إكس ولد إكس إكرك يكتب: النون الطائرة

2019-03-06 13:35:00

كانت الكلمة التي ألقاها الجنرال محمد ولد الغزواني في حفل ترشحه، رصينة محكمة كتبت بلغة سليمة وقرئت بنبرة ثابتة، وقد أعجب بها الناس وسهروا جراها واختصموا.
إلا أن الجنرال في بدايتها وهويطلب من الجمهور السماح له بالترحيب بالسيدة الأولى تكيبر، طارت عليه نون حين قال:

.


"وسوف (تسمحوا) لي جميعا.."
حيث حذف نون الرفع دون دخول جازم أو ناصب، قال ابن مالك:
وحذفها للجزم والنصب سمه :: كلم تكوني لترومي مظلمه

ونون الرفع - والشيء بالشيء يذكر- أشعل طيرانها ذات ضيافة مشاعرة كبيرة بين شاعرين كبيرين من شعراء المنتبذ القصي هما الشاعر أحمدو ولد عبد الله الحسني المعروف ب"الذيب" والشاعر ممو ولد عبد الحميد الجكني.

فقد زار الشاعر "الذيب" ذات سانحة محظرة العلامة يحظيه ولد عبد الودود، فقدم له التلاميذ إناء من لبن الإبل فشرب منه، وأراد أن (يلف گدمه) لهم بأن اللبن شيبَ بماء، فخاطبهم بأبيات ظاهرها طلب إعراب يحمل نكتة لغوية وباطنها هجاء فقال:
هل (تعربوا) لى يا تلاميذ الخلط :: حتى إذا جنّ الظلامُ واختلط
جاءوا بمذق هل رأيت الذيب قط..

فأجابه ممو ولد الحميد، وأراد تنبيهه إلى أنه حذف نون الفعل المضارع بدون تقدم ناصب ولا جازم، فقال:
يا من نأى مزار داره وشط :: أبشر اذا جن الظلام واختلط
بنزل ليس يراه من فرط :: فإننا لرحل طارق محط
وحذفها للجزم والنصب فقط..

والشطر: جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط
شاهد نحوي من أرجوزة للشاعر العجاج يهجو بها قبيلة غسان:
رحنا لغسان ومعزاهم تئط :: حتى إذا جن الظلام واختلط
جاؤو بمذق هل ريت الذيب قط .
ومحل الشاهد فيه جواز النعت بالجملة الطلبية عند غير البصريين
أما البصريون فلا يجوز عندهم النعت بالجملة الطلبية، بل هو مؤول عندهم بقول محذوف.
قال في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك:
وجه الاستشهاد: ظاهر الكلام، يفيد وقوع الجملة الاستفهامية "هل رأيت ... " صفة للنكرة: "مذق"، غير أن هذا الظاهر غير مراد؛ لأن جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف؛ وهذا العامل المحذوف؛ هو الواقع صفة؛ لأن التقدير: جاءوا بمذق مقول عند رؤيته: هل رأيت الذئب قط؟
قال ابن مالك:
وامنع هنا إيقاع ذات الطلب :: وإن أتت فالقول أضمر تصب

وفي هذا البيت - والشيئ بالشيء يذكر كذلك، - يقول الدكتورمحمد المختار ولد اباه في كتاب "تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب":
ومن نوادرهم قصة : "وامنع هنا إيقاع ذات الطلب" ذلك أن سيدة استضافت فتية من إحدى المحاظر، ولما قدمت اليهم قدحا من لبن الإبل أنشد أحدهما قول ابن مالك في باب النعت: "وامنع هناإيقاع ذات الطلب"
فأجابته السيدة قائلة: ليس الأمر كما تظن، وإنما هو رسل خُليفات هذا يومها من الشرب، ولم تصدر من المعاطن إلا قبل قليل.
فخجل الفتى من قولته ومن اتهامه الكاذب لربة المنزل أنها مذقت لهم الحليب، ففوجئ بأنها أدركت ما يريد أن يخفيه عليها بإنشاده لبيت الخلاصة، مشيرا إلى شاهد البيت المعروف وهو:
حتى أذا جنّ الظلام واختلط :: جاءوا بمذق، هل رأيت الذئب قط

كامل الود

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122