لقد سبقت الإشارة بأن التعريف بمفهوم " الدور الرديء"، كواحد من اامفاهيم المحورية، ولو انه مهجور عمدا لوطأة وقعه الذي يجرد الباحث من المجاملة، والتمسح بقيم الزيف، والإخضاع الوظيفي،، لكن أصالة المفهوم تكاد تكون تبعث المصداقية في إحدى النظريات الاجتماعية المعاصرة، كما وضحنا ذلك في مقال الأسبوع الماضي..
لكن السؤال الذي يطرحه واقعنا العربي" المتشيئ"، هو ما علاقة هذا المفهوم بمجتمعات الوطن العربي غير معاصرة، لأنها في مجالات عديدة، تتكشف عن ارتداد ينفي القول بطرقها أبواب النهضة، أحرى الحداثة التي تفرز العصرنة، وما بعدها،، بينما الحقيقة الصادمة، أن مجتمعات الأمة تنقسم على نفسها إلى ثلاث دوائر، هي:
١- الإقطاعيات التجارية،
٢- مجتمعات الأسواق الاستهلاكية، ٣ - التجمعات الرعوية،،
غير أن توظيف هذا المفهوم، لم يأت اعتباطا، ولا هو من جهة التشاؤم، والقلق، الغثيان، اليأس، المواقف السوداوية، وإنما انطلاقا من تتبع ظاهر عامة، فرضت نفسها، حيث تكرر حضورها المدمر هنا، وهناك من شواطئ الأطلس العربية، إلى شواطئ الخليج العربي- الفارسي، لهذا فظاهرة الدور الرديء، ليست حالة فردية، تتعلق بتوصيف هذه السياسة، أو ذلك الوقف لنظام حكم سياسي معين في أنظمة الخيانة، العمالة، التبعية، الانهزامية التي هي أقل ما يمكن أن تعرف به كل منها، لا وصما للأنظمة السياسية فحسب، بل كذلك حفرا في الاختلالات البنيوية لمجتمعات أمتنا العربية، أمة" الولولة"، كما عرفها أحد الناشطين السياسيين العرب " فادي بودية" في لبنان العظيم، لبنان المقاومة الشريفة، لبنان الذي انتصر لأمته قبل ان ينتصر لنفسه، لا لبنان البديل، لبنان فاقد الهوية، الناكر لحقوق دماء شهداء مقاومته، والمتراجع عن واجبه الوطني، والقومي محليا، كما في فلسطين،، هذا هو لبنان الرديء في دوره الحالي، فلا تسألني عن العلاقة بين لبنان الهوية الثقافية الراقية، والشخصية الحضارية العربية، والدور التحريري، للبنان الظاهرة الاستثنائية التي أريد لها أن تغيب، ويوارى عليها الجحيم ببراكين القنابل، لتختفي مظاهره، وخواصه التي لا يمكن أن تختفي رغما عنهم،، ولو أتوا بالقضاة الذين صار ميزان عدلهم في التنازل، الارتكاس، من الحكم للأمة في أشرف قضاياها الى أسوإ سياسة، يراد أن يحكم بها لبنان بالتسويف، لتمرير سياسة الخيانة العظمى" التطبيع"، وتبعاته..!
أليس هذا هو "الدور الرديء" الذي يتكرر، كرجع الصدى في عواصم أمتنا العربية التي انحصر دور معظم كتابها على التوصيف، والتشخيص المخبري، لأن هذا الباحث، مثل غيره، يهتم بالتنظير الوصفي لتوظيف المفاهيم لذاتها،، الأمر الذي، يؤكد حقيقة مريرة، أننا على مشارف انحطاط ثقافي مستبعث من حاضر التخلف السياسي، وما يوازيه ثقافيا نظرا لتسيد الخطاب الذي يحصي فن المترادفات، وهو لا يختلف، الا في الشكل عن عصر: التورية، و الطباق، والجناس، اللغز اللغوي، ومقامات الوصف..!
والسؤال المقصى من الأذهان، هو لماذا لا ليصرخ هذا الباحث في وجه الأمة التي تمارس" الدور الرديء"، هل لانه لا يجدر به، إلا ان" يتكيف"، يحتويه هذا التعريف الذي عبر عن حالة العجز، والاكتفاء لأمة " الولولة"، والنواح على ثلث مليون يذبح فداء، واستقبال لعصر بني صهيون في الوطن العربي الذي يراد له أن يتسيد في فلسطين، ولبنان، وسورية ..!
وهذه " الولولة" يستبدلها باحث عربي، يكتب تعبيرا عن قيم "الكتابة في درجة الصفر" - على رأي رولان بارت - نظرا لغياب الموقف من الاحداث المدمرة لمجتمعات الأمة، والوعي التوصيفي لواقع الامة بحالة "الفوضى القلقة "،، أيها الباحث المحترم، إن أمتك تذبح من الوريد إلى الوريد، وخاصة في مجال تخصصك، سورية،، وأنت تبدع في توصيف حالتها بالفوضى القلقة، وكأن الفوضى المسببة للقلق - الإشارة إلى غير العاقل، بدلا من الإشارة إلى الإسم الموصول" من" الدال على العاقل في أمتنا.. - باسباب، كأنها إعصار منتظر في الأسبوع القادم حسب وسائل الرصد الجوي !
في حين أن هذه الفوضى زهقت الأمة، جراء الحياد السلبي منذ طوفان الأقصى في ٧ من اكتوبر ٢٠٢٣م، بل بالمواقف الاجرامية، والسياسة العدائية القاتلة للأمة ليس بسبب اعتداء النازية الصهيونية، بل بتواطؤ أنظمة " معزى على غنم" - على حد تعبير الشاعر العراقي الراحل" مظفر" رحمه الله -
فانظمة قطعان الماعز في الخليج العربي يجتمع" اكباشها "، تحت ظلال قاتمة في الدوحة، كما أراد لها راعي البقر الأمريكي" ترامب"، ليعبر كبش كل قبيلة بالصياح بعيد سماعه لتحذيرات الصواريخ الثأرية، وخلال ذلك التناوس، وليس لديهم أكثر من ذلك، لعله سيوقف بينهم التناطح …لأن مشهدية المرعوبين الذين أصمهم رعود صواريخ الشجاعة، والكرامة الإسلامية، والإباء الحضاري الإيراني الذي كسر قواعد الذل، والأنبطاح ل"أكباش القبائل العربية"، الذين أصابهم الخوف، وتنادوا رعاعا بعقول قطاع الطرق ..من" النيل" الى الرياض، فالإمارة الإبراهامية،،!
ويا للمفارقة، لم يتملك هذا الخوف، والرجعة المبالغ فيها ، أقزام القوم على ما حدث، ولا زال يحدث من إبادة جماعية لأهل غزة، وما أصابهم، حتى "القلق الفوضوي"، إلا حين انطلقت الصواريخ نحو قاعدة الاحتلال الأمريكي في مستعمرة المستعمرات المنتشرة في الوطن العربي من المحيط الى الخليج…!
إن فوضى القلق، ذهبت بفؤاد أم موسى في مختلف الأنظمة، ابتداء من نظام "قاهرة" الضمير الوطني، والقومي، لأن حاكمها، ووزير خارجيته الذي صارا كفأر يقفز في كل اتجاه، باحثا عن غار، يتوارى خلف ظلاله الدامسة، لينجو بجلده من العاصفة، ولا عاصم اليوم من طوفان الأقصى، لا بالتخفي، أو الاحتماء بأهداب ظلال الدوحة، وقطيعها الذي مات خائر القوى، خوفا من الآتي، فالقوم الصرعى تحتها، لأن وسيلتهم الوحيدة، هي الصراخ في صدورهم، والابتهال للمجرم " ترامب" شاخصين، راكعين على الركب، كالهندوس في تصوفهم الزائف بعد أن فقئت أحداقهم بانتزاع عصب الكرامة الذي يستمد منه النور، الضياء، والحركة، ثم الوعي، فالعمل، الفاعلية للمقاومات…!
ولن يسأل المواطن العربي، عن قيمة الأمة في الموازين الدولية، وفي السياسة الخيانية، والأمن المستباح، كما في الدور الرديء للساسة حراص الاجرام الصهيوني الذين يحاصرون غزة، ومجتمعها الضحية الكبرى، ومأساة العصر لجرائمهم، وخياناتهم، وحروبهم الإسنادية للمجرم " النتن إياه " ..!
ولا استغراب لذلك في زمن أمتنا الرديء، لأنها فقدت بوصلتها، ولا منجاة لها من الغرق في بحور " ادوار الرداءة، حتى مستنقع القاع، مكوثا في انتظار أن تعم أمواج الجحيم، جغرافية الصحراء العربية، ومجتمعاتها،، علها، تتدرن فتصاب بموت يرحمها، أو حريق يطهرها من غسيل التدرن الرديء، فيستبدل وجهها، ويستبعثها من رماد الوعي لاتستحق مفهوم الأمة الذي لم يبق لها بعد أن ردمت رأسها في الرمال، كالوصيفة صاغرة، لملك الألعاب البهلوانية" ترامب"..!
و لن أبالغ في التكرار على أن أمتنا خنى عليها زمانها، حين خانت التاريخ بهذا الحاضر المقيت، وصارت عبئا ثقيلا على كاهل الحضور لكل القيم في الضمير الجمعي العربي ، لذلك على من كان في قلبه بقية من كرامة، وفي ضميره وعي يؤنبه، فليضع حجرا، على قبر كل من الرأي العام العربي، والحركات السياسية، والأحزاب، والنقابات، والمجتمع المدني، والجمعيات المدنية المخترقة، والجيوش الانكشارية، وما كان يسمى بالشارع العربي الذي توج بغيابه هذا الدور الرديء..!
إنه الدور.. الذي يكتب في إحدى صفحاته الرمادية، أحد قادة المخابرات الذي تشكل وعيه بالفكر الصهيوني - لأن الصهيونية وعي إيديولوجي - وذلك خلال حضوره الدائم للمؤتمرات في "مركز وايزمان"، واليوم، يحق له عن جدارة لعلاقاته الملتبسة بالحالات في الحكم، وتاريخه( المجيد ) في افغانستان، وتجنيده للشباب العربي أن يكتب بدون خجل عن دوره الوراثي في الخيانة بهذا الافتخار..!
ومن لم ينس دوره منذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، فليقل لنا، لا لمن يكتب لهم رئيس المخابرات السابق، والمنظر لها لاحقا - فعليك من الله ما تستحق - ؟!