إذا لم تستح فاصنع ما شئت.../ إكس ولد إكرگ (سيدى محمد)

2022-05-15 05:06:00

كان (سلاح اللّسنَ) من الأدوات المستخدمة في صراع البقاء في مجتمع بدوي لابد أن يأوي الفرد فيه إلى ركن شديد من سيف أو قلم أو لسان.

فكان الفنانون ولحركات سلطة رابعة ترفع وتحط بشعرها مدحا وذما:

كمْ خَامِلٍ سَمَا بهِ إلى العُلا :: بَيْتُ مَدِيحٍ منْ بَلِيغٍ ذَلِقِ

مِثْلُ بَنِي الأَنْفِ ومثلُ هَرِمٍ :: وكالَّذِي يُعْرَفُ بالمُحَلَّقِ

وَكَمْ وَكَمْ حَطَّ الهِجَا منْ مَاجِدٍ :: ذي رُتبةٍ قَعْسَا وقَدْرٍ سَمِقِ

مثلُ الرَّبِيعِ وبني العَجْلانِ مَعْ :: بني نُمَيْرٍ جَمَرَاتِ الحَدَقِ

وكانوا يفدون على الأمراء والصلحاء والوجهاء والنبلاء ، ويلتمسون الحاجات عند صباح الوجوه، ويطلبون الخير في مظان الفضل وفي سوح أهل المروءات، فيحسنون نزلهم ويكرمون وفادتهم.

وربما أمّ أحدهم طاويَ ثلاث عاصب البطن مرملا فيعمل جهده لإكرامه عملا بقول الحطيئة:

ولا تَعتذر بالعُدم علّ الذي طَرَا :: يظن لنا مالًا فيوسعنا ذَمّا

رغم أن الفنانين ولحركات لم يكونوا يذمون الناس عملا بالقول المأثور (إن الشمتَ لامسنونَ له) فكانوا يمدحون أهل الفضل كي لا تموت المروءات ، (فيكفي من ذم أجواد مدح آخرين) كما يقال. 

ولم يكن يذم الناس إلا بعض ضعاف النفوس من الطائفتين أو وآحاد منبوذون من حسان والطلبة.

وبالمقابل كانت القبيلة تحتفل وتنحر الجزور إذا ولد لها شاعر ذرب يذود عنها ويحمي ذمارها وتسطو به إذا جدَّت العِدا ، فقد ذل من لا سفيه له.

مع تطور المجتمع  اختفت أدوات الصراع القديمة، وفي  أيام المستعمر  سن الفرنسيون قانونا يجرم الهجاء ويقضي بسجن الهاجي والتعويض المعنوي للمهجو.

ومع التحضر وقيام الدولة الحديثة التي تتكفل بالفرد وتؤمن له الدخل والأمن، اختفت ظاهرة التكسب بالمقول، وإن ظل للفاننين ولحركات احترامهم ضمن أعراف اجتماعية ومناسبات محددة.

وأعرف ونحن في الجامعة كان أحدنا يخفي (يجحَدْ عنّو امغني) تحرجا من أن تظن الناس به سوءا فيتقونه، وخوفا من  وعيد الحديث: (يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ).

وكان لمغنّي يقتصر على الغزل وگاف الشور ولكطاعات ، وحتى لكطاعات لم تكن تلج إلى المسكوت عنه (ارغيز) مراعاة للخواطر وتماشيا مع منظومة القيم السائدة.

في السنوات الأخيرة نشط شباب من غير الفنانين ولحركات ، يجوسون خلال الديار يمدحون الناس بل ويلوحون بإمكانية ذمهم (شمتهم) فلا وازع من تقوى ولا بقية أخلاق.. 

 ألاساء ما يزرون.

إن الاختلالات التي عرفها المجتمع في البنى التحتية نتج عنها اختلال كبير في البنى الفوقية وانهيار غير مسبوق للقيم. 

كان المرحوم ول عَوّ يرى في هواة الغناء مضايقة كبيرة للفنانين فكيف به لو شهد موجة السآلين ذربي الألسنة من المحترفين في يوم الناس هذا !!

ترى الواحد منهم (يتلمع) و (امْغنّي مَنبوحْ) لم يُبقِ الطمعُ ماءً في وجهه ولا مزعة لحم..  

فلا حياءٌ، ولا ماءٌ، ولا سمةٌ :: في وجهه.. وهو لا يقضي، ولا يكل

يمدحون العلماء ورجال الأعمال والموظفين السامين والجنرالات...

أربعوا على أنفسكم أيها الشباب .. وعوّدوا أنفسكم على  على العفة والاستغناء عن الخلق وبذل المجهود لكسب الرزق الحلال. 

واعلموا أن اليد العليا خير من اليد السفلى.

قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: (لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ)

كان الإمام الأكبر بداه ولد البصيري رحمه الله، يقول: احترفوا احترفوا..

وكان يقول:(الطمع أبو الفضائح).

أعرف (عرق الجبين) أما (عرق اللسان) فهذه حديدة عليّ

 

كامل الهرَد

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122