الرياض - كشف الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، ورئيس المجلس الانتقالي لأزواد، بلال آغ شريف عن تسجيل ملاحظات تؤكد تورط دولة قطر في دعم الحركات الإرهابية في إقليم أزواد شمال مالي.
.وقال في حواره مع «الرياض»: كانت لنا ملاحظات قوية على جهات محسوبة على دولة قطر لعلاقتها بتنظيمات إرهابية في منطقة أزواد بين عامي 2012 و2013 وذات أجندة بعيدة عن الأهداف السياسية والاجتماعية للشعب الأزوادي، وقد نقلنا توجسنا من هذا الدور الخطير لمسؤولين قطريين، لكن لم نلاحظ تفاعلا منهم.
وأضاف أن البعد السياسي لقضية أزواد يعود للتاريخ السياسي للمستعمر الفرنسي، فالكل يعلم أن «تمبكتو» كانت من أبرز مناطق الإشعاع الحضاري العربي والإسلامي في غرب أفريقيا، وعندما دخل الاستعمار الفرنسي لمنطقة أزواد، كانت هناك مقاومة شرسة من الأزوادين بكل أطيافهم، وعندما قرر الاستعمار الفرنسي الخروج من المنطقة في مطلع ستينيات القرن الماضي، كانت هناك رسالة موقعة من طرف 377 شخصية أزوادية تطالب الرئيس الفرنسي آنذاك الجنرال ديجول، بعدم إلحاق إقليم أزواد بجنوب مالي، نظرا للخلافات والاختلافات الجغرافية والعرقية والثقافية، غير أن الفرنسيين تجاهلوا الطلب.
مطالبنا تتركز في حكم ذاتي لإقليم أزواد
التاريخ السياسي للقضية
بداية، حدثنا عن أهم وأبرز محطات التاريخ السياسي للقضية الأزوادية؟
قضية «أزواد» ليست وليدة اليوم، فالبعد السياسي لهذه القضية يعود للتاريخ السياسي للمستعمر الفرنسي، فالكل يعلم أن «تمبكتو» كانت من أبرز مناطق الإشعاع الحضاري العربي والإسلامي في غرب أفريقيا، وعندما دخل الاستعمار الفرنسي لمنطقة «أزواد»، كانت هناك مقاومة شرسة من «الأزوادين» بكل أطيافهم المكونة أساسا من أربعة مكونات هي «السونكاي والعرب والطوارق والفلان»، وهذه المكونات واجهت المستعمر الفرنسي بقوة، ورفضت الخنوع، إلا أن «تمبكتو» سقطت في يد المستعمر، لكن المقاومة استمرت، وعندما قرر الاستعمار الفرنسي الخروج من المنطقة في مطلع ستينيات القرن الماضي، كانت هناك رسالة موقعة من طرف 377 شخصية «أزوادية» تطالب الرئيس الفرنسي آنذاك الجنرال ديجول، بأن لا يلحق إقليم «أزواد» بجنوب مالي، نظرا للخلافات والاختلافات الجغرافية والعرقية والثقافية، غير أن الفرنسيين تجاهلوا الطلب وألحقوا إقليم أزواد بجمهورية مالي.
هل طالبت الوثيقة باستقلال ذاتي في ذلك الوقت؟
نعم، طالبت بذلك، ليسير من طرف أبنائه، وفي حالة تعذر ذلك طالبت إلحاق الإقليم بالمملكة المغربية لأن نفوذ العرش العلوي كان يمتد لتلك المناطق في تلك الفترة.
والوثيقة موجودة وهي محفوظة في الإرشيف الأزوادي والفرنسي والمالي وحتى لدى بعض مراكز البحوث، وهي من الوثائق المرجعية المهمة في التاريخ الأزوادي، لكونها تؤكد على أن الأزواديين لم يستشاروا يوما فيما يتعلق بقضيتهم وتقرير مصيرهم. في المقابل كانت هناك شخصيات أزوادية تتباحث مع الجنوب المالي، واتفقت على أن أمور القضاء والدين والثقافة هي من خصوصيات الإقليم ويجب تركها للأزواديين بدون تدخل الجانب المالي، لكن بعد استقلال مالي حكمها نظام شيوعي برئاسة موديبوكيتا، المرتبط بالشيوعية العالمية فقام بالقضاء على المرجعيات الدينية والقبلية، وصادر الممتلكات الخاصة للأفراد والجماعات.
خيانة القضية
هل هي خيانة للقضية ؟
نعم كانت خيانة للقضية الأزوادية وكانت هذه هي أول مؤامرة إقليمية ودولية ضد الثورة الأزوادية لإجهاضها، وهذا الوضع الخطير تسبب في هجرة السكان الأزواديين لأن النظام المالي أصبح عنصريا جدا ويضرب بيد من حديد كل مخالف له في الثقافة والسياسة، وانتهج هذا النظام سياسة الأرض المحروقة في مناطق الأزواديين، ونتج عن هذا الوضع تشكل جاليات أزوادية كثيرة في عدة دول عربية من بينها السعودية.
دور الجزائر في القضية
وما ذا عن باقي المحطات؟
في مطلع التسعينيات الماضية اشتعلت انتفاضة مسلحة قوية جدا تطالب بحقوق الشعب الأزوادي، وتمخضت عن اتفاقية الجزائر المعروفة باتفاقية «تمراست» 1991، التي تنص على تقليص الجيش المالي في مناطق أزواد، وإدماج الكثير من أبناء أزواد في الإدارة المالية، وإعطاء وضعية خاصة لإقليم الشمال، لكن هذه الاتفاقية التي جاءت من مفاوضات ترعاها الجزائر لم تنفذ.
ما تقييمكم لدور دول الجوار في القضية؟
تلعب دول الجوار وبشكل خاص الجزائر دورا أساسيا جدا في المفاوضات، وكذلك في إقناع الأزواديين بطريقة أو بأخرى بالالتزام باتفاقية «تمراست» التي عارضتها أكثرية الفاعلين الأزواديين، وتسببت في انقسام كبير في الرؤى بينهم وأظهرت أربع حركات أزوادية أساسية، منها 3 رافضة للاتفاقية وواحدة ملتزمة بها، وهذا يعني أن الاتفاقية لم تحظَ بدعم شعبي أزوادي، ورغم ذلك تم التوقيع على الميثاق الوطني في سنة 1992.
هل هناك دور للأمم المتحدة في هذه المرحلة بالذات؟
دور الأمم المتحدة حينها كان ضعيفا جدا، لأن الوساطة أساسا كانت جزائرية، رغم وجود بعض الممثليات لبعض الجهات والمنظمات وخاصة الفرنسيين.
حركة التحرير هدفها القضاء على الجماعات الإرهابية
اختلاف الرؤى
ما سر الاختلاف الكبير بين الرؤى السياسية الأزوادية؟
لا أنكر أن العامل القبلي موجود والجغرافي كذلك، لكن العامل الأساسي هو النظرة الأساسية حول حل القضية الأزوادية، هناك من يقبل بمسايرة الواقع المرير تحت تأثير الضغوطات الإقليمية والدولية، وهناك من يقول لا ينبغي أن تستمر الثورة بمبادئها الجوهرية المشروعة وأهدافها، وهذا السبب الرئيس للاختلاف حول نقطة الحل وكلا الطرفين يعاني من عوامل أخرى ميدانية وتدخلات إقليمية قوية للضغط عليه.
ما الأطراف الأزوادية الفاعلة في المشهد السياسي اليوم؟
عندما بدأت الثورة سنة 2012 للحركة الوطنية لتحرير أزواد، بقيادتي وقيادة كل شباب الحركة، أعلنت أنها لم تعد ملتزمة بأي حوار مع مالي واتجهت للعمليات العسكرية؛ لأنها استنفدت كل أساليب الحوار.
مم تتكون الحركة الوطنية لتحرير أزواد؟
هي حركة مؤسسات برئاسة الأمين العام، فعندما بدأت مفاوضات بوركينافاسو وبعدها الوساطة الدولية متعددة الأطراف برئاسة الجزائر وبمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، وقعت الاتفاقية من الحكومة المالية والحركة الوطنية لتحرير أزواد، والحركة العربية وهذه هي الحركات ذات المشروع الوطني بعد اتفاقية الجزائر وهي الممثلة للشعب الأزوادي برمته، وتنضوي تحت منسقية الحركات الأزوادية ولديها ميثاق يجمعها.
ما مدى التناغم بين هذه الحركات التي تملك كل منها أجندتها ورؤيتها الخاصة؟
لديها تناغم كبير خاصة فيما يتعلق بالمطالب المشروعة للشعب الأزوادي المتعلقة بضرورة منح إقليم أزواد وضعية سياسية قانونية تحترم خصوصياته وتعطي الحق لأهله في إدارة شؤونهم بأنفسهم.
تناغم حول المطالب
ما دمتم على هذا المستوى من التناغم كحركات وطنية ما تفسير امتناعكم عن توقيع اتفاق 2012 في الوقت الذي وقعته الحركات الأخرى؟
أولا على مستوى مفاوضات الجزائر نحن قدمنا مقترحا فيدرالية في مالي لأن مالي بالنسبة لنا في شكلها الحالي لا يمكن أن تكون دولة مركزية لما لديها من التحديات والمشاكل التي من بينها مشكلة الوضع السياسي في الجنوب ومشكلة الوسط كحالة ماسينا والتطرف والإرهاب وغيرها، كما أنها تواجه المشكلة المتجددة المتمثلة في قضية إقليم أزواد، من هذا المنطلق نعتقد أن الدولة المالية الحالية لا تستطيع معالجة هذه الإشكاليات الشائكة فضلا عن مشاكل التنمية، لذا قدمنا مقترحا باعتماد نظام الفيدرالية في مالي، لكن كل جهات الوساطة والحكومات تجاهلت كليا مقترحنا، وبعد ذلك قالوا لنا لا بد من التوقيع ولو بالأحرف الأولى على الاتفاقية، ونحن قلنا أنه لا يمكننا التوقيع على وثيقة لمفاوضات لم تستجب للتطلعات الأساسية والجوهرية للقضية، وبالتالي رفضنا التوقيع عليها.
حكم ذاتي
ما الأسباب الحقيقية للصراع؟
هناك مطالب تاريخية بحكم ذاتي لإقليم أزواد، وأن يدار من طرف أبنائه، وهناك من يقول إنها مطالب متطرفة لكنها في النهاية مطالب مشروعة، نحن كقيادة سياسية نؤكد مطالبتنا بذلك، على الأقل كي تتفرغ كل الأطراف لمحاربة التطرف والفقر والجريمة المنظمة.
كيف قبل المجتمع الدولي رفضكم للتوقيع حيث ذهبت جهوده سدى؟
نائب الأمين العام للامم المتحدة المعني بالملف، قال: لا يمكنني أن أعطي أي قيمة للاتفاق ما لم توقعه الحركات الأزوادية؛ لأنها هي الفيصل في الصراع، بعد ذلك كانت هناك جولات عديدة للمفاوضات للتوقيع ولعبت فيها منظمة التعاون الإسلامي دورا كبيرا جدا، بقيادة الدكتور إياد المدني، ونتطلع أن تستأنف المنظمة هذا الدور المهم الذي باشرته وأعطى مؤشرات جيدة.
دور المنظمة الإسلامية
ما طبيعة الدور الذي لعبته منظمة التعاون الإسلامي؟
قامت بدور مهم في إقناع الحركات الأزوادية بالتوقيع على الاتفاقية في دكار، لكثرة الوعود والالتزامات التي قدمتها لنا، خاصة فيما يتعلق بتنمية الإقليم ومسايرة مطالب الحركات الأزوادية في إطار تطبيق الاتفاق. وقمنا بعدة جولات حتى تم الاتفاق، لكن بعد التوقيع لا بد أن نقول من باب العتب الودي أن المنظمة لم تعد فعالة معنا، ونحن على كل حال نتفائل خيرا ونقدر انشغالات المنظمة والمراجعات التي حصلت فيها مؤخرا لكننا نتطلع الآن لمبادرة جديدة من المنظمة.
دول الخليج مغيبة عن القضية
وماذا عن دور دول الخليج العربي في القضية الأزوادية؟
هناك غياب كبير للدور العربي عن القضية الأزوادية، ونتحمل نحن جزءا من المسؤولية، لأننا لم نسوق قضيتنا ولو إعلاميا بالشكل اللائق بها، لكن نطمح من الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، أن يمنحوا اهتماما أكثر بقضيتنا، ونتمنى أن تفتح لنا الأبواب لنضعها في الصورة عن الوضع في إقليم أزواد، وهذا لا يؤثر أبدا على علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة المركزية بل بالعكس، لأن الصناديق الانمائية والمؤسسات الخيرية الخليجية، يمكن أن تغير الوضع التنموي والسياسي في منطقة أزواد، فنحن ننظر للأشقاء في الخليج العربي بشمولية أكبر من قضية التنمية حيث تربطنا معهم روابط العرق والدين والتاريخ المشترك، وهذه أهم بالنسبة لنا من عوامل التنمية والتمويل، ولا يفوتنا في هذا المقام أن نسجل ببالغ التقدير والتثمين جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لدعم الأشقاء في كل البلدان العربية والإسلامية وخاصة وقفته الحازمة مع الأشقاء في اليمن لإعادة الشرعية والإعمار، وهذه توجهات سامية تذكر وتشكر، وتمنحنا الأمل في أن تحظى القضية الأزوادية بعناية واهتمام خادم الحرمين من منطلق المسؤولية التاريخية للمملكة اتجاه كل الشعوب الإسلامية والعربية النابعة من مكانتها الدينية والسياسية.
هناك صورة مشوشة للوضع في الشمال المالي، بعد ظهور منظمات خطف الأجانب ومنظمات إرهابية وعصابات التهريب والتجارة المحرمة، ما وضع حركاتكم بينها؟
أول بيان صدر عن الحركة الوطنية لتحرير أزواد في نوفمبر 2011 أكدنا فيه أن حركتنا جاءت لتواجه هذا الوضع الذي خلقه وشجعه النظام المالي حيث أصبحت المنظمات الإرهابية وشبكات التهريب تتحرك بكل حرية في الشمال المالي، وهناك معلومات مؤكدة أن حكومة الرئيس المالي السابق توماني توري عقدت اتفاقيات مع مختلف هذه المنظمات وغض الطرف عن كل ما تقوم به من محظورات في الشمال المالي بما فيها خطف الأجانب، مقابل عدم التمدد للجنوب المالي، والكل يعلم أن موريتانيا اضطرت في مرحلة سابقة للتوغل في الداخل المالي لضرب هذه الجماعات الإرهابية.
علاقة أبو زيد بالقاعدة
ما مدى دقة هذه المعلومات؟
هي معلومات دقيقة جدا ونحن التقينا بأشخاص اعترفوا بالقيام بمهمات سرية بالتنسيق بين الرئيس السابق آمادو توماني توري والمسمى أبو زيد وبعض قيادات القاعدة في المنطقة، تتعلق هذه المهمات برسائل ومواثيق ومفاوضات حول الرهائن المختطفين من طرف القاعدة، والنظام المالي يريد بالدرجة الأولى بعد الحصول على الأمان من شر هذه الجماعات، تدمير القضية الأزوادية وإخراجها من إطارها السياسي السلمي السليم، وهناك دول لعبت دورا قويا في التمويل من أجل تشويه القضية الأزوادية، وهذا ما تسبب لاحقا في سقوط النظام المالي والتدخل الأجنبي في مالي، بسبب هذه السياسات الرعناء، وما لم يفهمه الساعون لتشويه الصورة الأزوادية، أن الأزواديين أمة مسلمة بالكامل وعلى مذهب الإمام مالك بن أنس، وملتزمون بالضوابط الشرعية والأخلاقية، بينما هذه الحركات جاءت لتدمير الإنسان والدين والحضارة والتاريخ، وللأسف الكثير من الأطراف اليوم يسعون لتسويق الإرهاب قبل أكثر من المشكلة السياسية القائمة، ومن سنة 2011 حتى 2014 جنت هذه المنظمات الإرهابية من خطف الرهائن ما يربو على 80 مليون دولار في حين أنه خلال هذه الفترة لم تستثمر 30 مليون دولار في تنمية إقليم أزواد.
قطر تدعم الإرهاب
على ذكر الحركات الإرهابية في الشمال المالي هناك تقارير تتحدث عن ضلوع دولة قطر في دعم هذه الحركات؟
نعم، وكانت لنا ملاحظات قوية على جهات محسوبة على دولة قطر لعلاقتها بتنظيمات إرهابية في المنطقة بين عامي 2012 و2013 وذات أجندة بعيدة عن الأهداف السياسية والاجتماعية للشعب الأزوادي، وقد نقلنا توجسنا من هذا الدور الخطير لمسؤولين قطريين، لكن لم نلاحظ تفاعلا منهم.
دور المملكة
ما هو تطلعكم من دول الخليج خاصة على مستوى قضيتكم السياسية؟
نحن نتطلع لآن أن تتجه دول الخليج إلى سكان إقليم أزواد مباشرة من خلال الاتصال المباشر بالحركات ذات المشروع السياسي والإنساني، وأن تتجه بما تقدمه للسكان في الإقليم مباشرة، ونرى أن المملكة العربية السعودية هي المعنية بهذا النداء بالدرجة الأولى نظرا لمحوريتها العربية والإسلامية، ولفاعليتها القوية في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وبالتالي نحن نتطلع لدور سعودي فاعل في قضيتنا التي تعاني من إهمال وتجاهل الأشقاء.