في مثل هذا اليوم من سنة 1984من القرن الماضي، عشت وأنا وزيرا للمالية والتجارة، تغييرا سياسيا أثر سلبا وعكس ما كنت أتوقع، على مجرى الأحداث في البلد، وحيث مازالت إنعكاساته تنسحب بعمق، على نمط التسيير السياسي والإداري حتى الآن. بعد مفاوضات شاقة دامت أكثر من خمس سنوات، مع البنك الدولي وصدنوق النقد الدولي، كان الأخير يصر فيها، بعون من الأول، على أن تقوم فيها موريتانيا بخفض قيمة عملتها، الأوقية، كشرط لأي دعم من هاتين المؤسسين المهيمنتين على مستوى الإقتصاد الدولي، والذي يعتبر دعمهما مدخلا لا غنى عنه لجلب أي إستثمارات خارجية، كنا يوم هذا الإنقلاب، قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى تفاهمات تفتح آفاقا لشراكة متوازنة بيننا وهذه المؤسسات المالية الدولية،شراكة تضع في الحسبان ولأول مرة إستقلالنا النقدي، المدعوم بثرواتنا الطبيعية المتنوعة والثمينة. كنا قد تسلمنا رسالة من البنك الدولي، تنص على مبدأ تفاهمات على الخطوط العريضة للتفاق تفاوضنا عليه مدة تزيد على شهركامل. أما صندوق النقد الدولي فكان ممثله في فندق صباح يعد رسالة مماثلة، كان من المفروض أن يقترح من خلالها نسبة تخفيض سعر الأوقية بالنسبة للدولار، حيث كان وقتها سعر هذا الأخير لا يتجاوز خمس وأربعون أوقية. وكان الرئيس هيداله يوصينا في المطار وهو متجها إلى بوجنبورا أن لا نقبل فوق 70 أوقية مقابل الدولار الواحد. لكنه وبعد تشكيلة الحكومة الجديدة وبعد ما اتضح ضلوع النظام الفرنسي في التغيير، غادر المفاوضون راجعون إلى واشنطن. ورجعت المؤسسات الدولية إلى شروطها القديمة، ثم توالت الإنعكاسات السلبية من خوصصة للمؤسسات الوطنية، من إرتفاع في الأسعار وارتفاع في مؤشر البطالة وانخفاض مذهل في قيمة العملة الوطنية.....وهذا لا يعني أن الحالة العامة للبلد كانت وقتها كما يرام،لكنها في جوانبها الإقتصادية والإجتماعية كانت أحسن مما صارت بعدها.ويتجلى ذالك بوضوح في مستوى أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، وفي قيمة العملة الوطنية التي كانت تباع بسبعة عشر أوقية مقابل الفرك الفرنسي (الذي هوالآن بمثابةالأورو)، وخمسة وأربعين، مقابل الدولار الواحد وخمسة عشر ألف افرك إفريقي مقابل ألف أوقية.