القيادي الناصري محمدن ولد التمين يتحدث عن تاريخ الناصريين (ح1)

2021-02-09 19:56:00

 تاريخ الحركات السياسية الموريتانية:

.


 تفتح وكالة الرائد نافذة حضارية للمساهمة فى كتابة تاريخ البلاد السياسي من وجهة نظر الحركات السياسية، متتبعة تاريخ الحركات السرية التي عرفتها البلاد في عهديْها المدني والعسكري بمختلف تمظهراته.
 
وسنتناول تباعاً -  بحول الله- تاريخ ونشأة:
 
- التيار الناصري
 
-  البعثيين
 
- حركة الكادحين
 
 - الحركة  الإسلامية بشقيها: الإخواني والسلفيـ 

ـ حركة اللجان الثورية


 
- حركة الحر.
 
- المشعل الإفريقي (فلام لاحقا)

وتأمل الوكالة من خلال استنطاق الحركيين  والوثائق، ودقة المعلومات المتحصل عليها والمكاشفات المتفق عليها مع القادة وصناع القرار، أن تكون قد شرعت فى إعداد عمل يساعد فى رفع الغطاء عن ملامح غير معروفة من مسالك ومسلكيات فاعلين وفاعلات خلدوا أسماءهم فى تاريخ البلد دون أن يسعوا من خلال ذلك إلى نيل شهرة أو حظوة،  الأمر الذى يجعل الحديث عن تاريخهم ونضالاتهم بمثابة "الاساطير".  وسنتكون البداية دائما مع جيل التأسيس فى كل حركة سياسية.
ونبدأ فتح هذه النافذة مع التيار الناصري على أن نواصل مع بقية الحراكات الأخرى فى قابل الأيام بحول الله.
 
السيد محمدن ولد التمين مفتش تعليم أساسي تولى العديد من المناصب فى وزارة التهذيب من مدير لمدرسة تكوين المعلمين فى روصو إلى مدير جهوي للتعليم الأساسي فى عدة ولايات على مدى قرابة 30 سنة خدم فيها وطنه بكل إخلاص وجدية وحاز على الكثير من الأوسمة وشهادات التقدير من الدولة والهيئات المحلية والمدنية. يعتبر من أبرز قادة التيار الناصري وأحد رموز جيل التأسيس فى الحركة القومية بموريتانيا عموما وفى الحركة الناصرية خصوصا.. تفتح معه اليوم 10- فبراير 2021  وكالة الرائد الإخبارية نافذة تاريخ الحركات السياسية الموريتانية بدءا بتاريخ الحركة الناصرية منذ دخول الفكر الناصري إلى البلاد فى بداية ستينيات القرن الماضىإى، وكيف تطور إلى حركة سياسية ضاربة مع نهاية السبعينيات.


الحوار سيكون على حلقات. وإليكم الحلقة الأولى:
 

س -  مرحبا بكم  أستاذنا محمدن،  بوصفكم أحد أوائل من اعتنقوا الفكر الناصري في موريتانيا، كيف كانت نشأة هذا التيار وعلى يد من؟

ج - بسم الله الرحمن الرحيم. .. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري.

يمكنني الجزم بأنه لا يوجد تاريخ محدد لدخول الناصرية إلى موريتانيا، سوى أنه منذ العدوان الثلاثي1956 وخروج عبد الناصر منتصرا دخل اسمه الساحة الموريتانية بقوة، فهاهم الشعراء يتغنون به: من أمثال المغفور له العلامة محمد سالم بن عدود في الخمسينيات يقول:

       ومدلة بالحسن قلت لها قري @ إن الجمال جمال عبد الناصر....

 وهذا أحد شعراء شباب شنقيط  يقول في رائعته:

فلعل عبد الناصر الفرد الذي @  ترمي الشناقط حوله آمالها...

وغير هؤلاء من شعراء الفصيح والشعبي مثل المرجوم أحمدو سالم ولد الداهي حين يقول:

فى إحدى غزلياته:

..... والعيد الزين ابكيت بيه == والمعنوي والنصره

وامتن ثورت جمالك فيه == من ثورت جمال افمصر؛

 وكذلك عبروا عن تعلقهم بجمال عبد الناصر من خلال تسمية أبنائهم باسمه دون خشية من بطش المستعمر الذي لم تزل جراحه تنزف من ضرب المصريين لهم أثناء العدوان الثلاثي، فلم يخشهم المرحوم محمد عبد الله بن الحسن الذي كان يعمل في إدارتهم حين سمى أبنه: جمال، وعندما خاطبه المستعمرون فى ذلك  لم يهتم بهم. وسمى  كثير من الموريتانيين أبناءهم باسم جمال؛   

على العموم يمكن القول إن جميع الموريتانيين قبل النكسة 1967 كانوا معجبين بالبطل القائد جمال عبد الناصر، أما الفكر الناصري فكان محدود الانتشار نتيجة لانعدام الكتب العربية  بموجب المقاطعة العربية لموريتانيا ، فكانت أول فرصة للحصول على الكتب العربية الحديثة هو افتتاح المركز المصري والمركز الليبي على التوالي: في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، وعلى العموم يمكننا القول بأن العقد الأول من عمر الاستقلال لم يكن فيه عمل قومي منظم، وإنما الموجود هو عمل فردي بدون برمجة جماعية.

-   س:    ما هي اهتمامات التيار الناصري في ذلك الوقت؟

ج: - في الستينيات لا وجود لتيار ناصري منظم، وما يوجد لا يعدو كونه مجموعة من الأفراد القوميين لديهم العديد من الاهتمامات الوطنية يتفقون ويختلفون في أولوياتها، مع أنهم متفقون على ضرورة تسويتها ككل مثل:

-       تطبيق الشريعة الإسلامية؛

-        ترسيم اللغة العربية؛

-       دخول موريتانيا الجامعة العربية؛

-       تأميم شركة ميفرما؛

-       تحرير الأرقاء.

فكانت نقابة التعليم العربي- أساسا- هي الحاملة لهمّ ترسيم اللغة العربية، باعتبارها الهيئة الرسمية الوحيدة في الاتجاه القومي، يساندها تلامذة المدارس بقوة والذين هم أول من ظهرت لديهم تجمعات قومية شبه منظمة، وكان قائدهم هو الناصري الثائر آنذاك المرحوم بإذن الله سيدي محمد بن سميدع  الشجاع الذي تعلق بأكمام الرئيس المختار بن داداه أثناء زيارته للثانوية الوطنية 64 ليقول له (أنشدتك أبملان يا الرئيس رسمين العربية).

أما المطالبة بالانتماء للمنظومة العربية فكانت تظهر في النقاشات والمناشير والكتابة على الجدران، مثل ما أيقظني عليه المرحوم سميدع في ليلة عاصفة وممطرة من خريف 64 قائلا:  بالحرف الواحد " السماء أمطرت عروبتنا" وذلك لأنه استغل طقس تلك الليلة ليكتب على الجدران " نحن عرب".

وعلى العموم فإن المطالب يتركز العمل فيها على المناشير والتوجيهات والنقاشات التي قد تقود في بعض الأحيان إلى تغيير المنكر باليد مع غير الملتزمين دينيا.

 -    س:   كيف كان تعامل السلطات معكم ومع مطالبكم؟

كانت السلطات تقابلنا بالإعراض عن مطالبنا، حتى أن ذلك  قد يصل إلى أن تتعامل معنا بقدر كبير من الخشونة، ولكن تلك المطالب والاحتجاجات تؤدي في النهاية إلى تمهيد الطريق لتحقيق تلك المطالب، مثل ترسيم اللغة العربية، وتطبيق الشريعة اٌلإسلامية، ودخول الجامعة العربية، وتأميم شركة ميفرما، وتحرير الأرقاء...

-       ما هي الحركات الموجودة في الساحة آنذاك وكيف تعاطيتم معها؟

ج - بعد اندماج الأحزاب السياسية في حزب واحد أوائل الستينيات لم يبق على الساحة سوى حزب الشعب الذي تعامل معنا بكل مرونة، حيث هو في حاجة ماسة إلى شباب مثقف يساعده على شق طريقه إلى المجتمع، ويؤمن له التواصل معه، ونحن بحاجة كذلك إلى ما نتمكن بواسطته من الانتشار أفقيا حتى نبلِّغ رسالتنا، فكان خيارنا هو التعايش  مع حزب الشعب ما دام لا يعطل أنشطتنا، و حتى  نخْلُص إلى نظام خاص بنا يمكننا من القيام بشؤوننا مستقلين؛   

كانت تقع نقاشات بين المطالبين بالتعريب من جهة، وبين المتعصبين للفرنسية من الأفارقة العنصريين، ومسانديهم من جهة أخرى، والذين هم (الميتيس) وأدعياء العرب ورثة النظام الاستعماري أصحاب الثقافة المحدودة المتخوفين على مواقعهم من منافسة أصحاب الكفاءات العربية التي بدأت تتوارد من الخارج.

-   س:    من تتذكرون من جيل التأسيس؟ وكيف أثرت "النكسة 67" على حركتكم؟

- ج:  بموجب ذكر جيل التأسيس لا يمكنني إلا أن أبدأ باسم المرحوم سيدي محمد بن سميدع، الذي كان له الفضل في التحاقي فكريا بالتيار الناصري حين أهداني صيف 1962م كتاب " قصة الثورة كاملة بقلم أنور السادات" والميثاق، وحديث الأربعاء لحسنين هيكل، وحيث كونني على العمل الحركي، عند ما رافقته في التحضير لأول مظاهرة في نواكشوط  بمناسبة ذكرى النكبة 15 مايو 1962 ضد الاستيطان الإسرائيلي في أرض فلسطين، ومن اللافت للنظر أننا لم نجد  في ذلك الوقت من يشاركنا  في تلك المظاهرة سوى حوالي 20 فردا من شباب المدارس؛

وكذلك كان من الجيل القومي العربي نقيب نقابة التعليم العربي الرجل الوطني الشجاع محمد بن دداه، وأعضاء مكتبه الخلصاء، محمد المصطفى بدر الدين، أحمد بن محمد المامي، أحمدو بن عبد القادر، وغيرهم، وكذلك الأستاذ محمدن بن إشدو، وكانت هناك مجموعة من الشباب الناصري لم يلبثوا معنا في الساحة كثيرا قبل أن يتوجهوا إلى الدراسة في الخارج، من أمثال: المرحوم الرشيد بن صالح، وسيدي محمد العيل، ومحمد فال محمد آب، هؤلاء هم من جمعتني بهم المدرسة، أوجمعني بهم العمل في الساحة، وتختص هذه الحقبة التي هي مجال كلامي الآن بما قبل النكسة 1967.

كان للنكسة  بالغ الأثر على الحركة القومية في موريتانيا حيث اجتاحت الأفكار الدخيلة جميع البالغين سن التوظيف إلا من رحم ربك، فكل الأسماء التي ذكرت لكم  آنفا تحولت نحو حركة الكادحين باستثاء  تلامذة المدارس؛ وذلك هو السر في تأخر ظهور التنظيم الناصري عن تنظيمات الكادحين والبعثيين، إذ أن هاتين الحركتين استولتا على الأجيال الأقدم، ولم تترك للناصريين سوى الجيل المدرسي، فيه البركة والخير.

-  س:     هل كنتم منظمين في البداية؟ وكيف كانت الخلايا تدار في عهد الحزب الواحد؟

- ج: حسب علمي لا وجود لتنظيم ناصري مركزي في موريتانيا قبل سنة 1977 ، غير أنه قد توجد خلايا ناصرية محلية في بعض النواحي تدبر شؤونها محليا؛ وكما ذكرت لكم سابقا فإن علاقتنا بحزب الشعب  في الأصل لم تكن عدائية في أغلب الأحيان، غير أن ذلك لا يحول دون أن تظل أعمالنا محاطة بالسرية الكاملة،

ومن ذلك المنطلق ظلت خلايانا تدار محليا، وكانت هذه الخلايا المكونة من الشباب تلامذة المدارس ومن المعلمين العرب هم من اكتسحوا الساحة من جميع أطرافها وأخرجوا لنا منها بذورا أنبتت لنا رياضا يانعة لم نزل نعيش عطاءها حتى اليوم.

-   س:    هل تتذكرون أول احتكاك حدث لكم مع السلطات وكيف كان تعامل الأمن معكم ؟

- ج:  أول احتكاك حضرته تم لنا مع الأمن سنة 1966 كان بموجب تظاهرة نُظمت للمطالبة بإطلاق سراح بعض نقابيي التعليم وغيرهم من المطالبين بترسيم اللغة العربية، ومدة استضافة الشرطة لنا لم يصلنا منهم خيرا ولا شرا، كان هذا هو الاحتكاك الأول كما سألتم، مع أنه لم يكن هو أكثر الاحتكاكات مع السلطة شراسة.    

-   س:    ماذا عن  دور المركزين  الثقافيين المصري و الليبي وصوت العرب فى نشر الفكر الناصري؟

كان لهذين المركزين دور كبير على الساحة السياسية والثقافية، بما وفراه من كتب عربية حديثة كانت مفقودة. ولسبب انعدامها أتذكر أنني كنت أذهب إلى سفارة الصين الوطنية لأحصل منها على بعض الكتب يكفيني أنها بالخط العربي مع أنها تتحدث عن الصين الوطنية وعن سياستها.

بعد افتتاح المركز المصري ومن بعده المركز الليبي توفرت الكتب وتهافت الشباب على قاعات المطالعة، ليرتوي من تلك العلوم التي لا تدرس في المحاظر،  وهو ما مكن الشباب  من الحصول على شهادات أهلتهم لمتابعة تعليمهم في الخارج ليعودوا إلى وطنهم بعد وقت وجيز بشهادات عليا؛

       كما قامت هذه المراكز بأنشطة توعوية مختلفة: عرض أفلام، مناقشات، محاضرات، ومسابقات فى مجالات سياسية؛

 أتذكر أن أحد المواضيع الثلاثة في إحدى مسابقات المركز الثقافي المصري الذي كان من نصيبي هو سؤال: ما هي أسس الوحدة العربية؟ وتم تقسيم الجوائز على الناجحين في حفل شبه رسمي كبير قدمت لي فيه جائزة على يد فضيلة القاضي محمد سالم بن عدود، وكانت الجائزة عبارة عن شبه مكتبة متكاملة  13 كتابا من نوادر المعارف، وقلم من نوع " باركر" النادر الوجود في تلك الأيام. وكان ذلك سنة 65 . سقت لكم هذا المثال ليس لغرض الإطراء ولكنه يصلح لأن يكون نموذجا لتعامل المركز الثقافي المصري مع الموريتانيين؛ أما ما يخص صوت العرب فكان له هو الآخر نصيبه من التوعية المباشرة، وله أهمية كبرى لدى المواطنين، حتى أنهم أدخلوه في النظام القضائي،  وذلك حين حكم قاضي نواذيبو آنذاك  محمد عبد الله بن اشبيه بن ابوه  برد بيع جهاز إذاعة بحجة أن المشتري قد اشترط  على بائعه أنه يريده لسماع صوت العرب، وأن هذا الجهاز لم يفور له تلك الخدمة..

في نهاية سرد هذه النبذة التاريخية من المسيرة القومية في البلد لا يفوتني أن أنبهكم إلى أن ما ورد فيها كان عن الفترة ما قبل النكسة 1967 المنعطف الأبرز في التاريخ القومي في البلد، أما ما بعد ذلك التاريخ فسوف أتكلم عنه إن شاء الله في حلقة أخرى، ويكون ذلك موجبا لذكر الكثير من الأسماء التي ظهرت بقوة في ذلك الوقت والتي كانت هي أسس تلك الدوحة الناصرية في موريتانيا، كما أن بعض أفراد هذه المجموعة كان لهم الشرف في تكوين أول مكتب مركزي للتيار الناصري في موريتانيا سنة 1977 .


يتواصل بحول الله

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122