صورة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو يقبل رأس مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد أحمد ياسين توحي بمتانة العلاقة التي كانت تربط الرئيس بقادة الفصائل بصرف النظر عن حجم التباينات حول الملفات الوطنية.
.هذه الصورة مثبتة على الحائط بمدخل منزل عرفات في غزه، وتجسد مع صور أخرى بالمكان ذاته حالة الوحدة الوطنية التي كان يتغنى بها عرفات طوال حياته سواء بين الفصائل أو مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ممن رافقوه منذ تأسيس الحركة عام 1965.
وكذلك لم تغب عن المنزل صور تبرز أدوار من ساهموا في مقاومة الاحتلال منذ مطلع القرن الماضي مثل عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وأحمد الشقيري وغيرهم.
وتذكر هذه المشاهد قادة الفصائل الحاليين المتوقع اجتماعهم بالقاهرة بعد عشرة أيام بأن قادتهم السابقين لم يكونوا سوى دعاة وحدة فلسطينية بالأفعال لا بالأقوال، مما يشكل دافعا لتقديمهم تنازلات وتغليب مصلحة وطنهم على مكاسب أحزابهم، وذلك من أجل إنهاء انقسامهم وتوحيد وطنهم.
وفي جانب آخر من منزل عرفات، تبرز صور حرصه الشديد على التآخي بين مسلمي فلسطين ومسيحيّها من جهة، وبين غزة والضفة من جهة أخرى.
الصور تروي نشاط عرفات الدبلوماسي في مختلف أنحاء العالم (الجزيرة نت) |
ويضم المنزل صورة للراحل وهو يستقبل بطاركة وأخرى يشارك فيها بأعياد المسيحيين، وليس بعيداً إناء نحاسي من الناصرة مدينة التأخي.
وتكشف صور لقاءات عرفات الودودة بقادة دول عربية وأفريقية وإسلامية وغربية وغيرها، مما يحظى به من تقدير ومساندة، فتكاد لا تخلو زاوية بالمنزل من صورة تجمعه برئيس أو زعيم، حيث اشتهر برحلاته الكثيرة وهو يجوب قارات العالم لشرح قضية فلسطين.
الجانب الإنساني
وإذا كان حال عرفات في السياسة كذلك، فإنه على المستوى الإنساني لا يبدو مختلفاً، حيث يتناول الطعام مع الأطفال ويداعبهم ويشاركهم الاحتفال بعيد ميلاد ابنته الوحيدة زهوة، بحسب ما تظهر بعض الصور والمقتنيات بمنزله الذي أجرت الجزيرة نت جولة فيه بالتزامن مع الذكرى الـ13 لوفاته مسموما.
وتعكس محتويات غرفة نوم الزعيم الفلسطيني بالطابق الأول المكون من خمس غرف، جزءاً من حياة التقشف والتواضع التي عرف بها الرجل، فهي لا تزيد عن سرير وخزانة ملابس وبعض الكتب والمصاحف، إضافة إلى بساطة تفاصيل المنزل الأخرى من الداخل والخارج كالأبواب والنوافذ والأثاث.
أما حياة الثائر والمقاوم فتكاد تكون المشهد الأبرز بمنزل الراحل، من صورة وهو يسلم وثيقة كتبت بالدم للرئيس المصري الأسبق محمد نجيب، إلى ملابسه العسكرية التي لم يرتد سواها منذ بدايات الثورة الفلسطينية وحتى وفاته، إضافة إلى كوفيته التي تزين جوانب متعددة بالمنزل.
وحضرت مشاهد الكفاح المسلح بمختلف مراحله في لبنان بقوة، إلى جانب تقبيله أيدي جرحى الانتفاضة بغزة، ثم حصاره في مقر المقاطعة في رام الله، وصدى كلماته التي ما زالت محفورة بالذاكرة "شهيداً شهيداً شهيداً"، وكأنه يحدد للأجيال الفلسطينية مسار المقاومة إذا ما تعثر طريق التسوية.
روح المقاومة
وتشكل تفاصيل مسار المواجهة الذي اختطه الراحل عرفات لنفسه ولقضيته طوال حياته، رغم لجوئه للتسوية السياسية مع الاحتلال في بعض المراحل، إرثا وطنياً للفلسطينيين عموماً ولقادة حركة فتح خصوصاً، يحتم عليهم السير على النهج ذاته وهم يحيون الذكرى الثالثة عشرة لرحيله باحتفالات في غزة و الضفة الغربية.
هذه المعاني توقف عندها الشاب أحمد أبو كميل وهو يتجول بتؤدة مع أصدقائه بمنزل عرفات، ويقول إن روح الثورة والمقاومة غلبت على معظم حياة عرفات، وإنه آثر دوماً دفع شعبه لمقاومة الضغوط وعدم الاستسلام.
ويعتقد أبو كميل في حديث للجزيرة نت أن كثافة مقتنيات المنزل وتنوعها كفيلة بسرد جزء مهم من تاريخ الشعب الفلسطيني على المستويين السياسي والإنساني. ويدعو إلى وضع آلية علمية لعرض تلك المقتنيات بطريقة أفضل وأيسر للزائرين تسهل شرح تفاصيل كل قطعة بالمنزل بشكل دقيق.
ويقع المنزل على مساحة 900 متر مربع، ويتكون من طابقين وحديقة صغيرة، وتعتزم مؤسسة ياسر عرفات تحويله إلى متحف وفق المعايير الفنية.
ويقول المدير الإداري والمالي للمؤسسة سعيد ستوم إنهم يطمحون لعرض المقتنيات والصور والأنواط والأوسمة والهدايا وغيرها بطريقة تقدم مع كل قطعة شرحا تفصيليا عنها، إضافة إلى عروض مرئية وأرشفة إلكترونية لتسهيل المهمة على الزائرين والباحثين.
ويرى أن المنزل بمكوناته الكثيرة يمثل رمزية وطنية للفلسطينيين ولحركات التحرر، خصوصاً وأنه "يتعلق بزعيم وضع فلسطين على خريطة العالم وصنع لشعبه وطنا وهوية بالدم".
المصدر : الجزيرة