ما الفرق بين الوعي السياسي المعبر عن الرؤى الفكرية، وبين نشاط سياسي ارتجالي، و متقطع لحراك اجتماعي ناشئ؟ إشيب ولد أباتي

2022-10-31 15:15:30

 في مقال الدكتور أمم ولد عبد الله عن " نهاية  السياسة في موريتانيا" المنشور في موقع" اقلام حرة".

قراءة  واعية، وتشخيص مطلوب للمرحلة الآنية، و للتأريخ للظاهرة  السياسية التي تماهت مع النظم السابقة، واتباعها من النشطاء السياسيين،  وحصر  مجال الوعي العام  في  نشأة حراك اجتماعي،  قد يصف بعض الدارسين، تلك النشأة بالولادة القيصرية التي انتجت  مولودا ناقص الخلقة، وكل ما طال عمره، كلما ظهرت متلازمات اعاقاته الوظيفية، وماكان يحتاجه  من عوامل للاكتمال في فترة المخاض، وتراكم الوعي، والتفاعل  مع مطالب المجتمع، غير أن السمة البارزة  ظهرت تداعياتها  بغياب" القابلة" الوطنية في المراكز الحضرية،  وهو ما اضطر إلى وضع النظام، كمولود  على شاطئ اليابسة، والتخلي  عنه، حتى دون  أن يستظل  بشجرة،  ولو من يقطين،،، 

 وكان لغياب تراكم الوعي، وعدم توجيه الناشئ منه  برؤى  لتميكن قادته لتحشيد الرأي الوطني، غير ان ضعف حركة التواصل بين المراكز الداخلية على خريطة الوطن، و انعدام التواصل مع حركات المقاومة  في المغرب العربي حينئذ،  والنظامين المستقلين  في اقطار افريقيا،  واقصد بهما غينيا، وغانا  ...

بينما حضر الرهاب الفكري  للحراك السياسي التابع لفرنسا التي كانت تسابق الزمن لإعطاء استقلالات صورية  لمستعمراتها  في فترة متزامنة في  نهاية سنة ١٩٦٠م.

وكان دافع فرنسا في  سباقها المحموم  من اجل تفويت الفرص على المجتمعات الواقعة تحت الاستعمار، وقد تتطلع الى نجاح  ثورات المجتمعات المجاورة التي قادتها  حركات التحرر  العربية، والافريقية،  وكل المعطيات كانت تؤكد استعدادها لاخراج فرنسا..وجيوشها المهزومة في كل حروبها إن داخل أوروبا،  او خارجها..

وللاسف  على ما جرى من محاولة اجهاض الحراكات السياسية المطالبة بالاستقلال المكتمل الشروط... واستبقت دول الاستقلال الصوري   التي بقيت على أعتاب التأسيس، مشكلة مسوخا " دولتية "، كما  حدد مهامها المستعمر ، الأمر الذي  جعل فيلسوف فرنسا  " جان بول سارتر"، يعرفها ب "دول الاستعمار الجديد".

والسؤال الذي يطرح نفسه على  المهتمين بالشأن السياسي الموريتاني، هو: هل يجوز  توصيف الوعي الوطني خلال ٦٢ عاما

 وفق المعايير القائمة في الفكر السياسي الحديث والمعاصر، وذلك  للنظر في  النشاط السياسي  للحراك الناشئ تزامنا مع قيام نظم حكم مستقلة في بلادنا على أساس روح  الوعي  السياسي، اذا كانت روح الوعي محكومة  بمحددات في الفكر السياسي المعاصر   كمقولة "روح السياسة"،  وهي" روح وعي الافراد، وروح وعي الجماعة، وروح وعي المجتمع، والدروس الاستفادة من  التاريخ "، او على أساس السلوك السياسي اجرائيا ؟

 واين من هذه المحددات التوجيهية ، ذلك النشاط الذي قام به الحراك السياسي لقيادات  حكمت بالاستناد إلى التبعية للمحتل  الامبريالي الفرنسي.. وصارت تلعب معه لعبة الفأر مع القط،  تارة ينال الأخير من الاول، بتخطيط، كان كافيا للتخلص من تلك الاستفزازات  في اطار ردات الفعل المحسوبة، والمثال على ذلك حين ظهر نشاط زائد في معاهد التعليم  من اجل التعريب، فطوقها القط الفرنسي بذنبه، باتباع،كانت استجابتهم  "تحت الطلب"، وفق تعليماته، فاحدث أواليات الصراع العرقي الناشئ، ليتراجع وعي الفأر  السياسي إلى جحره،  دون مساس للمنظومة التربوية الفرنسية في مؤسسات التعليم..

وقل الشيء نفسه عن الاحتكاك ، حين تجاسر نظام الحكم  على تأميم شركة الحديد،، وتبع ذلك بسك العملة الوطنية،، فكان الرد الحاسم، و القاضي على رموز  النظام على تصرفاتهم غير المحسوبة، ولكن ومن أين جاء الرد الفرنسي؟

  لقد جاء  اثر تحريك  " فرانكو" من اسبانيا للقيام  بتنازلات، ومقايضات لمستعمرات اسبانيا في الصحراء بمدن في شمال المغرب، وتقاسمه مع المغرب ريع  فسفاط منجم "بوكراع" بنسبة ما فوق الثلاثين، وأقل من الأربعين، ثم  دفع  اعوان فرنسا في الاقطار المجاورة  لاقناع قيادة موريتانيا للدخول  في حرب الصحراء..!

ولو سلمنا بموت وعي  القادة، و تلاشي الحراك السياسي الوطني بسقوط رؤساء الانظمة  في كل فترة ،،

 فإن الثابت الوحيد، هو استناد القيادات المنصبة لترؤس  الحراك السياسي الوطني، ودفعها  بقوة دافعة " هرشميدس " الفرنسية  لتحريك سفينة السياسة في وحل العاصمة انواكشوط .

اما توابع الحراك السياسي من موظفين اداريين،  وقد تحولوا الى وسطاء  حلوا  وظيفيا محل ال"قميان" في استنزاع "العشر" سابقا،،،  وتعميم الولاء القبلي لاحقا خلال الفترة المعاوية وما قبلها، وما بعدها الى اجل غير مسمى، وتحول لفيف  المستخدمين  إلى  عناوين"تمويهية"  لحركات سياسية، لا  يتورع بعض رموزها  عن أن يتبجحوا  بوصف  انفسهم ب(لقوميين)، و(الأمميين)  من  ابناء رؤساء القبائل، إن في مراكز الشمال الاكثر وعيا سياسيا - كما كان مفترضا - من نظراتهم في الجنوب ..!

ومن هنا، فإن  حكم  الواقع، والتاريخ، ليس في صالح  المرحلة التاريخية السابقة، و من كانوا رموزها السياسيين، سواء اكانوا رؤساء، أم  نشطاء حراك على الهامش، وقد اتي بهم الى " الزفة" الجشع، وسوء الاوضاع المعيشية، وتنافس النخبة المتعلمة الفاسدة  للانخراط  ضمن الإجراءات التي " شيأتهم"  بتأثيرها على تخلف الحكم السياسي جراء التبعية، والاستنفاع، والتخلف  الثقافي،  وتراجع الوعي، واحتماء  رموز النخبة بالمجتمع الفئوي، والقبلي، والجهوي، والعرقي..

وهذه كلها مثبطات  ليس للوعي السياسي فحسب، بل هي مهددة لوحدة المجتمع، و ما يعانيه  نظام الحكم من تهديد  في وجوده من حين لآخر من جهات عديدة  اخطرها المفروضات القسرية على نظام الحكم  من اجل الدخول في  اطار تحالف اتخذ مضمون شبه "تكتل" دولي وليس جغرافي محدود بغرب افريقيا  جمع  الضعفاء  من قادة " دول الساحل"، وهو تكتل  ضاعف الاخطار  المستقبلية بدلا من إزالتها، وذلك بسبب رفضه من  طرف القوة الحية في مجتمعات الاقطار الخمسة، وقد تجاوب مع طموحاتها الوطنية في الاستقلال، ورفض الهيمنة الامبريالية، بالانقلابين اللذين قادهما بعض العناصر الوطنية في جيشي مالي، بوركينا فاسو..

وفي كل الاحوال فإن مقولة "،حاميها، حراميها" تصدق على تكتل دول الساحل من جهة ان فرنسا تقود تكتل الضعفاء مع الأقوى منهم،، وهو ما  نبه إلى مخاطره "ميكافيلي" منذ بداية القرن السادس عشر، كما ان غياب اهداف التكتل الحقيقية،  حيث ان  الظاهر منها ، هو سياسة الترغيب والترهيب  الامبريالية، والتلويح بالقوة العسكرية التابعة لحلف" الناتو"، الأمر الذي سهل احتواء ظاهرا للعيان، لدرجة املاء الشروط التي أدت إلى انقلابات عكس التيار... 

ولعل هذا يشير الى ضرورة تجديد الوعي السياسي، وحراكاته السياسية، وإعادة طرح السؤال التالي:

 اذا كانت السياسة،  ماتت كجسم اجتماعي، ونشطاء  سياسيين انهزم رهطهم  الذي التحقوا به في أكثر من نظام حكم ..

فهل هذا الموت السريري، سيحدث  مفعوله القاتل لروح السياسة التي لا تموت لدى الافرد، والجماعات، والمجتمع، وكذلك المداميك  في فاعليات التجارب التاريخية؟

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122