أهذا هو مدلول المساواة عندكم ومعنى نضالكم اليوم؟!!/ م م بكار

2025-04-24 13:28:55

كان مشوارنا السياسي والإعلامي من أجل الوطن. وهكذا حظرت لنا مبادرات صحفية راقية قائمة على توكيد حرية الرأي وخلق مساحات إعلامية لكل الأصوات. وقد قطعنا مئات الكيلومترات من أجل إجراء تحقيقات وملفات عن العبودية، وعن المبعدين في السنغال، وعن موضوع الحليب، وعن الجيش، عن الأدوية المزورة، والمواد الغذائية المستوردة. ومهدنا الطريق للكثير من الزعماء الحاليين، وفتحنا لهم صدور الجرائد بمن فيهم المتطرفون… وكان ثمن ذلك، التضحية بالمنافع والمصالح، ووأد المشاريع الإعلامية الناجحة، والهجرة بالنفس. وقد هاجر الكثير من أبناء هذا الوطن من الأكفاء الأصلاء والنخب العالية الذين لعبوا ادوارا سياسية بارزة في المعارضة وتركوا وطنهم، وبعضهم الآخر ضاعت عليه الكثير من الفرص الشخصية في البلد لدعم أهداف الدولة الوطنية. لم يكن اللون هو المهم في هذا المشوار، بل كان الوطن والسلم والتعايش والحقوق. وهكذا ظلت عملية تفاعل فريدة وبخلفيات مختلفة قادتها من أبناء الأسر الأرستقراطية في المجتمع في الغالب. لم نكن يوما من الأيام نعتقد أن هذا النضال سيتم تجاوزه وردمه لمصلحة النزعات الفردية العرقية والشرائحية. لم نتخيل خلال هذا الزمن أن نتيجة نضالنا أن يعتلي التعصب والكراهية والجهل المنصة في الأخير، ويكون هو من توضع أمامه الميكروفونات ويستدعى للترضيات وللمفاوضات، وان يملك وفاصا ثمنا لذلك ، وأن النوازع هي التي سيتم التخاطب معها. لم نتوقع أن الدولة- بعد تسيير كل هذه المراحل - ستجلس على طاولة التفاوض مع خطابات الكراهية والنفخ في نار التأزم .

إنها في حقيقة الأمر أزمة وطنية كبرى .

إننا اليوم نواجه خطاب تسفيه ماضينا ومحاكمة تاريخنا ووصمنا باللون وعدم أهليتنا للحكم، في حين نسعى مع كل من يسعى لتكريس دولة القانون والمطالبة بالمساواة. لقد انحنينا برؤوسنا كثيرا من أجل ذلك، لكن الهدف كان شيء آخر :

المساواة بالمفهوم المقلوب التي يجب أن يتراجع فيها صاحب التاريخ والأكثرية للوراء، لكي يتقدم غيره ويحل مكانه وهو يدوس على ماضيه وشرفه وقيمه، وينعته بكل نعوت السوء .

أهذا هو مدلول المساواة عندكم ومعنى نضالكم اليوم !!!

كما لم نتوقع أن يجد أولئك الذين يدفعون البلد إلى التمايز ويضربون مسامير الفتنة في جسم الانسجام والتآخي، مهربا من القانون الواضح والمحدد في مثل حالاتهم، فهل يجب أن نظل نهرب للأمام قربانا للتهدئة لمن عقيدته العنف ! ما فائدة الدولة الوطنية إذن ! ولماذا الاعتراف بالمطالب المصبوغة باللون كحقوق في دولة وطنية! إن هذا الاتجاه الخاطئ هو الذي يبحر فيه الكثيرون ، والأسوأ في الأمر أن الجهل الأبجدي والجهل بالتاريخ والجهل بالسياسية وبالقواعد هو القاسم المشترك، إذ أن البلد الذي ولد منذ ستين سنة كان موجودا قبل ألف سنة، وأن هذه القوة الشكيمة والقدرة الفائقة على التضحية هي التي أمنت حدود هذا البلد أكثر من مليوني كلم مربع قبل الدولة الوطنية وخلدت ذكره في التاريخ الإنساني والحضاري والعلمي مع فجر التاريخ الإسلامي وهي التي تنازلت بتواضع من أجل إنشاء دولة وطنية ومنحت الحق لولوج كل من لديه الأهلية للولوج للقمرة، وكان المختار ولد داده رحمه الله هو من اقترح منصب نائب الرئيس للزنوج الذين حينها لا يزيدون عن 5% ، والغريب أن الاعتراض الوحيد جاء من داخلهم لسبب معروف !

إننا نستغرب اليوم أن يتم الحديث المستفز والباذخ في العداء والذم والتسفيه لنا ولماضينا من طرف الإخوة الذين ليس لهم امتداد ولا ماض ولا ثقافة ولا عادات ولا قيم خارج هذه الأرض وثقافتها، ومع ذلك يضعون إخوانهم في كل شيء في مرمى النيران، ويضعون بلدهم في أزمات من التعصب .إنهم ينظرون للأمام بالمرآة التي تعكس صور الخلف ، ويتجاهلون جميع المحظيات التي حققنا في مكان واحد ومن خلال النضال المشترك والاعتصامات والحوارات، ويتجاهلون البنية القوية للقوانين التي عملنا على فرضها والتي تحارب جميع أنواع التفاوت وتمنح الفرص للجميع ويتمتع فيها الكل بالحقوق الفردية والجماعية ، وتحمل فصلا نموذجيا للسلطات والإصلاحات القضائية وتحيين القوانين والتعديلات الدستورية .وهنا يمكن الاتفاق مع الذين يسعون للإصلاح لا مع تجار التلفيق والكذب بأن بنيتنا هذه تنقصها الفاعلية والوظيفية في بعض الأحيان وتنقصها المبادرة والتراكم في الاتجاه التنفيذي للقوانين والإصلاحات، لكنها أمور تتعلق بوظيفية الدولة وإدارتها وبنيتها الإدارية والقضائية، ولا تتعلق بجنس محدد من المجتمع، وبالتالي يجب تضافر الجهود لدعم البنية المثالية للدولة الوطنية، رغم أن الوقت مازال في بدايته لدولة لم تصل لعقدها السابع وهي تحاول أن تقاس بالدول التي تعرف كيان الدولة منذ آلاف السنين والنظام الديمقراطي منذ مئات السنين، ومع ذلك فقد حققنا مجاراة مهمة بالنسبة لبنية الدولة والنظام السياسي وآلية التسيير وبقي تحيين وتفعيل الكثير منها يمكن تحقيقه وكسبه بالنضال السياسي الوطني الذي يجعل من هذه الإصلاحات هدفا مجردا وليس وسيلة للمحاصصة ولا لتصفية الحسابات مع التاريخ، فلا يمكن محاكمة شعب على أنه صنع التاريخ أو ورث السلطة والجاه والمال من ذلك التاريخ، ومع ذلك أعطى حق المرور لكل المكونات وحق القيادة لكل من يستحق ،لكنه من المستحيل أن يعطيها لمن يحقد عليه لسبب يجهله في الحقيقة أو الجاهل الذي يريد بناء أمجاد ومركز في المجتمع على البذاءات .إن الزعامة والمسؤولية هي تلك التي تسير البلد أنطلاقا من تاريخه، وصولا إلى حاضره، وتحضيرا لمستقبله من أجل تحقيق نتائج عليا، وليس الإسكات المؤقت للدعوات الجارحة أو لتأجيل علاج القضايا المهمة وتركها كألغام للمستقبل .

كما أن السياسين الذين يصممون خطابهم على محاكمة التاريخ، متجاوزين لحقائق الحاضر، ولا يملكون رؤية حول المستقبل، مكانهم في الحقيقة في الخلف وليس في الواجهة، كما أنه من الصعب أن تكون رئيسا للدولة وقائداً وطنيا عندما تكون متعصبا أو جاهلا أو مغمورا، ذلك عكس وضد القواعد "شيخ الحل يدبلّهَ…ولازلّت يصبلهَ".

إن الحقائق التاريخية على الأرض ما تزال ماثلة، بل عميقة ولا يمكن القفز عليها ولا تجاوزها خارج السلم، فكل مقومات القوة والنفوذ ما تزال قائمة وفي محلها وذلك ما لا تغيره طفرات العنف اللفظي العارضة هذه ،إلا أنه حان الوقت لإبراز توجه الدولة وصرامتها في بناء قواعد التعايش في الخطاب السياسي. إنها مسؤولية القانون بالدرجة الأولى. مسؤولية المدعي العام، وليست مجالا للمجاملة ولا للرشوة السياسية ولا للتفاهم .القانون فوق الجميع ومن أجل الجميع لكي لا يشعر أي أحد بأنه مستهدف ولكي تعم الطمأنينة .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122