنفسنا أمام وضع لا وجود لمثيل له في هذا الكون فسلطاتنا إما أن تكون غير معنية أو مهتمة أو مدركة للحاجة لعمل شيء يجلب نفعا أو يدفع ضرا فتكون راضية بالواقع منسجمة ومتكيفة مع مافيه من تخلف وفقر وضياع فهي سلطة لا خير يؤمل منها ولا جديد ينتظر من جانبها، أو تكون سلطة تتمتع بالوعي وتتحلى بالمسؤولية والطموح وتعتنى بحالة البلد و تتطلع لخلق واقع يحفز لبداية انطلاق أو إقلاع ضروري لتحقيق بعض التقدم وفعل الممكن في مختلف جوانب الحياة في هذه الحالة ستجد تلك السلطة نفسها محاطة بواقع من التأزيم والتعقيد غير مسبوقين واقع لايدري المرؤ فيه من أين يبدؤ كل القطاعات تعاني التدهور بين المنهار أو لآئل للسقوط كل جانب منه يتطلب علاجا سريعا وإنقاذا عاجلا من مصير فاجع يجد البيئة والمحيط في منتهى التدمير والإدارة سيئة متهالكة يسودها الروتين والوساطة والرشوة والزبونية وكل مساوئ الإدارة الفاسدة كل موظف يمر بمصلحة يتركها مشحونة بأهله وأقاربه يترك العشرات لهم رواتب وليست لهم مهام، وإذا نظر إلى العدالة يجد من العدالة إسمها فقط تحتاج من التطوير والتجديد مايشبه إعادة التشكيل، وهذا التعليم لايوجد منه إلا شكله كيف يوجد التعليم و اللغة الوطنية الجامعة مهمشة واللغات الوطنية لامكان لها والمناهج التربوية منعدمة الجامعات والمعاهد والمدارس ومجمل بنى التعليم في غاية السوء ،يسود فيها تزوير الشهادات والمعادلات والنقاط والغش وتسريب مواد المسابقات والامتحانات، والزراعة ل ازراعة نستورد الحبوب والبقول والخضراوات في الوقت الذي نمتلك مئات آلاف الهكتارات الصالحة للاستغلال تربة خصبة ونهر غمر ومصادر مائية أخرى كثيرة، ثرواتنا السمكية تنتهب بلاورحمة بمشاركتنا أحيانا كثيرة ، وثرواتنا الحيوانية ضائعة بين الإهمال ونقص المراعي بسبب التصحر، وقطاعنا المعدني ضائع بين الفشل في التنقيب والفشل في الاستغلال !!!
كل هذه المشكلات في الواقع والتي ستواجه من يهتم بعلاج أو ببرامج للتطوير ليست باالخطورة التي يمثلها الوباء الأخطر و المشكل الأعظم الذين كانا السبب في كل المشاكل التي نعيش في الواقع من سوء الحال وتدهور الأمور والخراب إن مشكلة المشاكل وأم كل البلاوي هي : عقليتنا المتحجرة التي طبعت سلوك إنساننا في هذه الأرض فجعلته غير قادر على رؤية الواقع وغير قادر على علاج أمراضه وإيجاد ظروف قابلة للإصلاح و للتطوير والتعديل إن أخطر ما يعاني هذا الوطن عقلية هذا الإنسان الذي لا تقبل ذهنيته المساواة بين المواطنين ولاتقبل الإخلاص في العمل والأمانة في مايؤتمن عليه ولاإتقان مهامه ولاتقبل عقليته و وعي الواجب الوطني وتقديم الصالح العام على المصالح الشخصية.
إن أصعب ما سيواجه من يريد بعث الحياة والحيوية في مجتمعنا المحاصر بالمشكلات هو إصلاح العقلية المتعفنة لإنسان هذه الأرض الذي لا يؤمن بالمساواة ويعتقد انه وحده خلق بتراتبية أزلية فيها نبلاء لهم الحق في كل شيء ومخلوقات أخرى مرتبة في مستويات منخفضة تناسبها يؤمن الجميع أويقبلون مترفعهم ومنخفضهم بأن هذا المجتمع طبيعي و يتمتع بخصائص قابلة للأستمرار كل الفئات تكيفت مع عدم المساواة فالبعض لايمارسون إلا أعمالا تناسب شرفهم ورتبتهم وترى عقلاء يدعون التدين ويدعون التمثقف وأحيانا يدعون الثورية كلهم يقبلون هذا الواقع وكلهم يعايشون التلصص ويجلونه لايهتمون بمن أين جاء المال المهم وجود المال فاللصوص يعيشون بيننا سادة مكرمين، يستوي في هذه العقلية الجميع إلا من رحم الله !!
هذه الروح وهذه العقلية هي مشكلة كل من يريد تطوير هذا المجتمع الذي إن لم يقيض الله له قيادة تتمتع بالقوة والمبدئية فإنه ذاهب إلى الزوال والأضمحلال لأن الذي يجري لايمكن استمراره..فلايمكن استمرار عدم العدالة ولايمكن استمرار السفه والتلاعب بالمقدرات،
إننا منذ الاستقلال لم نجد قيادة تتعامل مع المشاكل الرئيسية لعلاجها وتوفير شروط حياة صحيحة سوية قابلة للاستمرار مما جعل البلد يستمر يتدهور حتى وصل المستوى الذي ينذر بقرب انفجار كل الألغام التي ظلت يصنعها الظلم وسوء التدبير وتزرع داخل النسيج المجتمعي.
لقد حاول المغفور له المختار بن داداه تضعيف القبلية بإنهاء العشور ( الإيتاوات التي كانت تجمع على القبائل في عهد الاستعمار)وتضعيف دور شيوخ القبائل ولم يهتم بالتراتبية ربما بسبب مستوى التخلف الذي كان فيه المجتمع، لكنه في مسألة تضعيف الشيوخ مافتئ ان رجع عنه فأعطاهم المكانة التي كانوا فيها عندما احتاجهم في التعبئة لحرب الصحراء!!
وقد استطاع ولد هيدالة بمشاركة قوى وطنية وبتأثير نضال حركة الحر إلغاء الرق شكليا في مرحلته.. واهتم العقيد معاوية في بداية حكمه بإضعاف القبلية وسماها :( لقبيلات) وكانت لديه أفكار للعصرنة لكنه مافتئ أن رجع للقبيلة عندما أراد دعم القبائل له في الأنتخابات واستسلم للفساد في الإدارة وقال قولته الشهيرة ( ليس لي ناس أعمل معهم غير هؤلاء) إذا كان هو لم يعرف بجمع المال كما فعل البعض فإنه ترك الحبل على الغارب للمفسدين ولم يرد التعمق في علاج التراتبية رغم إدراكه لمخاطرها وقدرته على التأثير فقد جعل المجتمع يسكت على العلاقات مع إسرائيل وهو أمر صعب في بلد كموريتانيا.
وإن أول رئيس لموريتانيا يتحدث عن المشكلات الرئيسية التي يعاني منها المجتمع بوضوح وتحديد لايقبل التأويل هو محمد ولد الشيخ الغزواني إن أي مجهود للرئيس في فترته الرئاسية الحالية يمكن أن تحقق الكثير وتخلق الحافز لفترة رئاسية أخرى تكمل الإنجازات وتعمق النتائج،
فهذه فرصة للذين يتمتعون بالوعي ويتطلعون للتغيير، بأن يجندوا أنفسهم وأقلامهم وألسنتهم و كل ما يستطيعون لدعم توجه الرئيس وجعل الرأي العام وجماهير الشعب يدركان أبعاد الأهداف العظيمة التي يتبنى الرئيس لتغيير العقليات وترسيخ أسس وحدة تنبني على العدل والمساواة ،فلن يمكن للغيورين إيجاد فرصة أخرى أفضل لخدمة بلدهم والمشاركة في إنقاذه من مصير خطير كان ينتظره إذا لم تتم معالجة اللامساواة وترشيد الحكامة وتغيير العقليات المتخلفة غير هذه الفرصة ودعم الرئيس في هذه المسائل التي حدد انشغاله بها!!
نحن نعلم أن هناك مشاكل كثيرة معاشة تحتاج اهتماما وعلاجا لكننا نعتقد أن أولوية هذه المسائل تفرض التركيز عليها أولا قبل كل شيء لتكون بداية علاج باق المشكلات ولا يغيب عن بالنا أن هناك عقبات كبيرة تعترض مجهود الرئيس وأهدافه وأن لايستطيع تذليل تلك العقبات إلا الرئيس نفسه لكننا نسلم الأمر له ليعالج الأمور بما يرى، لانشترط شيئا نطلب من كل المخلصين في هذا الوطن تأييد الرئيس بلا قيد وبلا شرط وبلاتردد وانتظار الإشارة من قبل الرئيس لايهمنا سوى جدوى مانقدم وما نعمل .
إن الأهداف التي أعلن الرئيس غزواني هي أهدافنا وأهداف كل من يريد الخير للوطن سواء كان مستقلا مثلنا أو كان منتمي لحزب أو جمعية أو ناد إن معركة تغيير العقليات وتحقيق المساواة وعلاج مخلفات التفاوت في الفرص لأي سبب هي معركة الحق والعدل وهي السبيل والوسيلة الأسلم لقيام المجتمع الصالح والسليم والموحد والمتين ولايمكن أن يتأخر عن المشاركة في جهد يخدم هذا الاتجاه من الشرفاء إلا الذي لم يفهمها أو الذي لم تمكنه الظروف من المشاركة لسبب خارج عن إرادته والله ولي التوفيق