حرصا من حزب الكرامة على تحديد وتوضيح آرائه ومواقفه من جميع القضايا الوطنية وغيرها من الأمور التي تتطلب الإعلان عن تلك الآراء والمواقف؛ فإنه من الآن ومع بداية انطلاق نشاطاته
.سيعمل -إن شاء الله تعالى- على إبراز مجمل مواقفه من مختلف القضايا في الأوقات المناسبة.
وبما أن الساحة الوطنية الآن مشغولة بمسألة إصلاح التعليم وعلى عتبة انعقاد المنتديات العامة للتهذيب والتكوين؛ فإن الحزب يتقدم إلى هذه المنتديات، وإلى كافة المعنيين بالعملية التربوية وإلي كافة أفراد الشعب الموريتاني؛ ليطلع الجميع على نظرته وموقفه من قضايا التعليم والتربية والتكوين، وبالأخص الإصلاح الذي يتطلع الجميع إليه اليوم، وذلك من خلال ورقة مختصرة نرجو أن تشكل –مع غيرها من المقاربات- وسيلة لاستخلاص النتائج الإيجابية للخروج بنظامنا التربوي من مأزقه المزمن، وانتهاج مسار جديد يضمن لشعبنا مزيدا من الرقي بواسطة الاستخدام الأمثل لكافة مؤسساته وروافده التعليمية من رياض ومحاضر ومدارس ومعاهد وكليات وجامعات ... إلخ.
إن حزبنا يسعى من خلال هذه الورقة إلى المساهمة في تكوين رؤية وطنية واضحة حول الأزمة التي يعيشها نظامنا التربوي من خلال تشخيص مظاهرها ومسبباتها الأساسية والإجراءات العملية الكفيلة بالخروج بهذا التعليم من مأزقه المزمن ليحقق الأهداف المنشودة منه في بناء جيل وطني مخلص لوطنه متشبع بثقافته الوطنية المتعددة المنابع، يفتح قنوات التفاهم والتفاعل بين مختلف مكونات شعبنا ويعطى لكل واحدة من قومياته الفرصة والمناخ الملائم لإبراز ذاتها الثقافية والعلمية ويفتح الآفاق الواسعة أمام الجميع للسير في طريق الرقي والنمو في جو من الأخوة والمحبة والإخلاص والتفاني في خدمة الوطن والمجتمع مسترشدين بروح الإسلام الذي هو دين الجميع والناظم الأساسي له والضامن الأوحد لمصالحه الدنيوية والأخروية، وظلت مدرسته الأساسية اللوح والمحظرة المنبع الثر الذي ارتوى منه هذا الشعب جيلا بعد جيل، وأثبت من خلاله جدارته بالسبق والريادة في نشر الإسلام في كثير من أصقاع العالم.
ثم جاء المستعمر ليفرض تعليمه ولغته على أبنائه إلا أن الرفض الشعبي الصارم لهذه المدرسة جعل المستعمر يفشل في تحقيق أي من أهدافه الرامية إلى نشر اللغة والثقافة الفرنسية، والقضاء على جميع الثقافات الوطنية من خلال محاربة اللغة العربية وغيرها من اللغات الوطنية والسعي لإقصاء الدين الإسلامي الحنيف.
وفي فترة الاستقلال ظل هذا التعليم يسير على نفس النهج الذي رسمه المستعمر رغم التحويرات الطفيفة التي تجرى عليه من حين لآخر، والتي كان آخرها وأطولها مدة ما يسمى بإصلاح 1999م الذي استطاع أن يحقق في أقل من عشر سنوات ما عجز عنه المستعمر طيلة ستين سنة من إقصاء للديانة الإسلامية وتهميش اللغة العربية ووأد لما كان ينتظر من تعليم للغات الوطنية الأخرى – من خلال إصلاح 1979 – وإقصاء لهذه اللغات وسد الأبواب أمامها بالمرة.
وبنظرة سريعة لهذا الإصلاح (إصلاح 1999) نلاحظ أنه انطلق من مبدإ توحيد أنظمة التدريس في مختلف مراحل التعليم الأساسي والثانوي والعالي، بالاعتماد على اللغة الفرنسية التي يبدأ تدريسها من السنة الثانية، وتضاف لها مادة الحساب باللغة الفرنسية ابتداء من السنة الثالثة وجعل تدريس العلوم الطبيعية بالفرنسية ابتداء من السنة الخامسة، ووَكَلَ تدريسَ العلوم الفيزيائية والمعلوماتية للفرنسية ابتداء من السنة الإعدادية الثالثة والرابعة، وأهمل مادة التربية الإسلامية وغيرها من المواد التي يفترض أن تدرس باللغة العربية لثانويتها وعدم أهميتها في ضمائر منظري هذا الإصلاح على ما يبدو!
وقد قوبل هذا الإصلاح بالرفض والاستياء والانتقاد من كافة القوى الحية في البلاد،ووصفوه بالارتجالية وسوء التسيير وعدم ربط التعليم بالبيئة الاجتماعية والطبيعية وغياب التنسيق بين مختلف فرقاء العملية التعليمية، وإهماله للغاتنا الوطنية، وعدم وضوح أهدافه، وقد كان في نظر الكثيرين عودة إلى المربع الأول وتفريطا بما تحقق من المكتسبات الوطنية نتيجة لنضال القوى الثورية في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال الثقافي.
إن حزبنا حزب الكرامة يرى أن أزمة التعليم اليوم والإخفاقات المتكررة لما سمي (إصلاحات)؛ هي أهم تجليات معوقات التنمية في بلدنا، وقد مثل العمل على الخروج منها جوهر الأفكار والآراء الواردة في الوثائق المرجعية لحزبنا الذي ينشد "الكرامة" للوطن والمواطن.
إن هدف حزبنا هو تكوين إنسان جديد في ظل القيم الإسلامية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم الاجتماعي. إن المقاربة التربوية لحزب الكرامة تستند إلى مرجعية دستورية، بالإضافة إلى وثيقة الحزب حول مشروعه المجتمعي وخاصة (الوثيقة التربوية الشاملة التي تلخص رؤية الحزب حول التعليم).
إن بعض الإخفاقات في التسيير والإدارة – في نظر الحزب – تعود بالأساس إلى عامل تربوي سالب أدى أحيانا إلى اضمحلال الضمير وانحلال الوازع الوطني، بالإضافة إلى روح الانتهازية وغيرها من الظواهر والمسلكيات المرفوضة رسميا وشعبيا. ومن أجل إنجاح مشروعنا التربوي بكل أبعاده الوطنية والإنسانية والكونية؛ كان لا بد من إبراز أهم العوائق التي تنتاب المؤسسة التربوية، وإظهار الجوانب الإيجابية – إن وجدت - وتنميتها.
إن أهم ملاحظة مشهودة – بالإضافة إلى فشل المناهج المتبعة – هي ضعف البنية التحتية واكتظاظ الأقسام (200 – 150 – 100 في الكثير من الأقسام) بالإضافة إلى النقص الحاد في أعداد المدرسين، وعدم فاعلية التسيير الإداري الذي يعتمد الارتجالية ومراعاة الأمزجة السياسية المتغيرة.
فالكادر التأطيري الذي يتمحور حول "المدرس" الذي نجده يعاني – من بين أمور أخرى – امتهانا لكرامته وغيابا لتكوينه المستمر وضعفا وتدنيا للإمكانات المادية التي يحصل عليها من رواتب وعلاوات وتأمين صحي وغير ذلك. ولم يكن التعليم الحر في هذا المجال إلا تغليبا للبعد الاستهلاكي للمدرس على قيمته الرسالية النبيلة.
ولقد ساهمت ظاهرة اكتتاب غير الأكفاء من المدرسين العقدويين وسواهم في إضعاف دور الأستاذ ومكانته، وجعله "أداة" يمكن استبدالها على حساب العملية التربوية والمردودية المتوخاة منها.
ومن الملاحظ أن ظاهرة الاختلاس على مقاعد الدراسة؛ ناتجة عن ضعف الرقابة وحاجة المراقب بدوره إلى مراقبة، حيث نرى أن "النجاح" الذي يحققه بعض التلاميذ والطلاب عائد في الغالب إلى تفشي الاختلاس واعتماده لدى بعض التلاميذ والطلبة بدلا من الجد والمثابرة في التحصيل العلمي، وهو ما يستدعي التفكير في شكل الامتحانات ومواضيعها وظروفها.
ولا يمكن إنجاح العملية التربوية مع غياب وكلاء التلاميذ في التنشئة والرقابة؛ فآباء التلاميذ والطلاب مطالبون بالتنسيق مع المؤسسات العلمية والتربوية.
كما أن ضعف المناهج وجمودها، وافتقارها إلى خبراء تربويين يمتلكون رؤية استيراتيجية لإنتاج مواطن صالح يحافظ على الثوابت الوطنية الأساسية في ظل الوئام والسلم الاجتماعي، ويحقق التنمية ويساهم في الخروج بالتعليم من دائرة الإخفاقات المتكررة.
إن مراجعة المناهج التربوية تحتاج إلى خبراء وطنيين يسائلون الواقع، ويستشرفون المستقبل انطلاقا من الماضي والحاضر.
إن الشهادات الصادرة عن المسؤولين الوطنيين من أعلى المستويات ومن المسؤولين المباشرين عن التعليم ومن خبراء الهيئات التربوية العربية والإسلامية والدولية، تكفي للتدليل على فشل جميع الخطط التربوية السابقة، وضرورة المبادرة بإلغائها والاعتماد بدلها على منهج جديد، ينطلق من واقع المجتمع البيئي والاجتماعي والثقافي، وهو ما سنتعرض له في الفقرات اللاحقة.
أولا- المبادئ والمنطلقات الأساسية للإصلاح
* بما أن آخر الخطط المتبعة في مجال التعليم هي خطة إصلاح 1999 المشؤومة، والمبنية على منهج "مقاربة الكفايات"، قد أثبتت فشلها على جميع المستويات، وبشهادة أعلى المرجعيات في الدولة؛ فإن أي إصلاح جديد لا بد أن ينطلق من رفضها جملة وتفصيلا والبحث عن منهج جديد يأخذ في الاعتبار مجمل التجارب السابقة، ويرتكز في جوهره على المعطيات البشرية للبلد، وحاجاته في التطور والنمو الطبيعي، بشكل يخدم بقاء هويته الحضارية والثقافية الإسلامية العربية الإفريقية.
* وبالنظر إلى أن جميع الدراسات والإحصائيات أثبتت أن منتسبي المدارس الأهلية –كتاتيب ومحاظر – ولو لفترة وجيزة يكونون بالدوام أحسن مستوى من غيرهم، وفي جميع مراحل التعليم وسائر الامتحانات والمسابقات؛
* واعتبارا للدور التربوي المشهود للغة الأم في تنشئة الأجيال وتنمية قابلياتهم الذهنية ومواهبهم المتعددة؛
* وبالنظر إلى الفشل الذريع الذي منيت به جميع البرامج التعليمية في بلدنا منذ الاستقلال وخصوصا منها ما يعرف بإصلاح 1999 وبرنامج "مقاربة الكفايات" الذي تنكر جملة وتفصيلا لجميع حقائقنا وثوابتنا الوطنية والدينية، وتطلعات أبناء شعبنا للتعرف على ذواتهم من خلال تعليم لغاتهم؛
* وانطلاقا من مسلمة أننا بلد مسلم مائة بالمائة، تعيش فوقه مجموعة بشرية، ظل الإسلام منذ وصوله إلى هذه البلاد دينها وناظم سلكها ومنبع ثراء ثقافتها وعطاءاتها المعرفية وإشعاعها عبر العالم، وقائد مجاهديها وأيمتها ومرشديها طيلة الحقب الماضية، ومازال كذلك؛
* وانسجاما مع دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي ينص على أن الدين الإسلامي هو دين الشعب والدولة، وأن اللغات الوطنية هي: العربية والسوننكية، والبولارية، والولفية، وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلد؛
* وانسجاما مع حقائقنا التاريخية التي كانت قائمة قبل الاستعمار؛ حيث كان مجتمعنا مجتمعا متحدا ومتماسكا تربط بين جميع مكوناته أواصر الدين والقربى والجوار والمحبة والمصالح المشتركة والتحالفات المحلية التي مازال الكثير من أبناء شعبنا يتمسك بها ويعمل بمقتضاها في تحالفاته السياسية اليوم؛
* وانسجاما مع ما تضمنته الوثائق التأسيسية لحزبنا (حزب الكرامة) فإن موقفنا ورأينا في الإصلاح المرتقب للتعليم يتلخص في المحاور الآتية:
1- أن ينطلق من ثوابتنا الوطنية الدينية والحضارية والاجتماعية والسياسية؛ بصفتنا بلدا مسلما مائة في المائة، يتسم بتعدد لغاته القومية التي يمثل كل منها منبعا من منبع ثقافة شعبنا ومميزا ثقافيا واجتماعيا له.
2- أن ينطلق هذا الإصلاح من مقتضى دستور البلاد الذي ينص في مادته السادسة على أن لغاتنا الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية، والعربية هي لغته الرسمية.
3- أن ينطلق من حتمية كتابة لغاتنا الوطنية وتدريسها في كافة مراحل التعليم ابتداء من مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية (رياض الأطفال – المدارس الأهلية) فصاعدا؛ الأمر الذي تمليه المصلحة الوطنية العليا، وتقوم جميع البراهين على إمكانية تحققه مثل ما تحقق للغات أخرى أكثر أصواتا وأقل ثراء.
4- أن ينطلق من مبدإ حتمية إعطاء أولوية خاصة لتعليم الفئات التي حرمت من التعليم ردحا من الزمن لأسباب معروفة، وأصبح من الضروري إعطاء أبنائها أوسع الفرص للحاق بالمستويات المعرفية التي وصل إليها بقية المواطنين؛ لتتكافأ فرص الجميع في مجالات التوظيف والاكتتاب في مختلف الاختصاصات، حتى يكون نظامنا التربوي بالفعل نظاما منصفا، ووسيلة لامتصاص التفاوت والقضاء على الفوارق الاجتماعية.
5- أن ينطلق من مبدإ حتمية القطيعة الكلية مع الخطط والترتيبات الموروثة عن المستعمر، بدءا بمواقيت العطل وما ترمز إليه من تخليد وتذكير بأعياد ومناسبات خاصة بالمسيحيين، واعتماد التقويم الهجري والمواسم الإسلامية في تحديد أزمنة هذه العطل؛ إسوة بأجدادنا الذين كانوا يربطون عطل الأطفال بأعياد ومناسبات دينية.
6- أن ينطلق من مبدإ حتمية القطيعة الكلية مع المحاولات "الإصلاحية" الجزئية المبنية على اعتبارات سياسية ومزاجية آنية، تتجاهل عن قصد القضايا الجوهرية لمشاكل التعليم، والتي من أولها مسألة الاستقلال الثقافي، وإحلال اللغة العربية واللغات الوطنية الأخرى المكانة اللائقة بها
7- الانطلاق من مبدأ الاعتماد الكلي علي الموارد الوطنية في مجال تمويل البرامج والخطط التربوية؛ لضمان النجاح الكامل لهذه الخطط حتى تحقق أهدافها ومراميها الوطنية المنشودة.
ومن هذا المنطلق فإن على الدولة أن تتكفل –وعلى نفقتها الخاصة- بالتمويل الكامل لقطاع التربية والتكوين، بما في ذلك مشروع الإصلاح الجاري، ودعم ميزانية التعليم، حتى يتحقق لهذا القطاع الاستراتيجي الاكتفاء الذاتي المطلق، وإلا فإنه سيظل تابعا وخاضعا لإرادات الممولين الأجانب القاضية باستمرار تبعيتنا الثقافية والعلمية للقوى والهيئات الخارجية.
وبدون اعتبار هذه المنطلقات السبع والعمل بمقتضاها؛ فإن أي إصلاح جدي للتعليم لن يتحقق، ذلك أننا نريد من هذا الإصلاح أن يكون وسيلة لرسم ملامح دولتنا المنشودة، وتشكيل معالم مواطن الغد الذي يراد لهذا النظام أن ينتجه؛ لنتمكن في المحصلة النهائية من ترسيخ أسس وحدتنا الوطنية على قواعد صلبة وثابتة.
ثانيا: المناهج التربوية
* من الضروري أن تستوعب مناهجنا التربوية كافة المعارف والتخصصات ضمن مراحلها المتتالية، وبشكل ملائم للانتقال من كل مرحلة إلى تلك التي تليها مع مواءمته لكل مرحلة على حدة، وحتى تجد كل مادة وكل تخصص المكانة اللائقة بهما ضمن البرنامج؛ بحيث يجد كل فرع من فروع المعرفة وحسب الإمكانات التعليمية والحاجات التنموية؛ الامر الذي يقتضي دمج جميع المواد والتخصصات في نفس البرنامج العام، وطبقا للسياق الزمني المناسب لكل قسم منها من مرحلة الطفولة الصغرى إلى أعلى مستويات التخصص.
فعلى سبيل المثال لا الحصر ينبغي أن يتضمن المنهاج العام العلوم الشرعية والتربية المدنية والتوعية الوطنية والحماية والبيئة وحقوق الإنسان والطب والصناعة والهندسة والميكانيكا واللحامة والنجارة والخياطة والحلاقة والفندقة وهندسة البناء وصناعة الجلود والخزف والنحاس والزراعة وعلوم البحار والتخطيط والإدارة والتدبير الاقتصادي والتجارة والقانون العام والخاص والقانون الدولي والترجمة والنشر وتقنيات الاتصال والعلوم الإنسانية والفلسفة وعلم الاجتماع وتكوين الشباب وأنواع الرياضة والفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى وغيرها من الفنون الجميلة، على أن يتم تصنيف كل مجموعة من هذه المواد في إطارها التعليمي المناسب في الكليات والأقسام الجامعية والمعاهد ومراكز التكوين، مع مراعاة المستويات المناسبة لكل هذه التخصصات وتكوين مؤسسات جهوية ومحلية تتناسب مع الحاجات الاقتصادية والبشرية لكل منطقة (زراعة – بيطرة – معادن ...)، ويجب أن تتضمن هذه المناهج كذلك تعريفا واسعا بشخصياتنا التاريخية والدينية والأدبية، وأن يكون للآداب الوطنية حضور أكبر في هذه المناهج من مستوى الابتدائية إلى أعلى المستويات الجامعية، حتى تتربى أجيالنا على معرفة الرموز الثقافية والفكرية للبلد، وتتمثل ماضينا المجيد، وتتخلق بأخلاق أجدادنا الميامين.
* ومن الضروري كذلك الاعتماد على رياض تعليم القرءان ودعم وتأطير معلميهم باعتبارهم جزءا من البنية التربوية العامة مكملا لمؤسسات التعليم القاعدي، مع إعادة الاعتبار لدور المحاظر في تنشئة الأجيال تنشئة سليمة، وتحصينهم ضد أنواع الاستلاب الثقافي والفكري، بالإضافة إلى رفد المجموعة الوطنية بشباب يحملون المعارف الأساسية لبناء المجتمع، وهنا ينبغي التنبيه إلى ضرورة تقنين الشهادات التي يعطيها شيوخ المحاظر وتصنيفها ضمن الشهادات الوطنية المعترف بها، كما هي الحال في دول عربية أخرى، واتخاذ الإجراءات الضرورية لتسهيل ولوج خريجيها إلى المؤسسات التعليمية النظامية.
وفي هذا الإطار فإن حزب الكرامة يقترح إنشاء مصلحة خاصة للتكوين تتكفل بتنظيم دورات تقوية لطلبة المحاظر؛ لتمكينهم من اكتساب وتدارك ما يكون قد فات البعض منهم من المواد العصرية كالعلوم والرياضيات وغيرها، مما يسهل عليهم النجاح في المسابقات والامتحانات المناسبة لمستوياتهم.
* ومن الضروري كذلك تفعيل معهد اللغات الوطنية وتوفير الإمكانات اللازمة له ليقوم بدوره في إعداد الدراسات العلمية لمباشرة تعليم هذه اللغات على أسس علمية رصينة، والخروج بمناهج تدريس ملائمة تضمن لهذه اللغات مكانتها اللائقة ضمن نظامنا التربوي العام، وتعزز دورها في الحفاظ على وحدتنا الوطنية.
* وانطلاقا مما تقدم فإن حزبنا يرى من الضروري لنجاح هذا الإصلاح أن يتضمن في مقرراته الختامية:
أولا- جعل مادة الشريعة الإسلامية مادة أساسية ورفع معدلها إلى مصاف معدلات المواد الأساسية الأخرى؛ بحيث تكون مقصية في الامتحانات الوطنية وامتحانات التجاوز من سنة إلى أخرى.
ثانيا- جعل تعلم اللغات الوطنية إجباريا على الجميع واتخاذ التدابير اللازمة لذلك من بداية المرحلة الابتدائية.
ثالثا- إدراج مادة التربية الوطنية في المنهج الجديد؛ لضمان تكوين إنسان حر واع بكامل مسؤولياته الوطنية، ورفع ضواربها وجعلها مقصية كذلك.
رابعا- تخصيص المرحلة الابتدائية كلها لإتقان اللغات الوطنية محادثة وكتابة، واكتساب بعض المعارف الأساسية من القرآن والحديث والفقه والقواعد اللغوية، على أن تكون الأولوية في كل منطقة بحسب كثرة الناطقين بهذه اللغة أو تلك، وذلك من أجل جعل تعلم هذه اللغات وسلية للتواصل الحي بين مختلف مكونات شعبنا، وفي جميع المناطق.
وهنا يطلب من الدولة والمجتمع بجميع هيئاته بذل مجهودات وتضحيات خاصة من أجل جعل بلدنا رائدا في مجال كتابة وتطوير وتدريس اللغات الوطنية.
ومن هنا فإن حزبنا يقترح تأسيس عدد من المراكز الفنية التقنية الموازية للمدارس خصوصا من السنة السادسة ابتدائية لكي يكتسب التلاميذ بواسطتها خبرات أولية في مجالات العلوم والكهرباء والميكانيك وما شاكلها، ليسهل عليهم الولوج في مراكز التكوين الفني فيما بعد.
خامسا- في المرحلة الإعدادية يظل التركيز على متابعة تدريس اللغات الوطنية، وتخصص أربع ساعات أسبوعية لتعليم إحدى اللغات الحية" الانجليزية أو الإسبانية أو الفرنسية أو غيرها حسب الحاجة، ووفقا للمعطيات الدولية القائمة.
وفي جميع المراحل يتم تدريس المواد العلمية باللغة العربية، على أن يقوم معهد اللغات الوطنية بإعداد الدراسات اللازمة لتطوير مناهج تعليم هذه اللغات بشكل يساعد على الارتقاء بها إلى مستويات تعليمية أعلى وأكثر تخصصا.
وابتداء من السنة الثالثة الإعدادية يتم التركيز على المواد العلمية استعدادا للتوجيه في المرحلة الثانوية.
وفي المرحلة الثانوية يستمر تعليم المواد العلمية باللغة العربية، على أن تعطى العناية للغة ثانية انجليزية أو اسبانية أو فرنسية أو صينية أوغيرها استعدادا للولوج في مرحلة التعليم الجامعي والاستفادة العلمية والأدبية من معارف الشعوب الأخرى.
هذا على مستوى المنهج أما على مستوى توفير المستلزمات الضرورية المادية والبشرية؛ فإن جميع التدابير الضرورية من إعداد كادر بشري، وأدوات عملية وتكوين مستمر؛ تظل الشغل الشاغل خصوصا في فترات العطل.
وسيكون لتشجيع المعلم والتلميذ ورعاية المواهب مكانتها البارزة في رؤيتنا هذه، قيد الدراسة والتمحيص والإثراء.
وبالنسبة للتعليم العالي؛ فإن حزبنا يرى من الضروري جعل هذا المرفق الهام مؤسسة مستقلة يشرف عليها جهاز إداري وفني مستقل إداريا وماليا يتولى تدبيرها وتسيير شؤونها، ويكون خاضعا لنظام محاسبة ومراقبة خاص، في إطار مجالس عليا للتعليم مكونة من البرلمانيين وهيئات المجتمع المدني والمتخصصين في مجالات التربية وعلم النفس وغيرها من فروع المعرفة، تتولى مهمة إعادة هيكلة المؤسسات الحالية على الوجه الملائم، وتوفر شروط الانتقال من نظام تربوي إلى آخر، على أن تتكفل الدولة بتوفير ميزانية خاصة لهذا التعليم لا تخضع للتقلبات السياسية والمزاجية وغيرها.
وبالنسبة للتعليم الحر –الوطني والأجنبي- فإننا نرى من الضروري:
أولا- إعادة النظر في النصوص والترتيبات المنظمة له؛ ليتم تحيينها وملاءمتها لهذا الإصلاح، ولمقتضيات الحاجات الوطنية الأساسية.
ثانيا- أن تفرض السلطات العمومية رقابة صارمة على هذا التعليم ليلتزم بتطبيق النظم والمناهج المرسومة من قِبل الدولة. ثالثا- أن يقوم القطاع الخاص بالاستثمار في مجال التعليم الحرـ وغيره ـ خصوصا منه الفني والمهني طبقا لحاجات سوق العمل والتخصصات المطلوبة أكثر من هذا القطاع وغيره.
رابعا- أن تعمل الحكومة على إقامة شراكة إيجابية مع هذا التعليم، وتساعده في تكوين المدرسين ليتمكن من استيعاب أكبر قدر ممكن من الخريجين، ويساهم بإيجابية في امتصاص البطالة في البلد، على أن يحقق هذا التعليم اكتفاء ذاتيا من المعلمين والأساتذة والموظفين في فترة زمنية تتم دراستها وتحديدها من طرف الدولة والشركاء المعنيين في أفق زمني كفيل بتحقيق هذا المسعى.
هذا ما نراه مناسبا ليكون إصلاح التعليم المرتقب كاملا وشاملا.
والله الموفق
انواكشوط بتاريخ: الأحد 29 شوال 1433 هـ الموافق: 16/09/2012م
اللجنة المكلفة بالتعليم والثقافة والتحديث