''بلادي وإن جارت...'' إبراهيم سداتي

2025-04-29 13:35:36

تواجه موريتانيا اليوم مرحلة دقيقة من تاريخها، تتمثل في تحديات معقدة ومتشابكة، تهدد وحدتها الوطنية واستقرارها الاجتماعي، في ظل تحولات إقليمية وضغوط داخلية متزايدة تسعى إلى تقويض مكتسبات العيش المشترك الذي ظل سمة بارزة لمجتمعنا عبر العصور.

إن فهم هذه التحديات والبحث عن آفاق تجاوزها يقتضيان العودة إلى مسار تطور المجتمع الموريتاني، واستحضار عوامل قوته وضعفه، والتشبث بالقيم الأصيلة التي شكلت صمام أمان له طيلة تاريخه. كما يستدعي ذلك العمل الجاد على إعادة بناء الثقة والوحدة الوطنية على أسس صلبة من الحرية والعدالة الاجتماعية والوعي المشترك بالمصير الوطني.

لقد مثلت الأمراض المزمنة، وانتشار الجوع، واستفحال الجهل، وسوء التسيير الناتج عن غياب الحكامة الرشيدة، آفات كبرى أعاقت تطور البلاد وساهمت في تغذية الفقر والتخلف، مما أدى إلى تعثر عجلة التنمية في مختلف المراحل.

وليس أمامنا اليوم من خيار سوى المضي قدمًا نحو تجسيد مبادئ الحرية الحقيقية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء وحدة وطنية تقوم على المساواة واحترام الإنسان، مع ترسيخ قواعد الحكامة الرشيدة في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع.

لقد عرف العرب والزنوج في موريتانيا تعايشًا سلميًا طويل الأمد، تميز بالانسجام الطبيعي الذي تجسد في المصاهرة، والتبادل التجاري، وتقاسم المنافع، مما جعل من التعايش بين مختلف المكونات حجر الزاوية في استقرار المجتمع.

غير أن دخول الاستعمار عمل على تفريغ المجتمع من قيمه وأخلاقه، وزرع بذور الفتنة والصراع بين مكوناته، مستغلًا ضعف الدولة المدنية وغياب نظام مركزي قادر على فرض الأمن ونشر ثقافة الإخاء والوئام، رغم أن التحديات حينها كانت أقل حدة مما نواجهه اليوم.

وفي ظل السياق الراهن الذي يتسم بارتفاع وتيرة الأزمات الإقليمية، والهجرة غير النظامية، وعدم الاستقرار في دول الجوار، برزت تيارات وأيديولوجيات دخيلة، تغذيها قوى خارجية حريصة على تحقيق مصالحها الخاصة، وتسعى إلى خلق بؤر توتر داخل المجتمع الموريتاني، لضرب نسيجه الاجتماعي وزعزعة وحدته.

وقد تجاوز دعاة الفتنة كل الخطوط الحمراء، متحدين سلطة الدولة وهيبتها، ساعين إلى فرض أجنداتهم الخاصة على حساب وحدة الوطن واستقراره.

ورغم اختلاف الآراء وتباين الرؤى، يبقى القاسم المشترك بين جميع الموريتانيين هو الإيمان العميق بحب الوطن، والسعي إلى رفعته، والحرص على حماية وحدته واستقراره. فموريتانيا تتسع لكل أبنائها، عربًا وزنوجًا، وهي بحاجة إلى جهود الجميع دون استثناء.

وخيراتها، بحسن التدبير، تكفي جميع أهلها، ولن يزيدنا اختلافنا على التفاصيل إلا قوة في تمسكنا بوحدة الهدف والمصير المشترك.

من هنا، فإن التوافق على تحديد أولوياتنا الوطنية والعمل المشترك لتحقيقها، مع تأجيل الخلافات الجانبية، يشكل الطريق الأمثل لضمان الأمن والاستقرار والنماء الذي يستحقه وطننا وشعبنا.

إن بناء مستقبل موريتانيا المشرق يتطلب منا التمسك بالوحدة الوطنية، وتجذير قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة دعاة الفتنة بكل وعي وحزم. كما يتطلب منا تعزيز دوائر انتمائنا الثلاث الكبرى: العربية، والإفريقية، والإسلامية، باعتبارها مكونات جوهرية لهويتنا الوطنية وجسور تواصل مع محيطنا الإقليمي والدولي.

فبتثبيت هذه الانتماءات وتجديد عقدنا الاجتماعي على أسس الإنصاف والحكامة الرشيدة، سنتمكن من حماية وطننا العزيز، وصون مكتسباتنا، وبناء مستقبل واعد لأجيالنا القادمة.

إبراهيم سيداتي

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122