د. إشيب ولد أباتي: موريتانيا .. من المواجهة الأمنية إلى الإعلامية في المواقع الافتراضية

2025-12-20 18:54:02

احتفلت موريتانيا  في الذكرى الخامسة والستين بعيد استقلالها الوطني في سنة 1960م.

والاحتفال  هذه السنة، تميز بظهور حركة مناهضة للأحتفال، لأنه تزامن مع  ذكرى المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة ١٩٨٧  التي قام  جنود من الأقلية العرقية " البولارية" ضمن الاقلية الإفريقية  في موريتانيا، وهم الإخوة  الأفارقة أصحاب البشرة السمراء  الجميلة التي لا تميزهم عن اللون الداكن العام  إلا بنطق اصحابها بإحدى اللهجات الإفريقية في وسطنا الاجتماعي العربي الموريتاني...

وغداة يوم الاحتفال في ال 12  من ديسمبر،  نشرت اعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي نددت بالاحتفال وهاجمت القائمين عليه، واعتبرت كل من شارك في التظاهرة الاحتفالية،  مشاركا للنظام الذي افشل تلك المحاولة الانقلابية في القرن الماضي.. 

ومما زاد التوتر  الأمني، هو المظاهرات التي  قام بها المؤيدون  للأنقلاب المذكور في مدن الجنوب المطلة على النهر -  الواقع  على الضفة الموريتانية -  بيننا، و السنغال، الأمر الذي أدى إلى مواجهة الأمن الوطني لتك التظاهرات، ولازال التوتر قائما،،

ودخلت الاحداث  في العديد في  الكتابات السياسية الواعية، بعيدا عن التراشق بالاتهامات،، وطرحت قضية الأقلية" البولارية" داخل المجتمعات في الاقطار المجاورة، وفشل منطق القمع في القرن الواحد والعشرين الذي  قامت  به حكومة السنغال على عهد " سنغور" في ستينيات القرن الماضي، بتصفية عرقية، ادت الى هجرة  تلك الأقلية الى جنوب موريتانيا،، ومن يومئذ، والحكومات السنغالية تتوجس خيفة من دور تلك الاقلية في  التحكم في سياسة موريتانيا،  ولما يمكن ان يرجع على أمن  البلدين من توتير للعلاقات ، كما حصل سنة 1989م، حيث كادت تقع حربا بينهما بسبب  دور تلك الاقلية على ضفتي النهر..

ونظرا للعلاقات السياسية  الفرنسية التي وطدت صلتها  بقادة لتلك الاقلية التي دخلت الجيش الموريتاني بوعي التغيير ، وطرد العرب، وإقامة حرب اهلية،  تسمح لفرنسا باستغلال ثروات موريتانيا بدون رادع اخلاقي، او التزام قانوني دولي،،!

نعم، انتهز هؤلاء فرصة تخلف في الوعي، حيث  إن مؤسستي الجيش، والامن الوطني، كانتا محل اعتراض من طرف الشباب العربي، وفي الوسط العام الموريتاني ..

ولعل  بداية  التحالف المشبوه بين الامبريالية الفرنسية، وزعماء الأقلية المذكورة، عندما  حاول تلاميذ   وزراء الاقلية الإفريقية عامة في الحكومة الموريتانية يومئذ  ، ابداء اعتراضهم  على أدخال تعليم اللغة العربية  في النظام التربوي في معهد " أبي تلميت" للمرحلة الإعدادية.

وبعد المظاهرات الدامية سنة 1966م، بسبب ادخال اللغة العربية في منهاج للتعليم،، كان ذلك تحديا للنظام  الذي لم يكن على اختلاف - أحرى خلاف  -  مع فرنسا، لأنه ابنها الشرعي الذي ساندته، وساندها بتبني دعاية الاستقلال، المشروط بالحماية الفرنسية، شأنه، شأن قادة الاقطار الافريقية التي استقلت تحت هذا الشرط بما حمل من مضامين جعلت الاستقلال شبه حكم ذاتي ليس إلا..

 ومع ذلك ضغطت فرنسا على وزراء الاقلية للأستقالة من  حكومة الراحل المختار ولد داداه، فقبل الاستقالة من الجميع، إلا  رئيس البرلمان الذي كان واحدا من المجموعة المتفرنسة،

وكانت  سياسة النظام - إلى ذلك الحين -  تابعة  لفرنسا،  رغم ، أن هذا الضغط  جعل النظام يقع بين المطرقة الفرنسية ، واتباعها من الاقلية، وسندان الوعي السياسي العربي المتنامي منذ العدوان الثلاثي سنة 1956م. حيث تبلور  التيار الوحدوي الناصري في موريتانيا، كما في مجتمعات  الوطن العربي  من المحيط الى الخليج.

الأمر الذي جعل الأختيار  بين الاستقلال، والتبعية، أمرا لا مفر منه،،

ولذلك بدأ النظام السياسي ينحاز لقضايا الأمة العربية في سياسته الخارجية، كما قام بخطوات جريئة في بداية السبعينات، بعملية جريئة ، كانت الأولى في غرب افريقيا، وهي تاميم شركة الحديد " ميفرما" ، وعقبها،  قام ب "صك" عملة وطنية بالتعاون مع الجزائر على عهد الثورة والاستقلال، عهد الراحل هواري بومدين رحمه الله تعالى، وذلك  قبيل " الغورباتشوفية" مع  " بنجديد"..

ولعل فرنسا استطاعت رد اللكمة بأقسى منها  في حرب الصحراء، حيث   أدخلت  النظام  في حرب لا  ناقة، او جمل فيها له، وذلك بواسطة  اعوانها في دول الجوار، واسبانيا المجرمة، و لم تتوقف فرنسا عند هذا الحد بل ساعدت على الأنقلابات العسكرية،  لتصبح فرنسية بامتياز حتى وصل  التحدي لكل القيم الوطنية، ومعان الأستقلال، عندما  إرسلت رئيس الجيوش الفرنسية للإشراف على الانقلاب  سنة 1984م. الذي اختارت بين عسكرييها" معاوية  ولد سيدي احمد الطايع"وكيلا لها...

ومن هنا لا نغالي بالقول  إن فرنسا الاحتلالية، ثأرت من النظام الوطني، العروبي الذي اظهر  بسياسته على عهد المختار ولد داداه رحمه الله تعالى  الذي كان مخلصا لوطنه، ولأمته العربية  نظرا لما قام به  من مهمات ناجحة في غرب افريقيا،  في سبيل قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني بعد " النكسة ٦٧".

 وعلى الرغم من ولاء  الرئيس السابق معاوية الطايع ، والعميل المطيع لفرنسا، و جاءت به لنظام الحكم، وجمعت اتباعها من رموز الأشتات القبلية، والإثنية، ليشاركوه الحكم الذي صار يتلقى الأوامر من السفارة الفرنسية في نواكشوط،، إلا أن ذلك لم يجعل فرنسا تتنازل عن اتابعها من الأقلية" البولارية" الأنفصالية في موريتانيا..

فبعد  قمة مراكش، لقادة المغرب العربي سنة 1987،، حركت فرنسا كلا من الحكومة العميلة في اتشاد وذلك لشن حرب على ليبيا،  كما أوعزت  لاتباعها في الجيش الموريتاني والامن الوطني بانقلاب دموي،،وذلك لفتح جبهتين افريقيتين ضد اقطار المغرب العربي، ونتائج الاتفاقية المغاربية  الفارغة من المضمون الوحدوي، والنضالي التحرري، لأنها اتفاقية، ادت الى لترؤس العملاء، وشرعنة احكامهم، وترهل الجبناء واستسلامهم للسياسة الدولية للأمبريالية الأمريكية...!

وفي نهاية سنة 2025م ، تعيد فرنسا ذات السيناريو الأول سنة 1966، والثاني سنة 1987م، وذلك  بزعزعة الأستقرار، والقضاء على أواليات التنمية الاجتماعية، والاقتصادية في موريتانيا،، بحمايتها للأقلية " البولارية" في موريتانيا، ولكن هذه المرة، بحركة يقودها المجتمع المدني ليتخفى في وسطه  قادة " المشعل الافريقي"، وهو المنظمة المعروفة باسم " افلام"،  في المجتمع المدني  العام، وليس في  مجموعة " البولار" فحسب... !

و منذ  بداية هذا الحراك المقلق في أواخر الشهر الماضي، ونحن نقرأ للكتابات  الواعية التي طرح  كتابها موضوع الأقلية" البولارية"، وكيف يمكن دمجها، بحثا عن الاستقرار، واستدامة الأمن للمواطن، وفي نفس الوقت تمت مناقشة علاقة رموز " افلام" بكل من الموساد الإسرائيلي في السفارة السنغالية، وتلك التصريحات الوقحة لقادة " افلام" في تاييد الاحتلال الصهيوني ، في إشارة واضحة  لتأييده للإبادة الجماعية في غزة،  ولعل  التفكير الخياني  لهذه الحركة، ظهر مبكرا للمناضل " نيلسون مانديلا" ، لذلك فرفض اعتبارها حركة وطنية..

نعم ، كانت المظاهرات  في ذكرى الاستقلال بهذا التوجه المناوئ للاستقلال، ورمزيته، يعد رفضا صريحا، وقمة في الوقاحة، كتعبير عن رفض الخروج عن مظلة التبعية الاحتلالية للامبريالية الفرنسية، وعلامة فارقة، وهي بإيعاز من  سياسة فرنسا الحربائية،  وكونها هي من وجهت  كذلك  الحركات التبشيرية، والسياسية، لما اسموه ب "أفرقة" المغرب العربي خلال الهجرات التي قادتها بالمال والنقل الخاص ، كاعطاء فقراء الشوارع في المدن الكبرى في غرب افريقيا، ووسطها ، تلك السيارات ذات الدفع الرباعي التي نقلت مئات الآلاف من مختلف الاقطار الافريقية خلال السنوات الثلاث الاخيرة:  2023، و 2024، و 2025م.

فتلك الهجرات استهدفت  كل اقطار المغرب العربي، وكانت فرنسا  عقلها الاجرامي المدبر لسياسة الاستيطان،  ثم جاء تاليا دور المفوضية الأوروبية التي سعت لإبرام اتفاقات سياسية مع أنظمة الحكم  في كل من تونس، وليبيا، وموريتانيا، بعد أن وقع المغرب اتفاقية مع اسبانيا، والامم المتحدة،  وهي للأسف ستهدد أمنه على المستوى البعيد، بينما  الاقطار المغاربية  الأخرى، بدأ  أمنها الوطني، مطالبا  بحماية  المواطن الذي يعتدى عليه في الشوارع جهارا نهارا، كما حصل في المدن  الموريتانية، والجنوب التاونسي، والغرب الليبي، وكل ذلك حال دون  فرض الاستيطان الإفريقي الذي كان مطلبا أوروبيا  ملحا تحت الحماية الأوروبية، ومن خلفه ، قسم اللاجئين في الأمم المتحدة، ليأتي دوره بعد خمس سنوات فقط،  لطرح سياسة  شرعنة التقسيم، والكتاب الأبيض، كما حصل في فلسطين،،،،!

 و في موريتانيا، تزامن مع أوار تلك الهجرة التي قوبلت بالرفض الوطني، ومحاولة تدجين سياسة الحكومات، التي استرجعت قرارها الوطني مؤخرا، حين تفاقم  الاختلال في الأمن العام ، والخاص، لأن الشوارع  في مدننا الآمنة، أضحت ساحات للقتل، والنشل، و الاستملاك للمنازل خارج السيطرة الامنية، ووسائل الدفاع الخاص، ما اضطر  النظم المغاربية الى شبه الحراسة الأمنية نظرا لارتفاع نسبة الاعتداء على أمن الأفراد، والمنازل،  والممتلكات في الأسواق، ناهيك عن تحويل اقطارنا إلى ممرات لعبور المخدرات لدى المافيا الدولية..

ولعل الكثير من المتابعين للكتابات  في المواقع الافتراضية الموريتانية، أعجبوا بالكتابات الواعية، و  الرصينة، والموضوعية التي تناولت مشكلة الاقلية" البولارية"، وعلاقة رموزها بالكيان الصهيوني في الدعاية له، ومن جهة اخرى عن التحالف مع  هذه الرموز الانفصالية  موازاة مع علاقة فرنسا بالنظام  السياسي الموريتاني، الأمر الذي اظهر مماحكة  سياسة مبيتة لفرنسا تجاه  موريتانيا، ونهجا ثابتا  للأحتلال المباشر السابق طيلة سبعين سنة، وعدم التكفير عن خطاياها، بل التمادي في زعزعة الوحدة الاجتماعية، والوحدة الديموغرافية، واسقاط نظامنا السياسي الجمهوري،، والعودة بالمجتمع إلى نظاما الإمارات الاربع التي عقدت فرنسا  مع كل منها علاقات على أساس " إكرامية "،،!

ففرنسا،  بهذا  الترويض، بل التقزيم للنظم التابعة لها، فهي من جهة أخرى  تعبر عما تعانيه من  هزائم متكررة،  وذلك للتعوض عن الفشل في سياستها  في دول الساحل الإفريقي، حيث طردت احقر طرد، وعن استحقاق، لرفع الظلم الاستعماري،  وقد جرى ذلك  بجرأة نادرة  للثوار  الذين يؤيدهم المجتمع بكامله في كل من جمهوريات: مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر،  واتشاد..

واليوم على النظام  الوطني في موريتانيا ، أن يعرف أنه لا توجد منطقة وسطى ما بين التبعية، والاستقلال، وأن الخيار الوحيد امامه، هو انتهاج سياسة وطنية  تؤصل  أصالة وعروبة، وإسلام  موريتانيا، وطرد دعاة الإبراهامية المشركة، ومنع  إقامة مؤتمرات حاخامتها ممن يلبسون ثوب "الدراعة" العربية  الموريتانية من اشياخ، هم  اقرب للضلالة، والسرور الاخلاقي، والقيمي، والأنحراف عن الإسلام الصحيح، بالصارخ من التبعية لأمريكا، والكيان الصهيوني..!

   فاعداء الوطن موزعون بين  التبعية لفرنسا، ك" قادة افلام،" في الاقلية البولارية، وبين رموز الإبراهامية الوثنية المشركة التي ستسرق تراث  النضال الوطني لقادة الطرق الصوفية الموريتانية الذين  لهم تاريخ نضال ناصع ضد المحتل الفرنسي في جنوب موريتانيا في اربعينيات القرن الماضي ...

السؤال الذي ينتظر جوابه كل الوطنيين، هو أي المسارين سيختار  رأس نظام الحكم:

الصعود إلى أعالي الوطنية، أو الهبوط إلى  مهابط  واطئة " للرويبضة"، رموز الابراهامية، أو الأنتظار، حتى  تستعيد فرنسا سياستها مع  الرؤساء والعسكريين السابقين، كمعاوية على سبيل المثال، واستبدالهم بغيرهم..؟!

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122