تتناقل وسائل الإعلام منذ صبيحة أمس نبأ وفاة المغفور له، بإذن الله، مولود ولد أحمدو الخديم، بعد عمر حافل بالبدل و العطاء في خدمة الوطن و الأجيال الناشئة.
.
وبهذه المناسبة الأليمة، فإني أعزي قرية التيسير المباركة وأخص بالذكر شيخها والقائم على محظرتها، العلامة محمد الحسن ولد أحمدو الخديم، راجيا من الله أن يطيل عمره وأن يعينه على أداء مهمته النبيلة المتمثلة في بث العلم في قلوب الرجال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد كان مولود، رحمة الله عليه، من طينة نادرة... فقد خدم البلاد مؤمنا بضرورة التفاني في العمل ولم تأخذه في ذلك لومة لائم.
أدار كثيرا من المدارس وشغل منصب المدير الجهوي للتعليم في عدة ولايات فتميز خلال تلك المسيرة الطويلة بالصرامة في تطبيق القوانين والنظم الداخلية وظل صامدا بحزم أمام التهديدات والإغراءات وشتى أشكال العقبات التي تقف حجر عثرة أمام كل من يريد إصلاح العقليات والممارسات في هذا الوطن الغالي.
زرته مرة في إطار مهمة تفتيشية قادتني إلى بعض الولايات وقبل أن ألج باب مكتبه، تعلقت بثوبي فتاة حديثة السن، عليها علامات الإرهاق واستنجدتني أن أتدخل عنده ليحوِّلها من قرية نائية لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة.
أشفقت عليها وتعهدت لها بتلبية الطلب، واثقا بأن وساطتي سيكون لها أثر طيب لدى المدير ولكن... ما إن فاتحته في الموضوع حتى فاجأني بهذا الرفض القاطع:
"هذه السيدة معلمة متدربة وقد حولناها طبقا لحاجة تلك المدرسة إلى عنصر مزدوج وليس عندنا في الوقت الراهن من يمكن أن يقوم مقامها...
أعرف أن لها ظروفا خاصة وأن المكان غير مرغوب فيه من طرف المعلمين ولكننا في منتصف السنة الدراسية والعمل فوق كل اعتبار...
ثم إني أخبرك بأنها ابنة عمي وبنت صديقي وقد أوصاني عليها من لا أحب مخالفته ولكن تلبية طلبها يعني بكل بساطة تسريح قسمها في ما تبقى من السنة الدراسية... وتلك مسؤولية لن أتحملها ولو تلقيت الأوامر الصريحة من طرف وزير التهذيب الوطني...".
ذلكم هو المرحوم مولود ولد أحمدو الخديم الذي غادرنا يوم أمس إلى مثواه الأخير.
رحمه الله تعلى و رزق الإدارة الموريتانية بمسؤولين من طرازه !
و "إنا لله و إنا إليه راجعون".
محمد ولد أحمد الميداح