يعتقد البعض أن على الصحفي الدخول في خصام ومهاترات مع ضيوفه، في معركة لي أذرع وصراع ثيران على الحلبة، والحكم فيها هو جمهور المشاهدين والمستمعين والقراء، وهم من يحدد لمن ستكون الغلبة..!
.ذلك جزء من الفهم السقيم لمهمة الصحفي، وانطلاقا من هذا الفهم، كثر اللغط حول المؤتمر الصحفي لرئيس الجهورية، وتباينت المواقف انطلاقا من اختلاف زوايا الرؤية والتقييم، ولسنا هنا في وارد تتبع هذه المواقف الانطباعية في غالبها الأعم.
وعودة إلى المؤتمر الصحفي، فقد فوجئ رئيس الجمهورية بنقل خلافات الصحفيين إلى مجلسه، بدل أن يحسموا أمرهم قبل انطلاقة المؤتمر، لذلك اضطر لطلب وقف البث، احتراما للمشاهدين المتسمرين أمام الشاشات الصغيرة انتظارا لما يفيد.
من هنا فإن الرئيس ليس طرفا فيما حصل، والمشكلة بالأساس وقعت بين الصحفيين أنفسهم، أما الذين قرأوا الرواية من زاوية أخرى فإنما أرادوا إلباس المشهد لبوسا وفق مقاسات هم من حددها سلفا.
لا يمكننا الطعن البتة في كفاءة الصحفيين الذين حاوروا الرئيس، فهم نخبة الحقل الصحفي، وفيهم من يتمتع بمهنية عالية، وقدرة كبيرة على استضافة الشخصيات الوازنة، وفيهم من هو دون ذالك، لكن بعضهم حاول استغلال الموقف- ربما عن حسن نية- لاستعراض "عضلاته" أمام المشاهدين وفي حضرة رئيس الجمهورية، انطلاقا من الفهم السابق لعلاقة الصحفي بضيفه.
ومع ذلك فإن المؤتمر الصحفي حمل عدة رسائل يمكن إيجازها فيما يلي:
الرسالة الأولى: أن الرئيس بدا مرتاحا لنتائج جولته في ولايتي الحوضين الشرقي والغربي، والتي مكنته من تفقد سير المشاريع التنموية من طرق وشبكات مياه، ووقوفه على وضع قطاعي الصحة والتعليم، وما يعانيه الأخير من فوضى وتسيب وتدني في مستويات التلاميذ ومعلميهم، وقد أعطى توجيهاته للجهات المعنية بمعالجة هذه الظاهرة.
الرسالة الثانية: أكد الرئيس أنه لا مجال لزيادة رواتب العاملين في شركة "اسنيم" في الوقت الذي أغلقت فيه شركات مماثلة في العالم أبوابها بسبب تدني أسعار الحديد، وسرحت آلاف العمال، واستغرب "وقوف" بعض الأحزاب السياسية وراء تأجيج الإضراب خدمة لـ"أجندات" سياسية، ومحاولة لاستغلال العمال في تحقيق هذه الـ"أجندات".
الرسالة الثالثة: أن الحوار الوطني باشتراطات مسبقة غير مقبول، وهي رسالة وصلت من يعنيهم الأمر، خاصة أولئك الذين أتعبوا أنفسهم في ترتيب "الممهدات" وتقليصها طورا، و"تمطيطها" أطوارا أخرى.
الرسالة الرابعة: أن على الصحفي فهم العلاقة التي تربطه بالآخرين، ومن المستحب أن ينسلخ من ذاته، ويتجرد من انتماءاته الفكرية والسياسية والحزبية خلال مزاولته للعمل، وإلا فإن صراع "الشخوص" في داخله سينعكس سلبا على أدائه المهني.
سيدي محمد ولد ابه