مبادرة الرئيس مسعود ولد بالخير خدعوها بقولهم حسناء

2013-03-17 06:13:00

أنا من أشد الناس احتراما للرئيس مسعود ولد بالخير.. لأسباب عديدة، كونه مناضلا عتيدا، وداعيةَ إصلاحٍ اجتماعيٍ  من الطراز الأول، وشيخا ذا شخصية كاريزمية تفرض الاحترام والإعجاب،

.

 وكونه سخَّر حياته لـقضية هي من أنبل القضايا الوطنية، واجتاز على طريقها أشواطا هامة، سيكتبها له التاريخ دون شك، وكون رحلته السياسية الطويلة عكست مقدرة لا بأس بها على التكيف مع تقلبات المشهد الوطني، والتعامل معها بمرونة عالية وديناميكية سياسية، بوأته ليصبح من أكثر الشخصيات الوطنية شهرة وتأثيرا..

لكنه عندما أعلن، ربيع السنة الماضية،عن مبادرته السياسية التي أصبحت تعرف،لاحقا، باسمه (مبادرة مسعود)، قلت في نفسي إن أمرا ما لا أعلمه، هو الذي دفعه إلى طرحها، أمرٌ لا تسَوِغُه المبادرة نفسها ولا يُسَوِقه السياق الذي تندرج فيه، ولا تكشف عنه معطيات الساحة ولا يخضع لقواعد المنطق السياسي.

قلت لعلها مناورة سياسية، ترتدي لباس مبادرة، لتحقيق مآرب لا نفقهها، أو بالون اختبار لمستوى الانفراج السياسي في المشهد الوطني على ضوء نتائج الحوار الذي تم توقيعه قبل عدة أسابيع، تصورت كل شيء إلا أن تكون مبادرة جدية تسعى بالفعل إلى تحقيق ما تعلنه من أهداف.

لأن السيد مسعود ولد بالخير قد خرج لِتَوٌهِ مزْهوًا بنشوة النجاح  في حوار بين المعارضة الأغلبية، لَمَا يجف بعدُ حبر توقيع إعلان نتائجه، والعمل جارٍ على قدم وساق لتنفيذ مضمونه الذي طال تغييرات دستورية وقوانين نظامية وتشريعية وإجراءات عملية شملت تشكيل لجنة مستقلة مكلفة بالإشراف الكامل على الانتخابات ..

وفي الوقت الذي سمعنا السيد مسعود نفسه يردد، باستمرار، أن الحوار قد استوفى كامل غاياته، وأنه يرفض الدخول في أي حوار آخر جديد.

مما حَفَ هذه المبادرة بهالة كثيفة من الغيوم، وبعلامات استفهام عريضة حول دوافعها وملابساتها وخلفياتها وأهدافها الحقيقية، والنتائج التي يمكن أن تؤول إليها..!!

بدرجة أن الأطراف السياسية والمدنية والنقابية التي سعى السيد مسعود  إلى حشدها، لم تحملها على محمل الجد، بل ما سمعناه من نقاشات وتحليلات توقعت منها أن تضيف سببا آخر إلى جهود تَأْزِيم الساحة السياسية، بدلا من أن تكون جزء من وسائل انفراجها.

 حتى الجهات والشخصيات الذين حاولوا ركوبها، لم  يتَحَلَوا ـ حيالها ـ بما يكفي من الوضوح والاعتبار، بل ظهروا كما لو كانوا يلعبون على حبال متحركة، لاستدراج صاحب المبادرة ودحرجته في اتجاه منطقة اللاعودة.

لقد أصابت بالفعل النخب السياسية جميعا، بإرباك شديد، لا النظام ولا أغلبيته وحدهما، ولا كتلة المعاهدة المحاورة التي كان، يومئذ، يرأسها هو نفسه، وإنما طَمَرَتْ  مفاجأتها أحزاب منسقية المعارضة أيضا، وكانت أشد الناس قنوطا من أن يقبل السيد مسعود فتح حوار جديد،أحرى أن يكون هو من يطلبه وبهذا المستوى من ارتفاع السقف.

إن مطالبة رئيس منتخب بأن يوقف تنفيذ برنامجه الانتخابي ويعطل خطواته الإصلاحية ومشاريعه التنموية، وأن يسلم مسؤولياته وصلاحياته الممنوحة له بالدستور وبالقوانين، لحكومة غائمة الشكل والمضمون، مفككة الأوصال،عائمة على بحر من التناقضات، وأن يتنازل لأطراف نافسته في انتخابات اعترفت هي نفسها بصحة نتائج فوزه فيها، هو أمر لا يخلو من التعسف  والحيف السياسي البين، ولا ينم  عن توفير ما يلزم في مثل هذه المبادرات  من مقتضيات التأمل والتروي والتَحَوٌط والمصداقية..

خاصة أن ذلك يقع على بعد مرمى حجر من انتخابات برلمانية تجاوزت مقاعد لوائحها النسبية 55.7 %، وعلى وشك انقضاء مأمورية رئاسية بدأت تشرئب الأنظار إلى استحقاقاتها التالية..

إن تشكيل حكومة وحدة وطنية الذي تقترحه المبادرة، لو افترضنا سلامته نظريا،  فإنه لا يعني بالضرورة حل الأزمة السياسية المزعومة، إذ  ما زال الجميع يتذكر نتائج "حكومة الإجماع الوطني" منتصف 2009 التي منحت المعارضة الوزارات الأكثر تأثيرا في الانتخابات، وزارات الداخلية والإعلام والمالية والدفاع، إلى جانب رئاسة اللجنة المستقلة للانتخابات مع تقاسم أعضائها بالتناصف.ومع ذلك سرعان ما حاولت المعارضة  مسح الطاولة على ما ترتب من نتائج على تلك الانتخابات التي قادتها تلك الحكومة الموحدة و أشرفت عليها تلك اللجنة الانتخابية المشتركة. وليس خافيا ـ وفق معطيات الواقع ـ  أن حكومة مبادرة السيد مسعود المقترحة لن تكون أفضل مما كان متاحا في تلك الحكومة السابقة.

خاصة أن الأطراف المستهدفة سبق أن رفضت ـ بمعاذير غير منطقيةـ حوارا وطنيا تمت دعوتها إليه، وأخذت ـ بدلا منه ـ تدعو إلى ترحيل النظام بالقوة، وأصدرت ـ بعد الحديث عن هذه المبادرة بالذات ـ ميثاقا تعهدت فيه بالامتناع عن المشاركة في أي حوار مع النظام لا يفضي إلى رحيل النظام نفسه.

إن علينا أن نكون أكثر وضوحا، وأن نعترف بأن التجاذب الجاري لا يعتمد ركائز ديمقراطية سليمة، و المطالب الديمقراطية المرفوعة لا تعبر عن تفكير ولا عن سلوك ديمقراطي قويم، بل تكشف عن عرج شديد في المنطق الديمقراطي المحرك.

إن المنطق السليم هو أن يقبل المتنافسون مقتضيات الخسارة الانتخابية، وأن يذعنوا – بروح رياضية -  لحكم الأغلبية الفائزة ديمقراطيا، بما يعنيه من حق  اختيار الحكومة،  ومن اعتمادها  تسييرا  يتناسب مع البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والانتخابي للفائز ، وبما يعنيه في الجانب الآخر من ضرورة تحمل الخاسرين مشقة الجلوس في المقاعد الخلفية إلى حين انقضاء المأمورية الجارية،دون أن ينقص ذلك شيئا من حقهم في أن ينتقدوا وينتقدوا ..لكن بالأسلوب الديمقراطي وتحت سقف الأقلية في مواجهة الأكثرية.

أما أن يقف الخاسرون في الانتخابات الرئاسية، الأقلية في البرلمان،ليقولوا للرئيس المنتخب ولأغلبيته البرلمانية والسياسية،عليكم أن تقبلوا شروطنا باتباع تسيير متفق عليه ، وتعيينات إدارية وسياسية مجمع حولها، وإلا فعليكم أن ترحلوا. أو أن يقولوا :  لن نشارك في أية انتخابات ما لم يتم تغيير الحكومة،وإلغاء اللجنة الانتخابية السابقة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ولجنة انتخابية جديدة، فالواضح أن في ذلك دلالا باذخا وغنجا سياسيا فاحشا، قد لا يكون لضمان إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، إنما لئلا تجرى تلك الانتخابات أساسا .

إن تظاهر أطراف سياسية  بالتشبث بمبادرة السيد مسعود  ولد بلخير بعد ما أبانت عنه من هنات سياسية وتكتيكية، وبعد إعلان اللجنة المستقلة للانتخابات عن موعد الاستحقاقات القادمة يعني عمليا محاولة تأخير تنظيم الانتخابات في الآجال التي اقترحتها تلك اللجنة، وهي محاولة كانت متوقعة من تلك الأطراف التي يبدو أنها تتخوف من مواجهة الناخبين، ومن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع،ولن تفتأ تضع المتاريس والعراقيل في وجه إجراء أي انتخابات قد تكون قاتلة بالنسبة لها..

لكن الأمر الذي لا أتوقعه ولا أتمناه، أن يظل خافيا على السيد مسعود ولد بلخير أن الأوان قد حان لأن يعلن بشجاعته المعروفة تعليق مبادرته، والشروع في متابعة التدابير العملية اللازمة لإجراء الانتخابات في الآجال التي اختارتها اللجنة المستقلة للانتخابات باستقلالية ومسؤولية..

محمد الأمين/ الفاضل

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122