في أوائل العام 2010 إستعمل سيف الإسلام القذافي نفوذه من خلال مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية والإنسانية لإطلاق سراح عدد من قادة الجماعة الإسلامية المقاتلة من بينهم عبد الحكيم بالحاج وخالد الشريف وسامي الساعدي بعد أن كان قد صدر في حقهم حكم بالإعلام من قبل القضاء الليبي
.الذي شهد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الإنتقالي سابقا بأنه كان قضاء عادلا ونزيها ، مؤكدا أنه طيلة عمله وزيرا للعدل لم يتلق أي أوامر بالتدخل في سير المحاكم أو في قرارات القضاة
وعندما تم إعتقال سيف الاسلام القذافي ونقله الى الزنتان ، زاره عدد من الوجهاء و« قادة الثوار » وسمعوا منه كلاما لم يصدقوه في وقته ، فقد أكد لهم أنهم يعتلون الموجة التي نزل منها ، وأنهم لن يعطوا للإخوان والجماعة المقاتلة أكثر مما أعطاهم ، وطلب منهم أن ينتظروا قليلا ليشهدوا كيف سيُلدغون من ذات الجحر ، فلا أمان للأخوان ولا عهد ولا ميثاق للمتدثرين بغطاء الدين ،
وطبعا لم يطل الزمن كثيرا قبل أن يعلن إسلاميو ليبيا الحرب على الزنتان ، وقبل أن يخوّنوا حلفاءهم السابقين في حرب الناتو للإطاحة بنظام القذافي ، فكانت حرب اخراج الزنتان من طرابلس وتدمير المطار وحرق الطائرات وإستباحة مناطق ورشفانة وعموم المنطقة الغربية وحرق وتدمير 8 الاف مسكن في مدن وقرى العزيزية والزهراء والحشان وصياد وانجيلة وغيرها وتهجير أكثر مائة ساكن بتهمة تحالف لواء ورشفانة العسكري مع مقاتلي الزنتان
بعد تلك الأحداث ، عاد الأعيان و« قادة الثوار » الى سيف الإسلام ليسألوه : كيف عرفت أن رفاق الأمس سينقلبون علينا ؟ فكان جوابه بسيطا : لقد فعلوها معي سابقا
ويوم الثلاثاء الماضي ، حكمت محكمة إستئناف طرابلس الخاضعة لنفوذ الجماعة المقاتلة والواقعة داخل ثكنة يسيطرون عليها في العاصمة المغتصبة ، صدر حكم بإعدام سيف الاسلام القذافي و8 آخرين من رجال النظام السابق ، والغريب أن من كانوا وراء هذا الحكم هم أنفسهم من كان سيف الاسلام وراء العفو عنهم وإطلاق سراحهم في مارس 2010 وعلى رأسهم طبعا : بالحاج والشريف
الأغرب من ذلك ، أن النظام الليبي السابق ، كان فتح أبواب التواصل مع قادة الجماعات الإسلامية ، وكانت طائراته قد عادت برموزهم من سجن باغرام الأفغاني ومن غوانتمانو الأمريكي داخل أراضي كوبا ، وأطلق سراح الإرهابيين المسجونين لديهم ومنحهم مبالغ مالية وصلت الى مليون دينار للشخص الواحد منهم ، وتم تأمين مساكن لمن لا مساكن لهم ، وسيارات لمن لا سيارات لهم ، أما عن قادة جماعة الإخوان الليبية في الخارج فقد منحهم النظام مالا ليشتروا مساكن وليحققوا الكفاية ، وكان شعار القذافي في ذلك : أعطوهم مالا حتى لا يسقطوا في شباك أجهزة المخابرات الأجنبية
وبمعنى آخر ، فإسلاميو ليبيا إستفادوا من النظام السابق أكثر من قيادات اللجان الثورية المحسوبة عليهم ومن أنصاره المهجرين اليوم في الدول المجاورة ، كما أن القذافي كان كريما مع إخوان دول عربية أخرى سرعان ما انقلبوا عليه وكفروه وأهدروا دمه قبل أن يرقصوا على جثته
كما أن القرضاوي وعدد من افراد زمرته حصلوا على عطايا وهبات من القذافي وصلت مجتمعة الى 16 مليون دولار مقابل إشرافهم على ما سمي آنذاك بالمراجعات داخل السجون ، وأشاد دعاة الإسلام السياسي من طائفة العودة والعريفي والقرني وغيرهم بنظام القذافي وإعتبروه نموذجا فريدا في تطبيق الشريعة ورعاية الاسلام ثم إنقلبوا عليه وكفروه بعد أن ثبت لهم أن الحكم في تونس ومصر السابقين بالفوضى سيؤول الى الإخوان ،
وحتى أردوغان نال في 29 نوفمبر 2010 جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان وقيمتها مليون دولار أمريكي ،وبعد إشتعال الأزمة الليبية ، شارك في الحرب ضد القذافي ،ورفض أن يعيد الجائزة الى الشعب الليبي الذي كان يدّعي مساندته
هذا غيض من فيض مما ناله الإخوان وحلفاؤهم من نظام القذافي قبل أن ينقلبوا عليه ، ولو بحثنا في التفاصيل لوجدنا ما يحرج عددا مهما ممن يعتبرون أنفسهم اليوم ثوارا وقادة وزعماء لمرحلة ما يسمى بالربيع العربي ، وما يبحث يجد في سجلات المتاجرين بالدين إشارات واضحة على أنهم لا يفون بالعهد ولا يعترفون بالجميل ولا يحترمون المواثيق ، واللعب معهم كاللعب بالنار ، أو النوم في فراش الأفعى ، ومصيره لن يختلف عن مصير ذلك الضفدع الذي يحكى أنه إلتقي مع عقرب على ضفاف نهر.. فطلب العقرب من الضفدع، أن ينقله على ظهره إلى الضفة الثانية من النهر، قائلا : يا صاحبي!.. هل لك أن تنَقلني إلى الضفة الثانية من النهر؟
رد الضفدع : كيف لي أن أنقلك، وأنت المعروف بلدغتك، وغدرك، وسُمُكَ القابع في جوفك؟! ومن يضمن لي، أنك لن تلدغني بوسط النهر، وتقتلني؟!. قال العقرب : كيف لي أن ألدغك، وأنا راكب على ظهرك!.. فإن لدغتك، سنغرق سويا!. قال الضفدع بينه وبين نفسه : أعطه فرصة، عله يصدق هذه المرة ، ثم رد على العقرب : لا بأس!.. لقد أقنعتني.. اركب على ظهري، لأوصلك إلى الضفة الأخرى.
ركب العقرب على ظهر الضفدع، وانطلق الضفدع سابحا.. وفي وسط النهر بدأت غريزة العقرب تتحرك، وشهوته في اللدغ تشتعل،فكان يصبّر نفسه حتى يعبر النهر، ولكن شهوته لم تسكن، ونفسه ما زالت تأمره، بل وتوعزه على اللدغ ؛ فلدغ الضفدع وبدأ الاثنان في الغرق! فقال له الضفدع : لم لدغتنى؟!.. فقد قتلت نفسك، وقتلتنى معك! فقال له العقرب : أمرتني شهوتي، فاستجبت لها! ولا تنس أنني عقرب
وكذلك هم الإخوان ومن والاهم ، من صدّقهم مات بسمهم .
الحبيب الأسود
كاتب تونسي
المصدر: بوابة إفريقيا