وكالة الرائد ترصد تأثير الإجراءات الاحترازية على أصحاب المهن الصغرى (تحقيق)

2020-04-08 18:37:00

وكالة الرائد الإخبارية - فى إطار سعيها إلى معرفة وملامسة الحياة اليومية، والأوضاع الاجتماعية، التى تعيشها الطبقات الهشة، وأصحاب الدخل المحدود، وتنويرا للرأي العام، أجرت "وكالة الرائد الإخبارية" تحقيقا، سلطت من خلاله الضوء على ما يعانيه أصحاب الحرف الصغيرة، جراء الإجراءات الاحترازية المتخذة من طرف الدولة بشأن عدم انتشار وباء كورونا، الذى يجتاح هذه الأيام  العالم بأسره؛

.

لقد أدى حظر التجول وإغلاق المدارس والمطاعم والمقاهى وبعض الأسواق الحرفية ووو.. إلى حرمان الكثير من أصحاب الحرف الصغيرة من الحصول على قوتهم اليومي، وقوت عوائلهم..

محمد ولد ورزك عامل يدوي بأحد المقاهى: أنا أقطن بدار النعيم وأعمل بمقهى قرب مدرسة حرة (لا أذكر اسمها "مكفول عنها راص ظرك") بكرفور جنوب سوق لكبيد، أعيل أسرة تتكون من خمسة أفراد، أتقاضى شهريا مرتبا يناهز خمسين ألف أوقية قديمة، وفى نهاية الدوام أذهب دائما إلى أسرتي حاملا ما تبقى من الوجبات لأقدمه لعيالي وكثيرا ما يغنينا عن إعداد وجبة العشاء.. هكذا كان حالي إلى أن جاءت قضية "المخزيه" كورونا فأغلقت المدرسة أبوابها وتدنى دخل المقهى وأصبحنا لا نبيع ربع الذى كنا نبيع يوميا.. هجرتنا المجموعات الشبابية التى كانت تعج بها المقاعد... انزعج صاحب المقهى وفكر فى إغلاقه، وصرت أنا أسير على قدمي إلى عيالى، لا أحمل زادا ولا نقودا، وبينما نحن بانتظار الفرج إذ جاءتنا "الحكومة" وأغلقت المقهى وأمرتنا بالذهاب إلى أهلنا.

الحكومة لم تقدم لنا شيئا، وأنا الآن عاطل وزملائي عاطلون ... أمرنا إلى الله.

اسويلمه صاحبة "صالون الحنة والحلوة" بتنسويلم: نحن "الحنايات" أكبر خاسر فى قضية حظر التجوال، فالمناسبات الاجتماعية توقفت نهائيا، وصالوناتنا أصبحت مهجورة، فلم تعد هناك إمرأة تريد "الحنة" ولا الحلوه" .. "الحنه كاع اتدورها لاش؟ "من لاهى إشوفها"؟؟؟ "والله يكون ارجعت الدارى واكعت امع اتريكتي" ... "هذ ما كط اخلك!!!  الاً ربنا يحلم عنا".

أمنة بنت أحمد صاحبة محل تجارى نسائي (بتيك ملحف) بشارع اللنكات فى عرفات: أنا مطلقة وأعيل أطفالي الثلاثة، اثنان منهم يدرسون فى المدرسة النظامية (مستوى إعدادي) وبنتي الصغرى تدرس فى هذه المدرسة الابتدائية الحرة القريبة منا.. أعتمد – بعد الله سبحانه وتعالى – فى توفير حاجاتي اليومية والشهرية، على هذا المحل المتواضع، أبيع الملحف، و"الرمبي"، وبعض المقتنيات الخاصة بالنساء... كانت الأمور تسير بشكل طبيعي "انهار انبيعُ وانهار ما انبيعُ".. إلى أن جاءنا قرار حظر التجول فتوقف كل شيئ.. المحلات النسائية – كما هو معروف – لا تنشط إلا فى المساء نظرا لطبيعة زبنائها لأن المناسبات الاجتماعية وأغلب الدعوات لا تكون إلا فى المساء. كما أن قرار وقف التجمعات أدى هو الآخر إلى حرماننا من فرص كبيرة، فقبل يومين – على سبيل المثال- كانت بنت خالي "امْسمْيَه اطفل"، ونظرا لحظر التجمعات، اكتفت الأسرة بذبح عدة شياه وتوزيعها على الجيران، فيما أرسلوا عدة شياه أخرى إلى أسر الأقارب المتواجدين بنواكشوط، دون أن يدعوا أي أحد. لو كانت الأمور على طبيعتها، لكانت قريباتي اشترت مني أكثر من ثلاثين ملحفة ورزمة كبيرة من مقتنيات النساء لحضور حفل "الاسم".  نحن تاجرات الملحف الصغيرات نعتبر أننا من أكبر المتضررين من القرارات الاحترازية.  

الداه عسكري متقاعد (يتحفظ على نشر اسمه):  أنا عسكري متقاعد، أقطن بحي "ملح"، أعمل الآن سائق سيارة أجرة "تاكسى".. سيارتي ضعيفة، كما ترى، وأنا مثلها، (يبتسم) ، عمري تجاوز الخامسة السبعين، لله الحمد، يتركز نشاطي أساسا، فى التعامل مع بعض الأهالي، على نقل أبنائهم إلى المدرسة، ذهابا وإيابا. قرار إغلاق المدارس قضى على نشاطي، وإن كنت أتفهمه جدا وأقدره.. نحن دولة ضعيفة ومفتوحة على مصراعيها، ولا قبل لنا بمواجهة هذا الوباء السريع الانتشار.

سمعت أن الحكومة بصدد زيادة تعويضات المتقاعدين، وتسريعها، وأرجو أن يكون ذلك فاتحة خير. "نحن الا من كيفن اتقاعدن حك حك" (يضحك).

 

عيشه بنت سالم بائعة "صاندويش" أمام مدرسة فى الترحيل: أنا اسمي عيشه منت سالم.. "الناس كامله الهون تعرفنى ألا تعرف في ش خاسر، ذاك انت بيه اسمعتو".. كنت أقوم فجرا وأذهب إلى المخبزة وأشترى خمس خبزات (امبوريات) وأعد وجبة المرق (صوص)، وأذهب إلى مكاني (ابلاصتى) عند باب المدرسة وأظل هناك أبيع للتلاميذ والأهالى... وعند نهاية الدوام أحزم أمتعتي وأعود إلى كوخي وعيالي، "جايبه ياسر من خير ملان"، كان هذا حالنا، إلى أن جاءت "ذى اروايه الً إكولولها كورونا، لا يبلين ألا يبلى بيها المسلمين" أُغلقت المدرسة إلى أجل غير مسمى, وبقيت أنا أتسكع .. فكرت فى العودة إلى بيع الكسكس، وعندما اشتريت الدقيق والأواني (اتباصيل) جاء قرار حظر التجول "تميت هون إلين يـهِي منت اختى اتعيط اعليً: عيشه هاه خل عنك لبريم؛ كسكس ما اتل مبيوع".. الدوله كالت ما اتل حد إوخظ راصُ عاكب الساعة الساتً ما نحبس".. "كلت الها آن اص ما انكد إباتو أولادي افلخل وانبات آن محبوسه".. لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

                                  رأي الاقتصاديين            

 

حملنا هذه التصريحات إلى د. عبد الله ولد محمد محمود (ماستر فى الاقتصاد) فكان رده الآتى:

لا شك أن وباء كورونا وما يصاحبه من إجراءات دولية أو إقليمية أو محلية، سيكون له مضاعفات خطيرة على الاقتصاد العالمي، بصفة عامة، وعلى اقتصاد الدول النامية بصفة خاصة، ولا أحد يمكنه التكهن بما ستؤول إليه الأمور فى حال استمرار الأزمة.

نحن كدولة نامية، تعانى شح الموارد، وعدم ترشيدها، وارتفاع المديونية، وضغط آجال التسديد، وتقاعس الداعمين فى الوفاء بالتزاماتهم، ووعودهم، بسبب الأزمة الراهنة، علينا أن نعمل المستحيل من أجل البقاء؛ فالإجراءات الاحترازية، التى اتخذتها الحكومة من أجل مكافحة انتشار الوباء، لها انعكاسات سلبية على الطبقات الهشة، ولا يمكن أن تستمر، دون أن تتخذ الدولة إجراءات استعجالية، تحد من معاناة هؤلاء.

فالدولة أمامها خيارات عدة لحلحلة الأزمة، إذ بإمكانها إلغاء الضرائب عن المواد الأساسية، وحتى دعمها إذا اقتضت الضرورة. كما يمكنها أن تفتح المجال أمام الموردين لاستيراد جميع المواد الغذائية، بما فيها تلك، التى لديها مصانع محلية، أو تنتج محليا (مثل: الأرز، المعجونات القمحية:مكرونات، كسكس)، فحماية مصالح تاجريْن أو ثلاثة، أولى منها حماية مصلحة شعب بأكمله، يعانى الجوع والخوف.

ولا شك أن الدولة ما زالت مقصرة فى مجال الأمن الغذائي، فلم نسمع بعدُ عن إعداد خطة لمواجهة تبعات الإجراءات الاحترازية، ولا عن رصد مبالغ لها، عكس ما قامت به الدول الأخرى كل حسب قدرتها.

إن الإجراءات الأمنية وحدها لا تكفى لمواجهة الأزمة. فالأزمة لها عدة أبعاد، وأخذ بُعد واحد دون الأبعاد الأخرى تقدير خاطئ، وغير حكيم.

 

إعداد: أفلواط / الداهى

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122