من أهم السياسات المعتمدة من طرف جماعة الإخوان أنه في حالة حل هيئة من هيئاتهم أو اتهامها، يلجؤون إلى جمعية أخرى حاصلة على ترخيص قانوني تتولى مواصلة أنشطتها وتستولي على ممتلكاتها.. وهكذا وبحركة ماكرة، يتجنبون انقطاع النشاطات ومصادرة الأملاك، وكأن شيئا لم يكن!
.
هذه الممتلكات لا تكون مسجلة باسم الهيئة أبدا. كما أنهم يلجؤون إلى السوق السوداء في جميع التحويلات المالية المهمة انطلاقا من مبدأ الإخوان في التكتم على الأموال، حيث لا يعثر لها على أثر في حالة ارتكاب هذه المؤسسة أو تلك سلوكيات تؤدي إلى حلها، مخافة تأميم هذه الأموال من طرف الدولة.
حدث ذلك مع كافة الجمعيات الإخوانية التي جرى وضع حد لأنشطتها - بما فيها جمعية المستقبل التي حلت محلها جمعيتا (الإصلاح للأخوة والتربية) و(الجمعية الموريتانية للتنمية والثقافة) – لكن أيا من هذه الجمعيات لم يلتفت إليها الإخوان، ولم يطالبوا باسترجاعها كما فعلوا مع جمعية المستقبل، لأن هذه الجمعية تم إغلاقها على خلفية اتهامها من طرف الدولة ب "تهديد النظام والأمن العامين" و"ممارسة التأثير المفزع على نفوس المواطنين".. وهي تهم طالما أرادوا التخلص منها "بهذه أو بتلك".
شكلت الجمعية الثقافية الإسلامية التي أنشئت سنة 1980 الإطار الأول لما يطلق عليه الإخوان "العمل الدعوي في موريتانيا" وقد توسعت أنشطتها بعد ذلك فضمت "نادي مصعب بن عمير لرعاية الشباب" و"نادي أم المؤمنين عائشة" وتم حلها سنة 1994 فتخلت عنها الجماعة وسدت الفراغ بإنشاء "معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ونشر العلوم الإسلامية"، و"جمعية الحكمة للأصالة وإحياء التراث" التي تدار من طرف مجموعة من قادة الإخوان منهم من سيصبح رئيسا لجمعية المستقبل ومنهم من سيشغل منصب المدير التنفيذي لجمعية الخير للتكافل الاجتماعي التي أحيى تنظيم الإخوان ترخيصها بعد حل جمعية الحكمة سنة 2003 ورخصوا جمعية المستقبل وأسندوا الإشراف عليها للأشخاص الذين كانوا يديرون الحكمة وكأن شيئا لم يحصل! وعوضا عن نادي مصعب بن عمير لرعاية الشباب أسسوا "جمعية شبيبة بناء الوطن"، وأنشأوا "الجمعية النسوية لمكافحة الفقر والأمية" لتقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به نادي أم المؤمنين عائشة.
وعلى مستوى الدعم الخارجي عندما عمدت السلطات إلى إغلاق مكتب هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية في موريتانيا، الراعي الرئيس حينها لأنشطة الجماعة، لم يحركوا ساكنا وافتتحوا مكتبا للندوة العالمية للشباب الإسلامي يديره أحد المشرفين على مكتب هيئة الأعمال الخيرية الذي تم إغلاقه، واستمر دعم التنظيم الدولي للإخوان.. وبعد إغلاق مكتب الندوة وفي ظل الحديث عن الثراء بلا سبب وعن غسيل الأموال، ظهرت ملكية مدير المكتب المحظور لأحد أضخم فنادق نواكشوط، وإذا ألتمسنا أحسن المخارج يكون الفندق مؤسسة من مؤسسات الإخوان!
وفي الجانب السياسي في سنة 2019 اختفت أو غيبت "الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك وسلامة البيئة" وهي إحدى البؤر التي يراهن الإخوان على خطاباتها السياسية التي تتردد بكثافة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة متخذة شكل الدفاع عن المواطنين الضعفاء، في حين تسوق الخطاب السياسي الإخواني بحنكة ودهاء. وتعتبر ذات خطورة بالغة نتيجة لإثارتها للرأي العام وتحريكه عن طريق الترويج للشائعات والأكاذيب وتضخيم الأحداث. واستبدلوها ب "منتدى المستهلك الموريتاني" الذي تأسس بتاريخ 29/07/2020 تحت الرقم 108.
وفي رحلة السعي إلى المحافظة على مكتسبات الجماعة حلق قادة من الإخوان عاليا في تيار "راشدون" بعيدا عن (الدين المغشوش)!
أما في الجانب الإعلامي ففي سنة 2005 تم حظر جريدة الراية فأنشأوا بعد ذلك إمبراطورية إعلامية ضخمة ضمت "وكالة أنباء الأخبار المستقلة" و"مؤسسة السراج للإعلام والنشر" و"قناة المرابطون الفضائية".
وعلى الصعيد النقابي عندما تم حل اتحاد الطلاب الذي كان يهيمن عليه الإخوان سنة 1986 أسست الجماعة "الإتحاد الوطني لطلبة موريتانيا" و"الرابطة الثقافية لطلاب المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية".
وفي الجانب الفئوي أغلقت السلطات الموريتانية سنة 2019 "جمعية يدا بيد للثقافة والعمل الاجتماعي" ليعلن الإخوان في نواكشوط سنة 2020 انطلاق أنشطة جمعية جديدة تدعى "جمعية أيادي الأخوة" لتقوم بنفس الدور الذي كانت تقوم به جمعية يدا بيد ولم يتغير الطاقم وتعددت الأيادي الظاهرة والخفية!
بعد حل جمعية المستقبل للثقافة والتعليم:
في حفلات بهيجة ووسط حضور مكثف من رجال ونساء جماعة الإخوان وبقيادة رموزهم، أطلقوا وبشكل رسمي سنة 2016 أنشطة "الجمعية الموريتانية للتنمية والثقافة". وأعلنوا سنة 2018 عن انطلاق أعمال "جمعية الإصلاح للأخوة والتربية" الحاصلة على الترخيص رقم 323 بتاريخ 13/12/2016. وأكدوا أن أهداف هاتين الجمعيتين تتمثل في تنظيم المحاضرات والندوات والمخيمات والأسابيع الثقافية والعروض والأمسيات، وإنشاء النوادي والروابط والمنتديات. نفس الدور الذي كانت تقوم به جمعية المستقبل للثقافة والتعليم (لاحظ أنهم حافظوا على كلمة الثقافة في الجمعية الأولى واستبدلوا كلمة التعليم بالتربية في الجمعية الثانية).
لم تبذل الجماعة أي جهد يذكر لاسترجاع المؤسسات التي تم حلها باستثناء جمعية المستقبل حيث استماتت في الدفاع عنها، وطالبت في المحافل الدولية ومختلف المناسبات الوطنية بإعادة فتحها، وحتى أنها لجأت إلى القضاء، رغم أن الجمعية لم تصادر ممتلكاتها من سيارات ومقرات وأموال... وأن الجماعة أسست بمرور الوقت عشرات الهيئات التي تتوفر على كافة الشروط ولديها التراخيص المطلوبة.
لماذا؟
تم إغلاق جمعية المستقبل على خلفية أحداث ما سمي حينها بقضية تدنيس المصحف، حيث وجهت لها تهمة "زعزعة الاستقرار، وخرق نظم وقوانين الجمعيات من حيث التمويل والتدخل" حسب موقع الجزيرة الإخباري الذي عزا كذلك إلى من وصفه ب "رئيس المكتب التنفيذي" محمد محمود ولد سيدي الرئيس الحالي لحزب "تواصل" القول إن المبررات التي استلمها من وزارة الداخلية هي: "إثارة التظاهرات التي تهدد النظام والأمن العامين، والنيل من مصداقية الدولة، وممارسة التأثير المفزع على نفوس المواطنين". كما اتهم الناطق الرسمي باسم الحكومة بعض الأطراف السياسية بتدبير حادث تدنيس المصحف في نفس اليوم الذي دشنت فيه الحكومة قناة القرآن الكريم.
حاول الإخوان بكل ما أوتوا من قوة استرجاع الجمعية، حتى أعادوا الترخيص من جديد لإقناع الرأي العام أن الجمعية وسطية بعيدة عن التطرف والتخريب والدمار والقتل.. لذلك ركبوا كل سهل وحرون من أجل التخلص من تلك التهم، والإيحاء بوسطية زائفة.
تحدث رئيس جمعية المستقبل أمام جمع غفير في محاضرة بعنوان: (بشرى زمن المبشرات) بدار الشباب يوم 18يناير 2012 عن الثورات فقال:
إن الإنسان المستعد للتضحية لا بد أن يكون ذالك على أساس عقيدة وقناعة فالذي يعلم أنه آئل إلى الله فإنه يفرح بلقاءه ويمكن أن يستقبل بصدره الرصاص ويقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ)..
وأضاف: (إن ما حصل الآن في العالم الإسلامي من هذه الثورات التي رأيتم هو نتاج وعي شعبي عام وليس نتاج عمل سياسي أو دعوي فحسب بل قد كان وعيا سائدا في الشعوب، فالذي قتل متقدما غير منهزم قد نال حريته حين عبر عن رأيه ونال شرفه بذالك في الدنيا وفي الآخرة والذي عاش بعد ذالك سينال مقصوده ومطلوبه غير متصدق عليه به ولا ممنون فإن الحق لا يؤخذ إلا غلابا وما انتزع بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة) وقد أشار بوضوح إلى أن الإخوان هم من حرك هذه الشعوب حين قال: (كانت البداية شعارات ترفعها حركات وإيديولوجيات ولكن نظرا لكونها ليست شمولية ولا عامة للأمة ولا جامع لها لم تستطع تحريك الأمة بكاملها)...
ومهما فعل الإخوان من محاولة تبرئة جماعتهم من تهم الإرهاب والقتل وتخريب الدول المسلمة وتكفير قادتها ومن الفتاوي التي تبيح سفك دماء المسلمين فلن ينطلي ذالك على أحد بعدما شاهدنا ما لحق بالبلدان الإسلامية من ضرر بسبب الفتاوي التحريضية التي دمرت دولا مسلمة وشردت شعوبها..
عبد الله ولد محمد لوليد