قال لي المحقق وهو يقاطع حديثي ـ يضيف ولد صلاحي في هذا الجزء من مذكراته ـ إن دولته تولي أهمية قصوى للحقيقة، مستطردا بالقول سأطرح عليك الآن أسئلة وحين تجيبني بمنتهى الصراحة سيطلق سراحك وتعود إلى أسرتك سليما معافي
.
وحين تحاول مراوغتي عليك أن تفهم أن كلمة واحدة مني كافية لأن تبقيك مدى حياتك في هذا السجن وهي أيضا كافية لأن تحيل حياتك إلى خراب.
لأي منظمة إرهابية تنتمي؟
فأجبته على السجية لا أنتمي لأي منظمة إرهابية، ليستشيط غضبا ويقول لي أنت لست رجلا يستحق الاحترام، قف على ركبتيك وضع يديك وراء عنقك، وحين شرعت في امتثال أوامره وضع صندوقا اسودا على رأسي، ومع أن ظهري كان يؤلمني منذ فترة إلا أن هذه الوضعية كانت كافية لإيقاظ ألم لا يمكن تحمله في ثواني معدودة.
كان .... يهتم بوضعيتي ويعالجني من آلام عرق النساء التي برحت بي طيلة مدة، وقد سلط في اتجاه عيني تماما ضوءا قويا ـ ورغم أن غطاء الرأس كان يعميني ـ إلا أنني أحسست بالحرارة التي دفعتني إلى التعرق كثيرا.
ـ سنرسل إلى سجن أمريكي ستقضي فيه بقية حياتك، ولن ترى أبدا أيا فردا من عائلتك ـ هكذا كان يقول لي المحقق وهو يهددني مضيفا زوجتك ستتزوج من رجل آخر آخر ( لقد حسنا العبارة هنا احترام للذوق العام )، وفي السجون الأمريكية فإن الإرهابيين من أمثالك يكونون دائما ضحية لعمليات اغتصاب ممنهجة ومنفذة من قبل كثيرين في آن معا، ويؤكد على القول إن الحراس في السجون يعلمون بأقصى ما يستطيعون لكن ليس بأيديهم منع أي أحد من الاغتصاب، قبل أن يستطرد قائلا "لكن عندما تقول لي الحقيقة فإن أي شيء من ذلك لن يحدث وستعود إلى أسرتك".
كنت راشدا بما يكفي ـ يضيف ولد صلاحي ـ لأعرف أن هذا الرجل الفاسد حتى النخاع لم يكن إلا كاذبا وعديما شرف، ولأنه كان الممسك بزمام الأمور لم أجد بدا من الاستماع إليه وهو يعيد حماقاته الواحدة بعد الأخرى، وكنت أقول في نفسي إن على وكالات الأمن الأمريكية أن تملك قليلا من النضج كي توظف أناسا يتمتعون بالقليل من الذكاء فحين إذن على الأقل لن يكون المحقق أن ينتظر من المحقق معه ان يبتلع هذا الكم من السخافات الذي يسوقه لي المحقق الذي أنا بين يديه، وفي هذه القصة من المؤكد أن ثمة طرفا ما معتوها فإما ان يكون محققي معتوها أو يكون ظنه أنني أنا المعتوه، رغم أنني كنت سأحترمه كثيرا لو قال لي بالحرف الواحد، إما ان تقول لي ما أريد سماعه وإما أن أنكل بك أشد تنكيل.
عاد مرة أخرى لسؤالي عن المنظمة الارهابية التي أنتمي إليها فعدت مرة أخرى لجوابي التقليدي الأول، لا أنتمي لأي منظمة، حينها دخل في خطاب طويل من التهديد والكذب والسباب، لا اذكره كله ولا تتملكني الرغبة الطافحة في أن أدفع ذاكرتي إلى أن تتذكره لأنه كان في جوهره قليل القيمة المضافة، لكن في ذلك الموقف كنت ابكي نعم كنت ـ رغم عمري ـ ابكي في صمت لأنني كنت في مرحلة من الألم لا يستطيع أي كان تحملها.
ساعتان بعد ذلك كان المسؤول عن التحقيق معي يرسلني وقد توعدني بما يكفي من التنكيل في المرات القادمة قائلا هذه ليست إلا البداية، وفي طريقة عودتي إلى غرفتي كنت ادعو الله أن ينقذني من تعذيب هذا الرجل ومن وعوده التي كان كاهلي قد ناء بالتفكير حتى في نظرييها من باب أحرى تطبيقها.وفي كل حين كان يمر من أمام غرفتي المدعو ... كنت أدير له وجهي مخافة أن تقع عيناه على عيني ممتثلا بذلك مبدأ النعامة في ردم رأسها في التراب.
كان يحرسنا ليل نهار وقد منح لكل حارس معنا عمودا طويلا وغليظا لكي يتمكن به من عقابنا متى ما أراد هو ذلك، وفي أحد الأيام رأيته يعذب أحد المعتقلين ولا أريد هنا أن اسرد ما سمعته منه إلا أنني سأروي ما رأيته، فقد كان المعتقل شابا أفغانيا يافعا لم يتجاوز عمره بعد السادسة أو السابعة عشر، وقد أرغمه المدعو .... على البقاء واقفا ثلاثة أيام دون ان ينام، وقد كان مشهد رؤيته مثيرا للشفقة إلى حد بعيد وهو ينهار وكان الحراس يراقبونه ويصرخون قائلين "لا نوم بالنسبة للإرهابيين"، وحين استيقظت بعد ذلك بفترة من النوم رأيته واقفا كالشجرة.
نقلا عن الفجر