لقد أخطأت المعارضة عندما نصبت نفسها جهة "قضائية" للحكم النهائي على خصومها من خلال التشهير بهم وتشويه سمعتهم واتهامهم جزافيا وبطريقة انتقائية، فالإختلاف في المواقف السياسية داخل الوطن الواحد لا يعني بالضرورة القفز على قيم المجتمع والتنكر للمساطر القيمية الكونية، إلا إذا كان الهدف أصلا هو النيل من هذا المجتمع المسالم. لقد سئم الشعب الموريتاني هذه المناورات السياسية العبثية، خاصة بعد أن ظهرت الأمور على حقيقتها مع الوقت... فالظلم والحقد والتحريض وتصفية الحسابات لا تبني الأوطان، بل تضرها وتمزقها-لا قدر الله.
لقد أخطأ من دعم هذه المعارضة في تهورها الأصلي، حلحلةً قسرية لإشكال "المرجعية" داخل الحزب الحاكم.
أما اليوم وقد حصلت جزئيا المعارضة "التحريضية" على مأربها الرئيسي وهو تصفية الحسابات السياسية مع الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز وقلة من معاونيه السابقين ومقربيه، فكان الأجدر بها أن تتفادى إرباك التحقيق على علاته وألا تتدخل مرة أخرى في ملف لم يصل بعد القضاء الجالس. أما منطق الضغط اليائس لفرض الرأي على السلطة التنفيذية وعلى امتدادها، الشرطة القضائية، وعلى القضاء الجالس وعلى الرأي العام، فلا يمت بصلة إلى مبدإ فصل السلط الذي يمثل حجر الزاوية في النظام الديمقراطي. ولا أعتقد أن هكذا مناورات ستساعد المعارضة التحريضية في تحقيق هدفها المعلن الثاني وهو حكومة وحدة وطنية؛ فأبجديات الديمقراطية تقتضي احترام الآجال الإنتخابية وإرادة الناخب والبحث عن السلطة عبر صناديق الاقتراع...
فيما يتعلق بإشكال الفساد، تقتضي المصلحة العامة إعلان حرب جدية ضده كظاهرة خطيرة تتهدد المجتمع برمته، دون استهداف مسبق لأي كان ودون استثناء كذلك وطبقا للمساطر الفنية والقانونية والقضائية المحايدة سياسيا.
وبغض النظر عن مسار التحقيق الانتقامي والانتقائي منذ بدايته، سأظل أطالب بمصالحة شجاعة وصادقة بين رئيس البلاد الحالي وسلفه لقناعتي بأن هذه المصالحة تصب في صميم كرامة الدولة الموريتانية ومصالح شعبها، خاصة بالنظر إلى الأوضاع الإقتصادية والصحية الحالية والظرف الجيوسياسي سريع التقلب.