تمر اليوم الذكرى العاشرة لسقوط بغداد وسقوط نظام صدام حسين، على العراق وأهله على يد القوات الأمريكية بعد 19 يوما من المعارك مع القوات العراقية، بمذاق الألم والندم على الشعب العراقي، من دون أي مراسم احتفالية وفي ظل أوضاع أمنية وسياسية واقتصادية لا تستدعي الاحتفاء.
.وبدأ الغزو الأمريكي بمساعدة بريطانيا ودول أخرى في 19 مارس 2003 انطلاقا من جنوب العراق، ومن أبرز المبررات التي تذرعت بها الولايات المتحدة في هذا الغزو كان امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وقد وُصفت الخسائر البشرية التي تسبب بها الغزو بأنها الأكبر في تاريخ العراق, وفي تاريخ الجيش الأميركي لعدة عقود.
ورغم أن الحرب كانت قصيرة نسبيا، حيث أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بعد ستة أسابيع من الغزو "أن المهمة أُنجزت" فإن تداعياتها كانت دموية ومدمرة.
فقد ذكر الموقع المتخصص "آيكاجوالتيز.أورغ" أن 4486 جنديا "أكثر من 90% منهم أميركيون" قتلوا في العراق خلال سنوات الاحتلال الثماني.
لكن هؤلاء ليسوا القتلى الوحيدين ، فقد ذكرت منظمة "بادي كاونت" غير الحكومية أن 112 ألف مدني قتلوا بين مارس 2003 ومارس 2013 بالعراق، إضافة إلى مقتل الآلاف من عناصر الشرطة والجيش.
على الصعيد الأمني لا تزال نقاط التفتيش منتشرة في العاصمة بغداد وغيرها من المدن العراقية، ولا تمنع هذه النقاط وقوع الانفجارات بين وقت وآخر.
ورغم نقص الاستثمارات في عدد من القطاعات، فقد اعتبر محمد العسكري المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية أنه منذ عام 2003 اتخذت "خطوات هامة" فيما يتعلق بالقوات المسلحة.
وأضاف: "أعددنا خططا منذ سقوط النظام وحل الجيش وإعادة تشكيل الوزارة من جديد على ثلاثة مراحل، وإننا نقوم حالياً ببناء القوات المسلحة. ومستوى جاهزية هذه القوات وصلت إلى مستويات متباينة، فمثلا القوات البرية قطعت شوطا كبيرا ولكن القوات الجوية لا تزال في البدايات".
وأكد العسكري أن العراقيين حاليا أفضل مما كانوا عليه قبل ست سنوات، ألا أنه أقر بالحاجة إلى إجراء بعض التطورات من أجل تحسين الوضع الأمني في العراق من حيث نوع التسليح والتجهيز والتدريب والمخصصات المالية. وفي هذا السياق شدد على أن القوات العراقية قادرة على فرض الأمن.
أما اقتصاديا واجتماعيا فتعتبر مشكلة الكهرباء أم مشاكل العراقيين والمعوق الأساسي في طريق التنمية الطويل للعراق الجديد، فقبل عام 2003 كان التيار الكهربائي يصل إلى المدن العراقية 16 ساعة يوميا على الأقل، بينما اليوم تحصل الأسرة العراقية على الطاقة الكهربائية لـ 8 ساعات فقط حسب وكالة الطاقة الدولية.
مشهد متأزم
ولم يتمكن العراق بعد مرور عشر سنوات على الغزو، من التوصل إلى تسوية مقبولة من الجميع، ويواجه أزمة تزداد حدة يوما بعد يوم بدءا بأعمال العنف إلى عدم الاستقرار السياسي.
وإلى جانب ذلك كله، يعد الخلاف الصاخب على المسرح السياسي العراقي من أهم الهواجس التي تؤرق العراقيين على المستقبل السياسي للبلاد، حيث تتزامن ذكرى سقوط نظام صدام حسين مع حملة انتخاب للمجالس المحلية في الـ20 من الشهر الجاري. يذكر أن محافظتا نينوى والأنبار لا تشاركان في هذه الانتخابات كما أنهما تشهدان مظاهرات متصاعدة تطالب باستقالة رئيس الوزراء نوري المالكي.
ويرى مراقبون ودبلوماسيون أجانب أن التهديد الأخطر على العراق يأتي من النزاع الحاد بين إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال البلاد والسلطة المركزية، وتثير أربيل غضب بغداد بتحركها بمفردها عبر توقيعها عقود مع شركات نفطية أجنبية بدون الحصول على موافقة وزارة النفط العراقية.
فالأزمة السياسية في العراق رفعت الغطاء عن حالة التفكك التي تعانيها القوى الرئيسة في البلاد،صحيح أن درجات التفكك متفاوتة بين هذا الفصيل وذاك، وأن الرأي العام منشغلٌ بالطريقة المناسبة لإعلان وفاة "العراقية"، كتلة إياد علاوي.
لكن سمة التفكك رافقت الجميع منذ اندلاع أزمة التظاهرات، إذ وصلت التقاطعات داخل المكون الواحد إلى مدياتٍ مقلقة، وعاد السؤال مجدداً عن إمكان كسر الاستقطاب الراهن، وصوغ معادلة سياسية جديدة.
وكانت الخيارات مفتوحة على إسقاط حكومة نوري المالكي، وتقسيم البلاد إلى دويلات سنّية وشيعية وكردية، واندلاع حرب أهلية، وظهور خطوط تماس تعيد رسم الهويات في المجتمع.
الآن يبدو الفريق السياسي للمالكي راضياً عما وصلت إليه الأزمة، ففي الأسبوع الأخير حصد الرئيس ثمار رهان طويل على تفكك المعارضة، وتمكن من إنقاذ "النصاب القانوني" للحكومة بعد تعليق نحو 20 وزيراً حضورهم جلساتها.
انتخابات وعنف
وفي هذا السياق، لا تنوي الحكومة العراقية الاحتفال بذكرى سقوط بغداد اليوم الثلاثاء تماما كما فعلت في 20 مارس، وليست هناك أي مراسم مقررة.
وتتزامن ذكرى سقوط نظام صدام حسين مع حملة انتخابية، ففي 12 من المحافظات العراقية الـ18، دعي الناخبون إلى تجديد مجالسهم المحلية في 20 أبريل.
لكن هذا الاقتراع الأول منذ رحيل آخر الجنود الأميركيين في ديسمبر 2011، يجري الاستعداد له في أجواء من العنف، حيث قتل 12 مرشحا منذ بداية السنة، كما تفيد أرقام رسمية.
وتطال أعمال العنف العراقيين بدون تمييز، وبسقوط 271 قتيلا و906 جرحى، أصبح الشهر الماضي الأكثر دموية منذ أغسطس 2012.
وإلى أعمال العنف هذه، يضاف الخلاف السياسي الصاخب بين رئيس الوزراء نوري المالكي والمحتجين على سياسته "الإقصائية والتهميشية"، وكل يوم جمعة، يتظاهر آلاف الأشخاص في عدة محافظات لإدانة سياساته والمطالبة باستقالته.
وقرر المالكي أن يرجئ إلى أجل غير مسمى الانتخابات المحلية في نينوى شمال، والأنبار غرب- وهما المحافظتان اللتان تشهدان احتجاجات متواصلة- متذرعا بـ"الضرورات الأمنية".
فرحة وآلم
سنوات ممزوجة بالآلام والآمال عاشها الشعب العراقي ولا يزال، فقد تعرضت بلاد الرافدين إلى أبشع صور التدمير من الولايات المتحدة وحلفائها تحت اسم "الائتلاف الدولي".
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ حصدت التفجيرات والهجمات الدموية أرواح عشرات الآلاف من العراقيين، عائلات عراقية تعرضت مساكنُها للقصف أو أجبرت على النزوح، لجأت للسكن في معسكرات الجيشِ العراقي السابق التي تحولت بدورها إلى أنقاض.
وتسكن اليوم بعض الأسرِ العراقية المتضررة على أنقاض مكان كان قبل عشر سنوات أكبر موقعٍ عسكري في بغداد ويسمى معسكر الرشيد دمره الاحتلال الأمريكي.
فهنا تعيش الأسرة تفتقرُ لأبسطِ مقومات الحياة، حياةٌ بائسة فُرضت عليهم بعد أن دُمِّر منزلُهم المجاورُ لمطار بغداد في معركة المطار بفعل القصف الأمريكي العنيف، سقفٌ من الخشب وجدرانٌ من الصفيح هي الحياة التي خلفها لهم الاحتلال.
بالرغم من الفرحة التي شعر بها البعض ذلك اليوم "بانتهاء عهد "ديكتاتور حكم البلاد بالحديد والنار عقدين من الزمن" لم تخف المرارة التي انتابت آخرين "بأن بلادهم احتلت من قبل قوات غازية أجنبية".
إلا أن هذا اليوم في نظر العراقيين، تاريخ التاسع من أبريل ، يشكل يوما مؤثرا أكثر من العشرين من مارس يوم الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
والصورة التي تبلور انتهاء حكم صدام وحزب البعث هي تلك التي يظهر فيها جنود أمريكيون بالتاسع من أبريل 2003 يدمرون تمثال الرجل بمساعدة دبابة في ساحة الفردوس وسط بغداد.
ونجد أن من ابتهج بسقوط النظام عاد بعد عشر سنوات ليبدي الندم، فكاظم الجبوري – محطم تمثال صدام حسين- ذو القبضة الحديدة الذي اشتهر بمطرقته التي انهالت على تمثال صدام حسين تحطيما يتمنى لو لم يفعل ذلك أبدا .
وكانت معنويات الجيش العراقي حينذاك منهارة وقواته في حالة فوضى، واختفت أمام تقدم القوات الأمريكية.
ولا تزال ساحة الفردوس وسط العاصمة بغداد كما هي عليه تنتظر مشروع إنشاء نُصبها الجديد الذي يسير بتلكؤ يشبه إلى حد كبير التباطؤ الحاصل في تنفيذ بقية المشاريع التي وعد بها العراقيين.