إلى أين نتجه بعد الاجتهاد والارتجال؟ قراءة ناصرية في الواقع السياسي والوطني..: قاسم صالح

2025-09-18 15:06:48

تواجه الدولة الوطنية العربية، ومنها موريتانيا، سؤالا مصيريا إلى أين نتجه بعد مرحلة الاجتهاد والارتجال؟ 

هذا السؤال ليس مجرد تساؤل تنظيري، بل هو تعبير عن أزمة بنيوية في مسارنا السياسي والاجتماعي، حيث تتأرجح التجارب الوطنية بين اجتهادات فردية صادقة تسعى للإصلاح، وارتجالات سياسية متسرعة تبقي الدولة في دائرة التبعية والتجريب.

 الاجتهاد الوطني كطاقة معطلة عن سيقها التنموي في هذا المجتمع، فالاجتهاد في السياق الوطني يمثل محاولات الأحرار والمصلحين لإيجاد حلول لمعضلات الفقر والتهميش والشرائحية. لكنه ظل في معظم الحالات مبعثرا، غير مؤطر برؤية وطنية جامعة. في هذا السياق نتذكر مقولة جمال جمال عبد الناصر (إن أخطر ما يواجه الأمة هو أن يتحول النضال إلى مبادرات فردية معزولة عن الجماهير)، وهي المقولة التي تفسر لنا سبب ضياع كثير من الاجتهادات الخلاقة في مجتمعاتنا حين غاب عنها البعد الجماعي والتنظيمي.

الارتجال السياسي كمعول هدم

 فهو الوجه الاخر للأزمة الوطنية. ففي غياب مشروع قومي أو وطني طويل المدى، تصبح القرارات رهينة اللحظة، أسيرة ضغوط خارجية أو صراعات داخلية. وهكذا تدار الدولة بمنطق (إطفاء الحرائق) لا بمنطق بناء المستقبل. والنتيجة إعادة إنتاج الفقر والجهل والتبعية. لقد أدرك جمال عبد الناصر هذه المعضلة مبكرا حين شدد على أن (الثورة ليست قرارات مرتجلة، بل بناء متدرج على أساس رؤية واضحة لمستقبل الأمة)

نحن اليوم أمام مفترق خطير

إما الاستسلام للارتجال، وهو ما يعني تفكك الدولة الوطنية، وضياع أي أفق للتحرر والتنمية.

أو تحويل الاجتهادات الفردية إلى مشروع وطني جامع، يستلهم التجربة الناصرية في العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، ويعيد الاعتبار للدولة كأداة تحرير وبناء، لا كغنيمة بيد النخب.

المشروع الناصري يقدم نموذجا لكيفية الانتقال من الاجتهادات المتفرقة إلى رؤية قومية متكاملة، حيث تتحول الإرادة الشعبية إلى مؤسسات، والطاقات الفردية إلى قوة جماعية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

إن تجاوز ثنائية الاجتهاد والارتجال لن يتحقق إلا عبر إعادة التأسيس الوطني، المستند إلى قيم التحرر والوحدة والعدالة. هذه القيم التي رفعها جمال عبد الناصر لا تزال صالحة اليوم لتكون بوصلة في مواجهة التبعية والتمزق، ولتوجيه بوصلتنا نحو مشروع وطني جامع. فإما أن نستمر أسرى ارتجال سياسي يبدد الاجتهادات الوطنية، أو نرتقي إلى مشروع استراتيجي يعيد للأمة روحها ويمنح الدولة معناها الحقيقي.

قاسم صالح

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122