هل النظام السياسي الموريتاني: عسكري، أم تجاري ؟ / - إشيب ولد أباتي

2023-06-06 09:39:46

في هذا اليوم، وحوالي الرابعة بعد الظهر   الموافق لل( 03  /06/ 2023م.)، وصلتني رسالة من أحد الزملاء، ذكر لي، أنه بعد قراءة مقالي بالأمس تحت عنوان(( لمن الحكم اليوم: لله، أو لغيره))،  حصل نقاش مع زملائه على أساس الفقرة التي ذكرت فيها أن " النظام عسكري"، وأن هذا التوصيف حمله بعض القراء من زملائه على التعبير عن رفضي للنظام السياسي على أساس تفضيلي للنظام المدني عليه..

 بينما كان الزميل بحكم معرفته بي، قد اختلف معهم في القراءة، لأن التوصيف في تقديره  لرأيي ، كان على أساس استنطاق خصائص النظام، وليس تعبيرا عن موقفي الشخصي منه، لأن الباحث تنتهي مهمتهتجاه القراء  عند  تقديم الظواهر بصفاتها،او خصائها القائمة، او بالعوامل التي ساعدت على ظهورها، واستمرارها، وليس من مسؤولية الباحث الموضوعي، تقديم موضوعات كتاباته خارج الوصف الخارجي، او التحليل، والاستنتاج بدلا من التقييم المعياري الايديولوجي، سواء منه المعارض، او الموالي للنظم السياسية...

لماذا توصل زميلي- ع. س - إلى هذا التفسير؟

 لأنه: عرف من نقاشنا المفتوح  مدى احترامي، وتقديري للانظمة العسكرية خلال تاريخ الأمة النضالي منذ منتصف القرن الماضي، الأمر الذي يفترض أن التوصيفى، إنما يعكس مظاهر النظام السياسي القائم.. 

وأضيف على ما نقلته عنه، أني افضل الانظمة العسكرية على المدنية نظرا لنجاح الاولى في إنجاز الكثير من مطالب الاستقلال الوطني بقيادة حركات التحرر العربي، والافريقي معا، وبالتالي إقامتها  للأنظمة التقدمية، واكثر من ذلك، تقديمها لمشاريع النهضة، والتقدم الاجتماعي، بناء  على مطالب الواقع المجتمعي، كالاصلاح الزراعي، والتركيز على التعليم، وجودته، وتعميمه، واعطاء الأسبقية للديمقراطية الاجتماعية - بدلا من تدمير الانظمة بالدمقراطية السياسية العمياء -  في ابعادها الاجتماعية، كتقسيم العمل في مجتمعات عشائرية، ومنقسمة إلى تجمعات قروية، وأخرى حضرية،  الأمر الذي يفرض برامج لمواجهة مشاكل هذه المجتمعات، بما هو حل لمشاكلها الخاصة المتميزة بها عن  المجتمعات الطبقية في الغرب الذي ركز  مفكروه على حقوق كل من الطبقة المتوسطة، والراسمالية، والعمالية، والعمل على تقديم حلول وفق الايديولوجيتين الليبرالية، والاشتراكية،، ولم يتورع المنظرور الأوروبيون عن التحيز غير الموضوعي، لإحدي الطبقات الاجتماعية على حساب غيرها..

بينما المنظرون العسكريون العرب، والافارقة، وفي امريكا الجنوبية، وآسيا،  طرحوا -  كما فعل جمال عبد الناصر - ضرورة التعايش السلمي، والعمل على تذويب الفوارق، وذلك وفق تقسيم عمل جديد، لتحقيق العدالة الاجتمعية بالرفع من حجم الانتاج، والتوزيع العادل، وفق الكفاءة، واختيار العنصر المناسب في المكان المناسب..

وهذا كان - ولا زال - يختلف بالمرة  عن التصورات الفكرية التي فسر بها علماء الاجتماع  -  دوركايم على سبيل المثال  -  قوانين العمل، كقانوني القرابة والدين، وتشكيلهما للعلاقات  الاجتماعية في التجمعات  القروية الأوروبية...

بينما في المراكز الحضرية،  حيث مجتمع الصناعة، والتجارة، والقطاع الإداري،  فسادت التخصصات، وقيمة الكفاءة  في المجتمع الصناعي الذي شكل  العلاقات الاجتماعية على أساس وظيفي، لا تغييري، إصلاحي.. 

وكانت العلاقات محكومة  بمتلازمات، بمعنى قوانين ضاغطة، كالتوازن، والتكيف، والتضامن..

وكما  في الاطروحات الاشتراكية، تم التركيز على  الصراع، وادوات الانتاج وقوى الانتاج في تفسير التطور  التاريخي، ودور الطبقة العاملة،  ووصم التحولات البشرية عموما بالنظرة السلبية  للتاريخ  ما لم  ينتقل الى  المرحلة الشيوعية المنتظرة.. !

أما العسكريون من   قادة الثورات التحررية، في الوطن العربي، وافريقيا.. كانوا قادة للنظم السياسية المستقلة، كما كانوا  علماء في الفكر السياسي التقدمي الذي تميز  بطابع الخصوصية الاجتماعية، والثقافية، والهوية الحضارية، ومن هنا استطاعوا خلال فترة وجيزة، استحداث التقدم الاجتماعي في سياسة  حرق  المراحل، وذلك لتجاوز التخلف إلى التقدم الاجتماعي، والثقافي،  والحضاري..

فالثوري" فرانس فانون" ركز على المجتمع القروي نظرا لاستعداد افراده في الانخراط في  قوة الثورة، وبناء النظام الاجتماعي وتشكيله من جديد  بالتحرير بدلا من   التركيز على الطبقة المتوسطة  المتعلمة  في المجتمع الحضري، ودور الطليعة الثورية المثقفة " الإلجينسيا " التي راهن عليها الماركسيون..

وقد ناهض " فرانس فانون"  الماركسيين  في المجتمعات اللاطبقية، كالجزائر، وبالتالي  مجتمعات العالم الثالث، لأن النخبة فيها غير مؤهلة لقيادة التغيير....    

                      2

فهذا الاحترام الذي استحقه قادة الثورات ضد الاحتلالات في الوطن العربي، وافريقيا، فرض على الباحث الموضوعي - باعتباري حصريا  باحثا اجتماعيا، لا معارضا سياسيا -  القراءة الموضوعية لفكر القادة في مجتمعات الأمة العربية،  وانصاف اطروحاتهم الفكرية التي قدمت حلولا عملية، والتركيز على ما تميزت به تجاربهم السياسية في التغيير الاجتماعي  العمودي السريع، بدلا من محاولة التغيير " الأفقي" البطيء الذي أسست له  الامبرياليات الغربية في اوطاننا، ثم  فرضت على انظمة التبعية، استيراد المؤسسات التشريعية  للنظم الليبرالية، والمفارقة المجهضة لكل هذه الجهود  المبذولة،  أن الاستعمار، لم يؤسس للنظم خلال كثير من قرنين من الاحتلال المباشر، وإنما خلف أنظمة  كالمواليد الشائهة، المعاقة، وهي حاصل مؤسسات النظم السياسية المحصورة في:

( ١) - مؤسسة الجيش،

 (٢) - والأمن الوطني .

وهما هيكل  الانظمة التي استقلت من دون ثورات تحريرية، واعادة بناء لأنظمة المجتمع، وقيادة التحولات بنظام  سياسي حداثي، وتحديثي...

  وفي المقابل،  بقيت مجتمعاتنا، ثابتة  في حلقات  بنائها الاجتماعي بكل ما فيه من مساوئ الفئوية، و التراتبية الاستثنائية في البناء الاجتماعي في هذا العصر التغييري..  ولن تتطور  التكوينات الاجتماعية   بالاحزاب القبيلية، والجهوية، والفئوية، لأن كلا منها، لا يعبر عن حراك سياسي تحديثي، ينشد التغيير، كما السابق قبل الردة التي حصلت في التحولات السياسية منذ سبعينيات القرن الماضي حتى الوضع الحالي الذي ساوي بين انظمة التخلف السياسي  في الاقطار العربية، والافريقية، فتسيدت الأحزاب العشائرية  ونفوذ الاعيان الذين، لا يبحثون الا  عن مصالح فئوية، أو قبلية، أو عرقية.

وكأن تشدقها  اليوم بطلب " الديمقراطية" كغاية، وليست وسيلة، هو الذي يشبع البطون الفارغة، وينور العقول الجاهلة، بل العكس هجرت الجموع، حملات الانتخابات الصورية نظرا لعدم جدواها في تحسين اوضاع المجتمع..!

وهنا بيت القصيد، لأن الحملات الانتخابية المطالبة بالتجديد الشكلي، والتمام الشرعية الاجتماعية، هي في مضمونها مطلوبة لتعليق المقاصد الخاطئة  لتقليب المطالب الاجتماعية، و تغييب الوعي المطالب بالاستقلال، وطرد  المستثمر الاجنبي، ومحاربة اقتلاع القطاع الخاص الطفيلي  للقطاع  العام، لأن الأخير يحرر الاقتصاد من  التبعية، ويعيد تأهيل المواطن بالتعليم، والتكوين المهني،، خلافا  للقطاع الخاص الذي ينحصر دوره في تكديس الأرباح في يد التجار، كمشرعي اليوم بعد الانتخابات الأخيرة، للديقراطية المستجلبة،  وافقار السواد الاعظم من المجتمع الموريتاني كمثال حي..

       لذلك بدأت مؤشرات الحروب الاهلية، وتعاظم خطب هجرة الشباب  الموريتاني بعد تغول  مشروعات " العولمة المتوحشة" في نظام التسعينات الى الآن..

إن النظام المدني في بلادنا، وغيرها في الوطن العربي واقطار افريقيا،  هي  انظمة تجارية تابعة، وتبعيتها طاغية على خطاب  السياسيين، وتسييرهم الإداري، وحيثما ارتفع الخطاب السياسي في المحافل الدولية، الا وسمع المواطن الموريتاني من رموز النظام السياسي تحديد مواقفهم من التبعية، ولذلك  تكرر في خطاباتهم رغم اختلاف وجهوههم، واتفاق نظمتهم في تلحين  مفهوم: " شركاءنا الدوليين" التي، تعني الأخذ بمطالب الشركاء ، وما يحقق مصالحهم في التربح، بمعنى استنزاف الثروات الوطنية، والاستثمار الذي، لا يعود على الوطن بالتمنية، ولا المواطن بتوفير فرص العمل، نظرا لتحكم المقترضين في تحديد نسبة الانتساب الوظيفي  للقطاعات الحيوية،  في حياة الفرد، والأسرة، والمجتمع، كالتعليم،، والقطاع الصحي، واستصلاح االاراضي، والزراعة..

والنتيجة - تحصيل حاصل،  كما يقول المناطقة -  بقاء، ديمومة  البلدان فقيرة، ومستدينة، ولا تنتفع من القروض في خلق مشاريع منتجة، بل تجارية، واستهلاكية...

                        3

واخيرا:

فهل نظامنا السياسي: مدني، او تجاري؟

ألم يكن عسكريا في شكله الخارجي، بتوزيع قادة الجيش على المناطق، وماذا يعني، أن  يصرح بذلك في وسائل الاعلام، ولم تبق خطة عسكرية  محاطة بالسرية؟

وماذا تعني الزيارات الدورية التي قام، ويقوم بها رؤساؤنا،  السابق منهم، والحالي للثكنات العسكرية، وتعلن فى وسائل الاعلام..؟

وماذا يعني تقديم قادة الجيش، وتهيئتهم لشغل منصب الرئاسة المحجوز حصرا لهم  في المستقبل المنظور خلال الانتخابات الرئاسية.. وذلك، حتى قبيل التقاعد من الخدمة الوطنية، كما جرى قبلئذ..؟!

وما الفرق بين لبنان الطائفي الذي اعطت فيه  فرنسا الامبريالية، الرئاسة حصرا للمارونيين، وليس ذلك  الاختيار، كان على أساس مسيحي، لأن فرنسا علمانية، وليس لها دين، ولا اخلاق، ولا قيم الثورة الفرنسية بعد الامبراطور "نابليون"، الامبريالي بحروبه،،  الى " ماكرون" الغبي..

وإنما كان الاختار في لبنان، كما في موريتانيا على أساس ديمومة التبعية لفرنسا التابعة ، هي بدورها غصبا عنها للامبريالية الأمريكية..

وكما اختارت فرنسا "الطائفية" لتعميقها في حاضر ،ومستقبل المجتمع العربي اللبناني ،كذلك اختارت،كذلك  المؤسسة العسكرية الموريتانية المعادية للتغيير الاجتماعي وممثله الشرعي، والوحيد، هو الحركات الوطنية والقومية  ذات المبادئة التقدمية، والرؤى لتشكيل البناء  الاجتماعي، والسياسي..

ولو أن المؤسسة العسكرية الموريتانية هي  من استورد قادتها مؤسسات الديمقراطية في التسعينات، فإنما ذلك الا على أساس تفريغها من مضمونها الحداثي، والتحديثي بدليل تحالفها في كل  نظام حكم مع احزاب القبائل، والجهويات، ومهادنة رموز الحروب الأهلية لتوجيه الانظار عن مطالب المواطن..وكل ذلك يرسخ قواعد  التبعية..

 ولعل التبعية هي المشترك بين النظامين:

 التجاري، والعسكري في بلادنا للأسف..

ولذلك فالأختلاف بينما، هو في الدرجة، لا في النوع..! 

نقول ذلك بموضوعية تصل درجة الحيادية  خلال تتبع  المظاهر الخارجية التي تشكل خواص النظام السياسي، وليس معنى ذلك اعطاء الأفضلية للنظام المدني على النظام العسكري، ولا للعسكري على المدني، لأنهما وجهان لعملة فرنسا المفروضة على الهوية: للثقافية، والسياسية، والأقتصادية، والعسكرية ، وتلك العملة هي:  " التبعية" .

 ويبقى المؤمل بعد الله تعالى، هو  الدور  الغائب  للنظام العسكري -  في تقديري الشخصي، كباحث اجتماعي -  لانه تتطلبه مراحل النضال الوطني الذي، لازال  هو الخيار الذي لا خيار غيره للتخلص من التبعية الاحتلالية، ومن المطالب  الأولوية  ل" تكوين جيش وطني قادر على حماية الثوابت الوطنية، التي أركز عليها، هنا - كما السابق - وهي:

# - حماية النظام الجمهوري..

# - حماية الوحدة الاجتماعية المهددة بالتفكك على أساس "إثني"، او تراتبي، أو لوني - من الصفرة المترمدة الى السمرة  الرمادية - 

# - حماية البلاد من الأعداء،  الامبريالية، وحلف الناتو؛ والاحتلال الأمريكي للأوطان ذات المصادر الطاقوية، في وطننا العربي، والاقطار الاسلامية، والافريقية،  فالامبريالية الامريكية، تنتهج سياسة الاحتلال في القرن التاسع عشر حين، كان  جيش شركة "الهند الشرقية" الهولندية التي أصبحت في فترة من تاريخها  انجليزية، وقامت بالاحتلال العسكري للاقطار الآسيوية بترخيص من  البرلمان البريطاني" مجمع اللوردات"،  ودون الرجوع اليه، إذا كانت البلاد المحتلة غير مسيحية، أما اليوم، فالشرط للاحتلال المبرر إذا كان كان الاحتلال من اجل مصادر الطاقة

 وهنا لابد من التوضيح لوحدة  المسؤولية الملقاة على كل من شركات الاحتلال في القرن التاسع عشر، وشركات" العولمة" المتوحشة لاحتلال البلدان، وحتى استلاب الوعي الوطني، والقومي...؟

اما مضمون النظام السياسي الموريتاني، فهو تجاري" أوليغارشي"، بلا منازع، وحين أذكر بالصفات الخارجية للنظام العسكري، فإنما لأرفع من دوره المتوقع  منه على غرار الدور العسكري  الذي انقذ الأوطان في الأقليمين العربي، والافريقي، بدلا من التبعية في شتى المجالات بالنسبة للنظام التجاري التبعي الذي لا يتوقع  منه إلا التدرج من السيء إلى الأسوأ، وسوء العواقب على مجتمعنا، ومجتمعات الأمة العربية...

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122