من أبطال المقاومة:الشهيد أحميدي بن الصديق/ الشيخ ولد أحمدو

2013-03-07 09:34:00

ميزت حركة المقاومة الوطنية تاريخ هذا البلد خلال النص الأول من القرن العشرين ، بعد اجتياح الجيش الفرنسي لبلادنا ، حيث تصدى له أبناء هذا الوطن ، رغم الظروف الصعبة التي يوجد فيها آنذاك ، والتي من أمثلتها :

.

انعدام سلطة مركزية تحكمه ، وعدم تكافؤ القوة المتحاربة ، فالجيش الفرنسي جيش نظامي مدرب خاضع لقيادة مركزية ، يستعين ببعض أبناء هذا الوطن ، ويستخدم أسلحة متطورة بعيدة المدى .

في حين تفتقر المقاومة للسلاح المتطور والتدريب والقيادة المركزية إلخ..

ورغم كل ذلك وقفت المقاومة الوطنية المسلحة أكثر من نصف الفترة الاستعمارية في وجه الاحتلال الفرنسي ، وهكذا من سنة 1902 لم يستطع الاستعمار إسكات هذه المقاومة حتى سنة 1934 .

وقد برز زعماء وأبطال لهذه المقاومة ، كما قدمت مئات الشهداء ، ومن هؤلاء يبرز الشهيد الفقيه الشاعر أحميدي بن الصديق بن المقري الذي نتناوله اليوم في هذه اللمحة من خلال محورين هما : حياته و جهاده .

المحور الاول : حياته  

أولا : مولد ونسبه

وُلِدَ أحمدو (أحميدي) في منطقة ما من أقليم الساحل 1868 ، من أبيه الصديق بن المقري بن عبد الله بن محمذن بن بحبين الذي يرفع نسبه إلى إبراهيم الأموي المنتمي لعمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس.

وإبراهيم الأموي هو أحد الأربعة الذين أتى بهم أبوبكر بن عامر في عودته الأخيرة من مراكش سنة 465 هـ ، حيث كونوا المدارس الأولى في هذا البلد بعد مدرسة عبد الله بن ياسين ، لكن فرعا من أبناء ابراهيم الأموي (الركاكنه الذين من ضمنهم أهل بحبين) استقر في أبناء عمر بن تاشفين (تندعه الحاليين) ،  ابتداء من سنة 1303 م[1] . وذلك ما عبر عنه الشيخ كلاه بن صلاح بن المقري بقوله :

من خامس الأمراء العز يصحبنا إرث
 

 

وتورثه الغر التشافين[2]
 

 

أمه مريم بنت غالي الحبينية البحبينية .

ينحدر أحميدي  من أسرة علم وولاية وصلاح ورئاسة ، فجده المقري شاعر ورئيس في قومه من شعره أنظر الملحق رقم 1 وكذلك جده عبد الله بن محمذن ولي صالح كانت له قافلة تجارية وعلمية نحو الشمال وربطته روابط عديدة بأمراء جنوب المغرب وربما السلاطين الذين عاصروه آنذاك وخاصة مولاي اسماعيل كما عًِرف محذن وبحبين أيضا بالولاية والصلاح والمعرفة.

أخوه أبي فقيه وشاعر أنظر الملحق رقم 2.

أبناء أخيه : أحمد حامد ومحمدن فقيهان شاعران لكل منهما ديوان شعري.

عمه صلاح بن المقري شاعر انظر الملحق رقم 3.

ابن عمه الشيخ كلاه عالم وشاعر وشيخ محظرة وطريقة صوفية ومجاهد سجل الكثير من بطولات المقاومة بروائع من شعره وله كتب في الجهاد والحث عليه ، منها  ربيئ الخميس إلى مولاي ادريس.

عم والده بيان بن عبد الله عالم ، وهو الذي يمدح العلامة المؤرخ المختار بن حامدن حيا من أبنائه منوها بميزتهم العلمية حيث يقول

بقربنا من بني حبين حيان
فيهم قضاء لبانات وعندهم
والحكم إن عز يوما من يبينه  
 

 

وثالث كلهم أصحاب إحسان
ما يبتغي الضيف من لحم وألبان
فالقوم يوجد فيهم خير بيان[3]
 

 

ففي هذه البيئة إذن ولد أحميدي وتربي وعاش.

ثانيا أسرته

تزوج رقية بنت حماد المحمذنية البحبينية من أسرة علم ورئاسة وثراء لم ينجب منها إلا بنتا ماتت وهي لا تزال صغيرة ، فهو لم يعقب بشريا ، لأن حياته القصيرة استغرقتها الدراسة والجهاد ، ولكنه عقب ذكرا طيبا وحياة حافلة بالعلم وأعمال الخير والجهاد.

ثالثا دراسته

تعلم القراءة على جدته التي احتضنته بعد وفاة أمه كما حفظ القرآن على صاحب المحظرة القرآنية المشهورة في الساحل آنذاك ، محظرة عبد الله (أمه)  بن بابي المحمذني البحبيني[4] كما درس العقيدة على أخيه أبي بن الصديق والسيرة والنحو على العالم النحوي الشيخ ابن بَيِّي الحبيني البحبيني كما درس الفقه واللغة على العالم التندغي الفودي المصطفى بن أحمد ال براهيم المعروف بالفقيه.

أما دراسته الخارجية ، فقد ارتحل صحبة بعض أقرانه (عصره) إلى محاظر أهل محمد بن محمد سالم في إنشيري وآمساقه وآدرار  حيث قضى في محاظرهم ست سنوات ، معمقا دراسته في علوم شتى على أحمد وعبد القادر أبني محمد بن محمد سالم[5].

ويروي لمرابط بن أحمد حامد في كتابه الآنف الذكر عن جدته آمنة بنت حبيب الله بن محمد بن محمد سالم أن أحميدي لما أكمل دراسة مختصر خليل على عمها عبد القادر، نحر ناقته للتلاميذ احتفاء بالمناسبة ، وأنها هي أكلت من لحم تلك الناقة.

كما يذكر الطالب أخيار بن الشيخ مامينا أن أحميدي درس على الشيخ ماء العينين.

رابعا نماذج من آثاره       

كان احميدي عالما وشاعرا ومؤلفا ، يقول الشعر في مختلف الأغراض : المديح ، الفخر ، الغزل ، الأنظام الفقهية ، والجهاديات ، ومن شعره :

في الغزل

 لعمري وما هذا اليمين مضيع
ولم يك من قول المبالغ في الهوى
وأنشد فيها الحال لما بدت لنا
جزى الله يوم الروع خيرا لأنه   
 

 

ولم يك قولا كاذبا غير ثابت
لعُلِّقْتُ أم الخير ليلة غارتي
عوارضها كالدر سود المنابت
أرانى على علاته أم ثابت 
 

 

وفي المدح

نقتطف أبياتا من إحدى المقطوعات التي يمدح بها الشيخ ماء العينين والتي أوردها الطالب أخيار بن مامينا في كتابه الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي[6] وهي :  

أبحر تستقل له البحور
ويا غيثا يسح على العوافي
وهادي للأنام على هداه
ويا ماء العيون وإنس عيني
 

 

ويا قطبا رحاه به تدور
وقاض لا يميل ولا يجور
إذا ما قد تشابهت الأمور
ومن للعين منظره سرور
 

 

 

وفي الجهاديات

تلامذَ الشيخ ما عيني وإنسان
ويومَ تَنْضُبَةِ القَيْناتِ حسبكم
ووقعتان لدى المينان مِثْلُهُما
تبارك الله ما شاء الإله ولا
باء العدو به طرا وبأسُهمُ
فالضرس قد قلعت كُلاً ومِدفعه
فنحمد الله حمدا لا يوازنه
 

 

لله دركم ليوم دامان
ما قد توارد من شيب وشبان
ما ريئ قط ولم يُذكر بذا الشان
ضر الحسود وردت عين معيان
له من الذهب الإبريز ضرسان
ذاك الحسين أتى من غير بهتان
شيء ونشكر في سر وإعلان    
 

 

وهو يشير بالضرس إلى النقيب الفرنسي مانكان الذي قتل في معركة المينان والذي كان يعرف عند البيظان ببضرس حيث كانت له ضرس من الذهب. 

ويضيف الطالب أخيار أن الشيخ الولى بن الشيخ ماء العينين الذي شارك في تلك المعركة احتفظ بتلك الضرس حتى أرسلها لوالده في اسمارة[7] .

في الأنظام الفقهية

اعلم بأن الوقف مهما رجعا
ثلاثةٌ وهي المشاركةُ في
بين النسا و العاصب التساوي
ومنع التشريك بُعْدُ النسوة
فلتنظروا يا أيها الثقاتُ         
 

 

فيه من الأقوال عند من وعى
ضيق وفي السَّعَةِ مهما قد يفي
في القعدد الواحدِ عند الراوي
كَبُعْدِ عاصب بغير السَّعَةِ
بنان عند قُدِّم البنات[8]
 

 

التآليف

من تآليفه كتاب : منسحب الذيول على ما يفضل به الفاضل المفضول وهو كتاب من مقدمة نثرية طويلة وأرجوزة أورد منها لمرابط بن أحمد حامد 72 بيتا ، والذي أعد دراسة نقدية لهذا الكتاب .

إن كتاب منسجب الذيول عبارة عن سجل للأخلاق الفاضلة والشيم الحسنة والحث على الصبر والتغاضي عن زلات الناس وذكر الشيم الحسنة لمحيطه الاجتماعي.

خامسا : دوره السياسي والاجتماعي

لقد كان أحد الأعضاء المؤسسين لأقران (عصر) أيت أربعين في قبيلته ، وقد عرف هذا العصر بأنه مجموعة من فطاحلة العلماء والشعراء والسياسيين حيث لعبوا أدوارا مهمة في هذه المناحي ، فكان لهم التأثير الكبير في محيطهم الاجتماعي وعلاقات متنوعة مع الأمراء وقادة وعلماء القبائل الأخرى.

وباختصار كانوا المحرك لجل الأحداث التي مر بها محيطهم الاجتماعي أثناء تزعمهم لذلك المحيط ثم انخرط كثير منهم في المقاومة العسكرية والثقافية للإستعمار الفرنسي[9].

وهكذا هاجر احميدي صحبة العديد من أقرانه (أيت اربعين) إلى الشيخ ماء العينين اثناء مقاومتهم للاستعمار الفرنسي يذكر منهم الشيخ الطالب اخيار إلى جانب أحميدي :

-      العلامة محمد آب بن حبيب البحبيني

-      الشاعر المجاهد أحمدو بن أمه " 

-      آب بن عبد الإله الحبيني البحبيني توفى 1357 ودفن في آيت ارخا.

ونضيف إلى ماذكره الطالب أخيار :

-      الديمان بن أحمدو عالم وشاعر

-      الصديق بن كاشف شاعر .

-      والد بن صلاح فقيه وشاعر.

-      القاضي محمدن بن أبي من عصر (لفيال) عالم وشاعر ... إلخ

 

سادسا :  نماذج من أمداحه ومراثيه

-      الشعر الحساني

يمدحه سيديا بن هدار بقوله

مان كاع اتليت
يحميدي مريت

ماه محتاج
لطامع لاج
وانت على ج

أعطيت امن المال
واعطيت آزوزال
واعطيت ام اشمال

مركن ذ الضيق
أبمركوب إيليق
يول الصديق               
 

 

لاه نفتر
كيفك بشر

لعت أفراج
مفيه ور
ناح سفر

أفحل ما يسال
ماه بالشر
واعطيت المر

يالساس الوثيق
هذا خبر
ول المقر 
 

 

-      الشعر الفصيح

مدحه الكثيرون ولكننا نكتفي بذكر أبيات من ارجوزة للشاعر الفقيه أبوه ولد أحمدو بن كاشف  يتعرض فيها لأخلاقه وشيمه مطلعها:

الحمد لله االذي قد فضلا         
 

 

في فضله بعض عباده على
 

 

إلى أن يقول

وبعد فإني قد سمعت من أبي
أحمد خاله وقد قيدتها          
 

 

وغيره بعض مناقب الأبي
للضبط ثم بعد قد نظمتها
 

 

إلى أن يقول

فتوة احميدي السري نجل السري         
 

 

جدته بانت لها في الصغر
 

 

وهي أرجوزة طويلة.

من مراثيه نقتطف أبياتا من قصيدة يرثيه بها العلامة حبيب بن أبي بكر البحبيني والد صديقه ورفيقه في الجهاد محمد آبه بن حبيب:

يقول

من للسييادة في الدنيا قد انتقلا
نجل الصديق فريد العصر حاتمه
جمِ المحامد لا تحصى فضائله         
 

 

إلى الشهادة نعم ما له نقلا
الحامل الكل والأعباء والثقلا
جزاه بارئه فردوسه نزلا
 

 

إلى آخرالقصيدة



[1]- الشيخ بن أحمدو : نماذج من التوضيح الأبهى في سيرة أحمد زروق بن بلها ، تحقيق يتضمن لمحة تاريخية جزئية عن الأرض و الأعلام والحياة العلمية والسياسية في إقليم الساحل ،الطبعة الثانية  دار الكتاب 2008 ، انواكشوط .

[2]- نناه بن أحمد حامد : دراسة وتحقيق في ديوان الشيخ كلاه ، 1986 انواكشوط

[3]- الشيخ بن أحمدو : نماذج من التوضيح الأبهى ، مصدر سبق ذكره.

[4]- الشيخ بن أحمدو : أعلام من ساجل المرابطين ، الجزء الثاني ، الكتاب الأول ، ص .... 1991 انواكشوط

[5]- لمرابط بن أحمد حامد : دراسة وتحقيق عن أحميدي بن الصديق ، 1986 ، انواكشوط

[6]- الطالب أخيار بن الشيخ مامينا : الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي الجزء الأول ، ص 201 الطبعة الأولى 2005 مطبعة بني أزناسن ، سلا ، المغرب .

[7]- الطالب أخيار بن الشيخ مامينا ، مصدر سبق ذكره ، ص 202 .

[8]- لمرابط بن أحمد حامد  ، مصدر سبق ذكره ، ص 22 .

[9]- الشيخ بن أحمد : أعلام من ساحل المرابطين الجزء الثاني ، الكتب 1 و 2 و 4 مصدر سبق ذكره.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122