مسعود ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية وزعيم حزب التحالف الشعبي التقدمي، هو رجل وطني بامتياز، اختلفت معه أو اتفقت؛ فلا أظنك تستطيع في أي من الحالتين نزع تلك الصفة عنه.
.هكذا بدا لي ولد بلخير رجلا يستحق علينا أن نعترف له بذلك وأن نعلنه؛ رغم عدم رغبتي في الإشادة بالأشخاص المرتبطة بنفوري الشديد من مهاجمتهم؛ لأسباب ليس هذا مجال بسطها.
لكن عندما تبين أحوال أي منا عن صدق إيمان بهذا الوطن؛ وحب له، وحرص على مصالحه؛ فلا يكون الصمت عن الثناء عليه إلا تعبيرا بينا عن لا وطنية الصامتين.. وقديما قيل: "من لا يشكر الناس لا يشكر رب الناس"!!
لقد قرأت مبادرة الرجل لتحقيق وفاق وطني في بلادنا؛ فأسرتني نبرة الصدق والوطنية الجياشة، والشعور الكبير بالمسئولية اتجاه هذا الوطن ومصالحه واستقراره وسلامته، التي ظلت طاغية على لغة المبادرة من أول صفحاتها إلى نهايتها.
ثم بهرني وعي هذا الرجل العميق لصعوبة بلوغ الهدف الذي يتطلع إليه، ولوعورة الطريق الذي يسير عليه، ولما بثته الخلافات السياسية من ألغام على أطرافه وجنباته؛ فكان ذلك الحرص الشديد على تجنب إثارة أي طرف أو تنفيره، لكن دون أن يتردد في تحميل كل الأطراف مسئولياتها؛ فبدا بحق كالذي يحاول إصلاح ذات بين "أطفال إخوة قصر" لا يحتمل الواحد منهم أن يتحمل سماع كلمة إطراء في حق خصمه دون أن يسمع كلمتي إطراء في حقه هو، ولا يقبل أن يوجه إليه نقد دون أن يوجه ضعفه لخصمه، وإلا اعتبر هذا المصلح منحازا ضده.!!
وإنها لمهمة عصيبة لو تعلمون...
ومع ذلك فقد صدق الرجل في النصح، وأخلص في المحاولة؛ سواء رأينا أنه وفق في رسم السبيل الأمثل لبلوغ ما يصبو إليه، أم أنه جانب الصواب في ذلك.
لم أجد في مبادرة الرجل ما يستدعي كل ذلك "الابتزاز اللاأخلاقي وغير المسئول" في حق الرجل عندما "يجتهد" متحاملون كثر في البحث عن أسباب "شخصية وذاتية" لتقديم مسعود مبادرته من قبيل: تقدمه في السن، وقرب تقاعده، ووقوف سقف طموحاته عند حد رئيس الجمعية الوطنية، وبحثه عن نقطة ارتكاز قوية تخرجه مما يحسبونه ورطة وضعه السياسي بين "منسقية المعارضة" و"الموالاة"؛ "لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء"... حسب ما يزعمون..
بينما كان الأجدر بنا أن نركز على المعطيات الموضوعية في المسألة، وأن نفصلها تماما عن أي بعد ذاتي لن يقود سوى إلى تعميتنا عن رؤية وقراءة مبادرة الرجل بشكل موضوعي: دون تدليس ولا "تبليس"..
ولو فعلنا ذلك لوجدنا أمامنا مبادرة واقعية ومسئولة تأسست على إدراك حقيقة واقع موضوعي، وطمحت لتحقيق هدف يفرض علينا ذلك الواقع أن نعمل من أجل بلوغه؛ وبأي ثمن..
- أما الواقع؛ فهو حال التصدع والتمزق والريبة الشديدة التي أصبحت تتحكم حتى في "لا/وعي" نخبتنا السياسية، وفي قطبيها الأساسيين: المعارضة والموالاة..
- وأما الهدف؛ فهو أولا تجنيب هذه النخبة المزيد من التمزق وانعدام الثقة؛ ثم ثانيا إعادة بناء جدار الثقة بينها وصولا لتحقيق توافق وطني؛ خدمة للوطن والدولة والمجتمع؛ وليس بالضرورة خدمة لمصالح تلك النخب التي لا يبدو أنها ترى أدنى علاقة بين مصالحها وطموحاتها هي وبين المصالح العامة لبلد تصر على التطاحن من أجل الاستفراد بزمام التحكم فيه!!
ذلكم هو جوهر مبادرة الزعيم مسعود ولد بلخير وحزبه والنخبة التي معه (حسب فهمي على الأقل)؛ أما فكرة الحكومة الموسعة التي دعا إليها؛ فهي وسيلة وليست غاية، وشكل لا جوهر؛ حيث رآها صاحب المبادرة وسيلة موصلة إلى هدف.. وعلى باقي الشركاء والأطراف الأخرى أن تحدد موقفا صريحا من منطلق المبادرة وغايتها (ومن غايتها تحديدا وبشكل خاص)؛ فإن رأتها غاية وطنية تستحق النضال من أجلها؛ (ولا أظن أحدا يشكك في ذلك؛ وإن وجد فلا أظنه يجرؤ على الجهر به) فإننا نكون قد قطعنا نصف الطريق على طريق تحويل المبادرة إلى مشروع لتحقيق وفاق وطني عريض.
نقول ذلك؛ لأنه لم توجد مبادرة من هذا القبيل تطمح إلى أن يتم تبنيها بكل مفرداتها وجزئياتها ومقترحاتها العملية، بل يكفيها أن تلفت انتباه المعنيين بها إلى هدف مشترك يستحق أن يسهم الجميع في العمل على تحقيقه.
وإذا كان الهدف الأسمى والأساس لمبادرة مسعود هو إعادة "تطبيع" الحياة السياسية غير الطبيعية في بلدنا الآن؛ فإنه لا مشكلة كبيرة إذا رأى هذا الطرف أو ذاك أنه لا ضرورة لتشكيل حكومة موسعة؛ أو أن مثل هذه الحكومة لن تكون هي السبيل الأمثل لتحقيق الوفاق الوطني، وبالتالي فإنه يفضل طريقة أو سبيلا آخر للوصول إلى نفس الهدف المجمع على ضرورة تحقيقه.
غير أنه لن يكون من المقبول القول بانتفاء المشكل من أساسه، أو إن هدف الوفاق الوطني المساعد على تنظيم انتخابات مرضية في طريقتها ونتائجها، هو هدف متحقق أصلا أو لا داعي للبحث عنه الآن!!
وبديهي أيضا أنه لا معنى للقول بوجود أزمة؛ ثم محاولة حلها بمزيد من التأزيم، كما لا معنى للقول بغياب وفاق سياسي وطني؛ ثم محاولة تحصيل ذلك الوفاق بزرع المزيد من أسباب الخلاف والتمزق من خلال الدعوة الصريحة (ليس فقط إلى إقصاء أحد الأطراف) بل إلى ترحيله عن المشهد الوطني كله (مطلب رحيل النظام)!!..
إذن؛ مبادرة مسعود هي تشخيص لواقعنا الوطني المشترك، وتحديد لهدف وطني مشترك، واقتراح لمنهج "خاص" لتجاوز الواقع الوطني غير المريح، وللوصول إلى الهدف الوطني المرغوب؛ فلم لا نتفق على التشخيص والهدف، ثم نتحاور على الوسيلة والأداة؛ وما أسهل الاتفاق عليها بعد ذلك...!!
مبادرة مسعود: في انتظار المفتقد؛ لا المفقود
تفرد مسعود بهذا الشعور الكبير بالمسئولية الوطنية والأخلاقية هو فرع صادر عن زعامة غير منكورة على مدى التاريخ السياسي الطويل والمضيء للرجل؛ لكننا نجزم أن ليس مسعود هو الزعيم الوطني الوحيد في هذا المجتمع الخير إن شاء الله؛ بل إن قيادات سياسية أخرى (موالية ومعارضة) لا تفتقر لصفة الزعامة الوطنية؛ وإن كنا افتقدنا تلك الزعامات في هذا الجو السياسي الممل والخانق، ونحن في انتظار أن تظهر لنا في أي وقت لتكمل ما بدأه الزعيم مسعود بمزيد من الانفتاح، ونكران الذات، والشعور بالمسئولية الوطنية، والتواضع إجلالا للمصلحة العامة، وتقديرا لشعب وبلد يستحقان علينا جميعا، وعلى القادة السياسيين تحديدا أن نتجرد بصدق من كل نزواتنا وغرورنا وعصبياتنا وأحقادنا، تقديرا لشعب يستحق التقدير..
وفي انتظار أن يزاح الستار عن وطنية زعماء آخرين، لا نملك إلا أن نسجل للزعيم مسعود شهادة متجردة إلا من صدق الصدح بالحق وتقدير الرجال، قائلين له شكر الله سعيك، ودمت ذخرا لوطن كنت دائما صريحا وجريئا في الدفاع عن قضاياه الكبيرة..