التجربة الشعرية الموريتانية بين سلطة الاتباع، ونزعة الإحياء والإبداع../ د. محمدًُ إحظانا

2025-01-28 22:37:49

معرض القاهرة الدولي للكتاب

المحاضر :الدكتور/ محمد ولد أحظانا 

عنوان المحاضرة:

التجربة الشعرية الموريتانية بين سلطة الاتباع، ونزعة الإحياء والإبداع

رواق

نلا حظ قبل أن ندخل في موضوعنا المحوري وهو: لتجربة الشعرية الموريتانية بين سلطة الاتباع، ونزعة الإحياء والإبداع؛ أن النقد العلمي والفكري -عموما- يواجه أزمة تعريف بعد تداخل العلاقات المفهومية في المعارف البشرية الحديثة، فنقد العلم الشكلي الدقيق مثلا، يواجه أزمة وثوقية ودوران حول المفاهيم الإبستمولوجية المتداولة منذ غاستون باشلار، وقطائعه المعرفية وعوائقه، إلى اليوم. 

وكذا تواجه العلوم الفيزيائية أزمة في نقد معرفتها بتشعبها إلى: مرجعيةالطاقة، ومرجعية التكميم، مما يعني تباين الحقول المرجعية فيهما.

كما عانت الفلسفة وعلوم الإنسان من ارتباك يكاد يتحول إلى ريب منظم. 

مما يترتب عليه تأزم في النقد مع تعدد المناهج الاجتهادية في هذه المعارف كلها. 

واستتباعا لهذه الأزمة العامة في النقد المعرفي كلا، ونقد النقد من بعده؛ يعاني نقد الظاهرة الشعرية الكونية اليوم من تميع في القواعد والثوابت، وغموض وتداخل في المناهج، ووفرة فوضوية في الرؤى،لتعدد زوايا النظر المتاحة، سواء كانت مستعارة من حقول معرفية أخرى، أوكانت مستنبتة من داخل نقد الشعر نفسه.

والأمر لايقتصر على النص الشعري وحده، وإنما ينساب إلى النص السردي الإبداعي ككل. مما أثر تأثيرا عارما على تمايز نقد الشعر بصيغته المعهودة ونقد السرد. 

وما انشغال النقاد الأدبيين ب"الشعرية" في حد ذاتها، ببعيد عنا. إن التعريفات المتداولة التي كانت تميز بين التوزيع الموسيقي والصف الشعري: النظم/ التفعيلة/ الفاصلية، من جهة؛ 

والتحيز السردي (النثر)، من جهة أخرى؛ أصبحت وجهة معتبرة للنقد الأدبي، من خلال البحث عن الشعرية الداخلية في النصين (الشعري والنثري) معا، طلبا لعالمية الشعر الذي لا يخضع كله للنظم، عكسا لما عند العرب في الأغلب. 

وكأن لا فواصل بين الشعر والنثر إذن، حيث بدأت الشعرية تنفك عن طبيعة انتظام المتتاليات التعبيرية الاكلاسيكية في اللغة العربية خاصة، وهي التي تسمى في الأساليب شعرا مقابل السرد..

ومع ذلك فإنه لايزال للشعر نقاده المتمحضون له، وقراؤه المهتمون به، وقائلوه المتذوقون له. والكل يسعى مجتمعا لعدم ذوبان الشعر في الأسلوب المنافس له منذ الأزل: السرد. مما يعني إصرارا على إدراك الشعر باعتباره ظاهرة مستقلة في وجودها عن السرد. وتتأكد المسألة أكثر في مجالنا الثقافي إذا تعلق الأمر بالشعر العربي الذي لا يزال يحافظ على ذاكرة استحضارية لا تنسى أي جنس من أجناسه الشكلية، التي مر بها عبر تاريخه الحاضر، ضمن ما يمكن أن يسمى الزمن الثقافي الموحد، للثقافة العربية، كما ذهب إلى ذلك المفكر المغربي محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي ونظامه البياني ضمن رؤيته الفلسفية المعرفية الناظمة للثقافة العربية..هذا الوضع الاستثنائي أكسب أساليبنا التعبيرية العرببة بما فيها الشعر، صفة تعايش الأشكال، ليس لدى شعراء متعددين، وإنما لدى شاعر واحد. فالشاعر العربي يكرس تعايش: 

-الشكل الشعري العروضي الصارم في البحور الخليلية : 

-التفعيلة الشطر

-البيت؛

-وشكل آخر يخضع لجرس استفعيلة الخليل بن أحمد، رغم التخلص من وحدتي الشطر والبيت؛ 

-ثم في مسار أسلوبي ثالث: التحرر من وحدة استفعيلة، وهجر أي جرس دال على أي انتظام لموسيقى داخلية في (القصيدة النثري)..

ومن الملاحظ في حالة الشعر العربي أن تعايش الأشكال الشعرية هذه يزيد من تعدد زوايا النظر لنقد الشاعر الواحد بسبب تعايش أشكاله المتعددة، أولا؛  وثانيا: نقدنا لشعر الشعراء المتجايلين في تزامن أشكالهم الشعرية.

هذا التداخل الإبداعي في النص الشعري العربي يخلق حالة من خلخلة القراءة النقدية للنص الشعري العربي الذي يعيش عمليا خارج الزمن، بمعنى من المعاني. وتطرح هذه الظاهرة بصورة أكثر إلحاحا لدى تلامذة النقد الشكلي الغربي، كما عند باختين ودي سوسير وغيرهما؛ إذ يحتم عليهم الانحباس في النص مفصولا عن غيره من الأشكال الشعرية المغايرة، طلبا لصدقية الشكلانية العالمية لكل نص. 

أما نقد الشعر بالنسبة للنقاد ضمن دائرة الموريتانيين فهو من جنس النقد العربي، يصيبه ما أصاب النقد العربي من ارتباك تجاه المطالب النقدية العالمية للشعر، إضافة إلى المطالب النقدية العربية. ثم إضافة لما يعانيه من ندرة محلية خاصة به، فقليلة هي الدراسات النقدية المتمحضة للشعر العربي في موريتانيا، ولذلك أكثر من سبب، لكن أهم سبب تاريخي لندرة نقد الشعر الموريتاني هو أن إنتاج هذا الشعر منذ القرن السابع عشر الميلادي، لم يواكب بحركة نقدية موازية له، مما ترتبت عليه ظاهرة أخرى ملفتة للنتباه وهي ظاهرة نقد الشعر بالشعر.

وهي إشكالية سنتعاطى معها خلال هذه المحاضرة. ولم تكن ظاهرة نقد الشعر بالشعر حديثة كما هو متوقع اليوم؛ بل هي ظاهرة متقادمة نسبيا، حيث ظهرت في صدر القرن التاسع عشر، عندما قام بعض الشعراء الموريتانيين البارزين بنقد الشعر وسنضرب مثالا على ذلك.

وربما نقد الشعراء أنفسهم بأنفسهم لما لم يتطوع ناقد لنقدهم من طرف النقاد السرديين.

وسنقدم خلال هذه المحاضرة نموذجا متمحضا لنقد الشعر العربي عموما من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وذلك ضمن مقاربة لتحديد ثلاث ظواهر بادية في الشعر الموريتاني على مدى ثلاثة قرون(17و 18و19و 20م).

-النزعة الإحيائية المبكرة. المطلب الإبداعي الملح. --النزعة التجديدية الحداثية. 

المعالجة: 

بناء على ما أثرناه في رواق هذه المعالجة المتعلقة بتعريف التجربة الشعرية الموريتانية تعريفا موجزا،  يمكننا أن نتحدث عن ثلاث محطات تميزت كل واحدة منها بسمة، يمكن أن تفهم من خلالها باعتبارها مفتاحا أو ميزة عامة للنص الشعري الموريتاني الذي يمارس نقد الشعر بالشعر. وهي تجربة متواترة عند الشناقطة ومن أمثلة هذه النزعة في التأليف:

تفسير القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122