أوقات الصلاة برؤية شرعية فى أوربا الشمالية.. فنلندا مثالا

2025-05-20 00:43:58

البيان في كيفية معالجة اوقات الصلاة وقت غياب العلامات الشرعية في فنلندا والشمال الاوربي خاصة وفي دول أوربا عامة.

الشيخ محمد ابو يوسف المشهداني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله واصحابه اجمعين وبعد: 

***  فإن هذا البيان يعالج أوقات الصلاة في دول الشمال الاوربي خاصة وفي أوربا عامة، وبعد التوكل على الله ثم الاستعانة بعلمائنا من أهل السنة في بلاد الإسلام ، توصلنا إلى إيجاد حكم شرعي بحجية القياس لتحديد اوقات الصلاة وقت أختفاء العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة في الصيف  ، وبهذا الفضل الكبير من الله جل وعلا وبتوفيق منه ، توصلنا إلى وضع أساس نستطيع من خلاله إنهاء الخلاف الموجود على الساحة في الدول التي تتغير فيها أوقات الصلاة بسبب وجود العلامات الشرعية لمواقيت الصلاة في فصل الشتاء واختفاءها في فصل الصيف مما يسبب ارتباك وحيرة في تحديد أوقات الصلاة الصحيحة وفق العلامات الشرعية المعتبرة.

بسم الله الرحمن الرحيم  

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ (۱)

أي : <<  لكل صلاة من الصلوات الخمسة وقت معلوم ، لا تصح الصلاة إلا بدخول وقتها وهذا شرط من شروط قبول الصلاة  >>  .  ولأهمية هذا الشرط الذي بينه الله تعالى في الكتاب والسنة. قال سبحانه: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ (۲)

><><><><><><><><><><><><><

(١) : سورة النساء/  ۱۰۳        .............       (۲): سورة الإسراء / ۷۸ 

‌{ ١ }

وقال تعالى ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ (۱) 

فالصلاة لا تقبل بدون تحقيق شروطها، ومن شروطها: دخول وقتها.

 ومن أهم الأعمال وأحبها إلى الله تعالى: الصلاة على وقتها، لذلك فالكلام حول هذا الموضوع مهم للوصول إلى أفضل طريقة في حساب أوقات الصلاة الصحيحة.

***  ومن المعلوم بالضرورة  فإن  من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً . لعموم قوله تعالى ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ (٢)  

 وقوله تعالى :  ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا  ﴾(٣) 

***   ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي ﷺ سأله رجل عن وقت الصلاة فقال له : صل معنا هذين يعني اليومين ، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها ، ... وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل ، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال :  أين السائل عن وقت الصلاة  فقال الرجل أنا يا رسول الله قال :  وقت صلاتكم بين ما رأيتم . (٤) 

><><><><><><><><><><><><><

(۱) : سورة البقرة / ۱۸۷     .............     (٢) : سورة الإسراء / ٧٨      .............      (٣) :سورة النساء / ۱۰۳  

(٤) : رواه البخاري و  مسلم .

{ ۲ }

 لذا يستلزم من المسلم الباحث في مواقيت الصلاة اذا تحدث في المسائل الفقهية في موضوع أوقات الصلاة من سكان البلاد الأوربية أن يجيد التعامل مع الأحكام بصورة صحيحة، وذلك لأنه قد يبتعد عن التقدير الصحيح ؛ ووضع للقواعد الشرعية في غير محلها، ويستلزم لم أراد فعل واجب أن يرجع إلى أصول الفقه ؛ أي: أدلة الفقه ليعلم أن المسائل الفقهية يُنظر في أحكامها وفق ترتيب مصادر أدلة الاحكام الرئيسية الشرعية الأربعة ؛ كتاب الله, السنة ، قول العلماء ، القياس. 

ويستلزم أن يكون العقل مع الدليل يمشي معه ويقف معه ، لا نجاة للعقل إلا إذا كان عبدا للدليل وتابعا للدليل لا العكس . 

ولدينا قاعدة شرعية ؛ لا تصح العبادة ولا تجب إلا بتوفر شروطها وانتفاء موانعها. وهذه القاعدة تفسر لنا أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة.

يعني : لا يجوز أن تثبت واجبا إلا بدليل ولا محرما إلا بدليل ولا مكروها إلا بدليل ولا باطلا إلا بدليل ولا عزيمة إلا بدليل ولا رخصة إلا بدليل ولا سببا إلا بدليل  ولا شرطا إلا بدليل ولا مانع إلا بدليل .  لأن كل  هذه الأحكام شرعية والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بالأدلة. فالدليل سيد الأحكام.

 فإذا أردنا  أيجاد حكم شرعي في مسألة ما ؛  فإننا ننظر أولا في أدلتها من كتاب الله تعالى، ثم من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ننظر في اجتهاد العلماء وفق فهم وفعل السلف للمسألة، ثم ننتقل للقياس الشرعي، وفق ما هو مقرر عند العلماء.

فوجدنا مسألتنا التي نحن بصدد أيجاد حكم شرعي لها وتثبيتها وهي مواقيت الصلاة ...

><><><><><><><><><><><><><

{ ٣ }

في  الشمال الاوربي خصوصاً وباقي الدول شبيهاتها في نفس  المسألة عموما .  وجدناها في مصدر من مصادر أدلة الاحكام الشرعية الأربعة ، ألا وهو ؛ القياس . 

والقياس في اللغة : التقدير والمساواة .

والقياس هو ألحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما.

وفي اصطلاح العلماء : إلحاق مسألة لا نص على حكمها بمسألة ورد النص بحكمها ؛ لتساوي المسألتين في علة الحكم.

فالمسألة المنصوص على حكمها تسمى : المقيس عليه أو الأصل ، والحكم الذي ورد به النص في المقيس عليه يسمى: حكم الأصل والمسألة التي لم يرد حكمها ويراد إلحاقها بالمقيس عليه تسمى: الفرع ، والسبب الذي من أجله شرع الحكم يسمى: العلة.

والمسألة التي نحن بصددها ينطبق عليها دليل القياس .

كونها تتكون من أصل فيه حكم ، وفرع يفتقر للحكم ،و يشتركان في العلة . 

ففي مسألتنا وجدنا أنه في فصل الشتاء القصير نهاره والطويل ليله تكون العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة موجودة وهي الأصل في المسألة ولها حكم. وفي فصل الصيف الطويل نهاره والقصير ليله وجدنا أن العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة مفقودة وخصوصا وقت صلاة العشاء ووقت صلاة الفجر ونحتاج حكم شرعي لتأدية الصلاة كونها  فرض  وان الفرض لا يثبت إلا بدليل ، وهي الفرع في المسألة وليس لها حكم. فوجدنا الحكم بحجية القياس .

><><><><><><><><><><><><><

{ ٤ }

وكما بينا فإن القياس هو ألحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما. 

وعلى هذا الأساس نقوم بتحديد أوقات صلاة العشاء وصلاة الفجر في فصل الصيف (الفرع ) ونساويهما  بنفس التقدير لأوقات صلاة العشاء  وصلاة الفجر في فصل الشتاء (الأصل في المسألة) . 

والفارق الزمني المحسوب بين غروب الشمس وغياب الشفق الأحمر في فصل الشتاء (الأصل في المسألة) وجدناه بالرصد والمتابعة يتحقق بساعة ونصف ( ١:٣٠)  وهو وقت صلاة العشاء.

...   وعليه فإن هذا التقدير في الفارق الزمني يكون بالقدر نفسه في فصل الصيف ( الفرع في المسألة) بين غروب الشمس وصلاة العشاء ، أي: ساعة ونصف ( ١:٣٠ ) بين غروب الشمس وصلاة العشاء. ما دامت العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة معدومة غير موجودة.

 ...  وهذا مفهوم  دليل القياس في مسألتنا ؛ فإذا وجدت مسألة ورد النص بحكمها وعرفنا علة الحكم ، ثم وقعت مسألة لم ينص على حكمها ، ولكن تشترك مع المسألة الأولى في علة الحكم ، فإن المسألة الثانية  تأخذ حكم المسألة الأولى. 

وكون القياس ينقسم إلى قسمين  ؛

القسم الأول ؛ قياس العكس وهو نفي الحكم في الفرع لنفي علة الأصل.

والقسم الثاني ؛  قياس الطرد وهو ما يهمنا في مبحثنا هذا وهو إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه. أي: عندنا فرع نريد أن نثبت له حكما كون حكمه مجهول .  والأصل عندنا له حكم وعلة الأصل موجودة في الفرع وعليه أن نثبت حكم الأصل في الفرع . 

><><><><><><><><><><><><><

{ ٥ }

وما تطرق إليه بعض الدعاة في كيفية حسابهم مواقيت الصلاة غفلوا فيه عن حكم القياس والاعتماد عليه؛ كأصل من أصول التشريع الإسلامي : فذهب الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء ، والمتكلمين إلى ( أن القياس الشرعي ) أصل من أصول الشريعة. لذا فالنظر الصحيح في مواقيت الصلاة يقوم على أساس النظر في علامات دخول وقت الصلاة وتثبيتها؛ من خلال التتبع والرصد والاستقراء لظهور هذه العلامات كما هي في الحقيقة (على أرض الواقع )، ليكون ذلك هو أصل المسألة التي سيبنى عليها القياس في أوقات اختفاء هذه العلامات.

 تاريخ وقت أختفاء العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة . 

وجدنا من خلال الرصد والمتابعة أن العلامات الشرعية لمواقيت الصلاة تتغير شىء فشىء من بداية شهر ابريل ( الشهر الرابع من السنة) وحتى اليوم الثاني عشر من شهر مايو ( الشهر الخامس من السنة ) والذي  اختفت فيه العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة. 

وفي هذا اليوم ، أي: الثاني عشر من (شهر مايو) في  دولة فنلندا والتي تقع بين خطي عرض (٦٠ – ٦٦ )  تقريبا !   نستطيع العمل بحجية القياس ، وذلك بالحاق نفس الفارق الزمني لأوقات صلاة العشاء وصلاة الفجر من الأصل في المسألة أوقات الصلاة في فصل الشتاء إلى الفرع في المسألة أوقات الصلاة في فصل الصيف .

هذا يعني: أن وقت صلاة العشاء متحققة عندنا في فصل الشتاء (الأصل في المسألة) بساعة ونصف (١:٣٠ ) بعد غروب الشمس تكون أيضا بساعة ونصف بعد غروب الشمس في الفترة التي فيها العلامات مفقودة في فصل الصيف (الفرع في المسألة) ، وكذلك بالنسبة لصلاة الفجر وجدنا الفجر الصادق في فصل الشتاء  ( الأصل في المسألة ) بوجود العلامات يتحقق بساعة وخمس وعشرون دقيقة (١:٢٥ ) ، وعليه ...

><><><><><><><><><><><><><

{ ٦ }

فإن هذا الفارق في الوقت يكون هو نفسه في فصل الصيف ( الفرع في المسألة )عند أختفاء العلامات الشرعية، وهو وقت الإمساك أيضا.

وبهذا قد تحقق لنا حكم نستطيع الاعتماد عليه لتحقيق شروط الصلاة في الاوقات التي تصبح فيها العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة مختفية وغير موجودة .

...............

( مراحل تغير الأوقات عبر السنة كاملة  )

وقد قمنا بتقسيم أشهر السنة إلى اربع مراحل؛ وهذه المراحل الزمنية الأربع ؛

الأولى مرحلة وجود العلامات ، والثانية مرحلة انتقال  إلى أختفاء العلامات وهي المرحلة الحرجة الأولى ، ومرحلة ثالثة من اختفاء العلامات إلى ظهور العلامات وهي المرحلة الحرجة الثانية  ،  ومرحلة رابعة مرحلة وجود العلامات . 

 المرحلة الحرجة ؛

ونعني  بالمرحلة  الحرجة والتي تبدأ وتستمر في شهر ابريل ( الشهر الرابع ) في السنة . تبدا فيه المرحلة الحرجة الأولى من بداية الشهر حتى الثلث الأول من شهر مايو ( الشهر الخامس ) الذي تبدأ فيه اختفاء العلامات الخاصة لتحديد اوقات الصلاة في الثلث الأول منه . 

والمرحلة الحرجة الثانية ؛ هي التي تقع  في نهاية  اختفاء  العلامات  وبداية ظهور العلامات ويبدأ مراقبة ورصد التحول فيها من نهاية الشهر السابع ( شهر يوليو) إلى الثلث الأخير من الشهر الثامن ( شهر اغسطس ) حتى الثلث الأول من الشهر التاسع...

><><><><><><><><><><><><><

{ ٧ }

( شهر سبتمبر ) تستمر المراقبة والرصد فيه حتى يتحقق ظهور العلامة من جديد  .

ثم تستمر العلامات الشرعية لتحديد اوقات الصلاة في أشهر الشتاء من الثلث الأول من الشهر التاسع ( شهر سبتمبر) مرورا بالشهر العاشر ( شهر اكتوبر ) والشهر الحادي عشر ( شهر نوفمبر ) والشهر الثاني عشر ( شهر ديسمبر ) ثم الشهر( الأول يناير ، والثاني فبراير ، والثالث مارس ) . بعد ذلك نصل إلى ( الشهر الرابع أبريل ) ، لتبدأ فيه مرحلة زيادة الفارق الزمني بين المغرب والعشاء ،الى أن تصل المرحلة الى أختفاء العلامات في الشهر الخامس وتحديدا في الثلث الأول منه . وهكذا المراحل تمر عبر السنة ، ومن سنة إلى سنة .

أقوال مناسبة للبيان ؛

  أولا :  ومن المناسب أن نذكر هنا ما قرره ( شيخ الإسلام  ابن تيمية الحنبلي ) إن المواقيت المذكورة في الشرع إنما  هي   واردة على الأيام المعتادة ؛ فيقول في (( مختصر الفتاوى المصرية 1/ ٣٨، ط .  دار ابن القيم  )) : "والمواقيت التي  علّمها جبريل  عليه السلام للنبي ﷺ ، وعلّمها النبي ﷺ  لأمته حين بيَّن مواقيت الصلاة،  وهي التي ذكرها العلماء في كتبهم : هي في الأيام المعتادة، فأما ذلك اليوم الذي قال فيه رسول الله ﷺ:   « يومٌ كسَنَةٍ »  قال  : « اقدروا له قدره » فله حكم آخر".

 ثم قال: "والمقصود أن ذلك اليوم لا يكون وقت العصر فيه : إذا صار ظلُّ كل شيء لا مثله ولا مثليه ، بل يكون أولَ يوم قبلَ هذا الوقت شيءٌ كثير، فكما أن وقت الظهر والعصر ذلك اليوم  هما قبل الزوال، كذلك صلاة المغرب والعشاء قبل الغروب، وكذلك صلاة الفجر فيه تكون بقدر الأوقات في الأيام المعتادة، ولا يُنظَر فيها إلى حركة  الشمس؛ لا بزوال ولا بغروب ولا  مغيب شفق  ونحو ذلك، وهكذا" اهـ

><><><><><><><><><><><><><

{ ۸ }

ثانيا : ذهب قسم من الأُصوليُّونَ  في تَعريفِ القياسِ،   إلى أنَّ القياسَ  دَليلٌ مُستَقِلٌّ : عَبَّرَ عنه بأنَّه مُساواةٌ، ونَحوُ ذلك، والمُساواةُ صِفةٌ قائِمةٌ بالأصلِ والفَرعِ، وهذا مَعناه أنَّ القياسَ ليسَ فِعلًا للمُجتَهِدِ . وإنَّما هو دَليلٌ شَرعيٌّ قائِمٌ بذاتِه كالكِتابِ والسُّنَّةِ، سَواءٌ نَظَرَ فيه المُجتَهِدُ أم   لم يَنظُرْ فيه.  ومِن ذلك تَعريفُ الآمِديِّ له بأنَّه :

(  عِبارةٌ  عن الاستِواءِ  بَينَ الفرعِ و الأصلِ  في العِلَّةِ المُستَنبَطةِ مِن حُكمِ الأصلِ  )  .

 ثالثا : أركان القياس  -  وهي أربعة :

١) الأصل    .      ٢) والفرع         .         ٣)   والعلة          .            ٤)  والحكم .

ولا بد من هذه الأربعة  الأركان   في كل قياس ،  ومنهم  من  ترك  التصريح  بالحكم .

وذهب الجمهور  إلى أنه لا يصح القياس إلا بعد التصريح به .

قال ابن السمعاني : ذهب بعضهم إلى جواز القياس بغير أصل ، قال : وهو من خلط الاجتهاد بالقياس ، والصحيح أنه لا بد من أصل; لفروع لا تتفرع إلا عن أصول .  انتهى

><><><><><><><><><><><><><

{ ۹ }

  متعلقات مهمة في البحث ؛

أولا  : يجب الانتباه إلى أن غياب قرص الشمس هو العلة في تحقيق صلاة المغرب والإفطار للصائم، ولا يلتفت حينئذ إلى  وجود الضوء المنتشر؛ حتى وإن كان واضحا جدا في فصل الصيف.

وكذلك عدم الالتفات إلى وجود الشفق الأحمر عند فترة أختفاء العلامة بعد صلاة العشاء  حتى طلوع الفجر عند أداء صلاة العشاء ؛ لأننا قد انتقلنا إلى تحقيق حكم شرعي جديد مبني على دليل حجية القياس.

  ومثل هذا يقال في  وقت ( شروق الشمس )  والفارق الزمني  بينه وبين ( الفجر الصادق)؛  فلو لم يتبين لنا ( الفجر الصادق ) في بعض الأيام لوجود الضوء طوال الليل وبسبب أختفاء العلامة الشرعية ؛ فإننا سنعود في تحديد ( الفجر الصادق ) إلى حكم بحجية القياس، وذلك  بالاعتماد  على هذا الفارق الزمني بين الوقتين  في الأيام التي  يكون فيها ( الفجر الصادق ) متميزا عن الليل، والذي يفترض أن نكون قد عرفناه من قبل.

ثانيا :  عند الرصد والمتابعة ظهر لنا أن ما بين فترة وجود العلامات والدخول في فترة أختفاء العلامات ، يتأخر فيها الشفق الأحمر بين المغرب والعشاء  حتى يصل تقريبا ساعتين ونصف وبالتدريج من بداية الشهر الرابع من كل سنة وهو ( شهر ابريل ) حتى الثلث الأول من شهر مايو (الشهر الخامس) من السنة. في هذه الحالة يجب على إمام المسجد والعاملين ! على وضع المواقيت الانتباه لوجود الشفق الأحمر ، فإن  وقت بدأ اختفائه يزداد  شىء فشىء ، وعليه تأخير صلاة العشاء حسب غياب  الشفق الأحمر...

><><><><><><><><><><><><><

{ ۱۰ }

في  أيام ( شهر ابريل )  والذي يبدأ بزيادة في الفارق الزمني من ساعة ونصف ( ١:٣٠ ) في بداية الشهر حتى يصل إلى ساعتين ونصف ( ٢:٣٠ ) بعد غروب الشمس في بداية الثلث الأول من شهر مايو ليتحقق بذلك شرط دخول وقت الصلاة .

 ثالثا : لا ينظر إلى القياس إلا عند عدم ظهور العلامة على دخول الوقت؛ فأما عند وجود العلامة فلا إشكال في وجوب الاعتماد عليها؛ فمثلا: عند وضوح علامة دخول وقت صلاة العشاء تكون الصلاة بعد غروب الشمس بساعة ونصف ( ١:٣٠ )أو تكون في الثلث الأول أو تؤخر إلى نصف الليل حسب الرؤية  والمتابعة  من الإمام !! ، وأما عند أختفاء العلامة فينظر في وقتها بحسب حكم حجية القياس. والذي قد ثبت في أشهر الشتاء وبوجود العلامات الشرعية بساعة ونصف (١:٣٠ ) من غروب الشمس إلى أختفاء الشفق الأحمر ، وحتى نهاية ( شهر ابريل ) وبداية  (  شهر مايو ) . 

رابعا : أن "تأخير  صلاة العشاء إلى آخر وقتها أفضل؛ لأن النبي ﷺ  :  خرج ذات ليلة، وقد ذهب عامة الليل  فقال: "إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي"؛ فإذا كانت المرأة في المنـزل مشغولة وأخرت صلاة العشاء إلى آخر وقتها فإن ذلك أفضل،  وكذلك لو كانوا جماعة في مكان وليس حولهم مسجد، أو هم أهل المسجد أنفسهم، فإن الأفضل لهم التأخير إذا لم يشق عليهم إلى أن يمضي ثلث الليل، فما بين الثلث إلى النصف؛ فهذا أفضل وقت للعشاء، وأما تأخيرها إلى ما بعد النصف فإنه محرم. (١)

><><><><><><><><><><><><><

(١) : مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -  ١٢ /   باب المواقيت . 

{ ۱۱ }

 أما قول الجمهور فوقت العشاء ينتهي إلى وقت الفجر الصادق . 

وهذه الفتوى تبين أصل الحكم الشرعي عند وضوح علامة دخول وقت العشاء، وأما عند عدم وضوح العلامة فإننا ننتقل إلى حجية القياس كما سبق ذكره والذي تقرر بساعة ونصف (١:٣٠ ) بعد غروب الشمس والذي هو الأصل بوجود العلامة في أشهر الشتاء المذكورة  أعلاه ، وهو الوقت المعتبر لدخول صلاة العشاء.

 خامسا : أما صلاة الفجر فقد تحقق لنا ومن خلال المتابعة  والرصد لعدة سنوات مضت وبوجود العلامات الشرعية  بأن  دخول( الفجر الصادق ) تحقق في ساعة وخمس وعشرون دقيقة ( ١:٢٥ )قبل شروق الشمس ، والذي يعتبر هو الوقت المعتبر الأصلي في المسألة ، وعليه بدليل القياس يكون هذين الوقتين لصلاة العشاء وصلاة الفجر هما الأصل في المسألة ، وعلى هذا الأساس اعتمدناهما كأوقات معتبرة في فصل الصيف (فرع المسألة) والذي تختفي فيه العلامات الشرعية لمواقيت الصلاة .

 حكم الجمع في صلاة المغرب مع العشاء . 

وأما ما يخص موضوع الجمع بين المغرب والعشاء وبيان شروطه؛  فمن المهم جدا تشكيل لجنة شرعية في كل مسجد  تكون مسؤولة عن وضع التوصيات، واعتماد جداول مواقيت الصلاة؛ بشرط أن يكون ذلك وفق أحكام شرعية صحيحة،  وبإشراف عالم من مراجع العلماء  في العالم الإسلامي.  ومن ثم نقول  ان للجمع بين المغرب والعشاء ضوابط ونبين قول أهل العلم في هذه المسألة فقالوا: جواز الجمع بين هاتين الصلاتين في اوروبا في فترة الصيف حين يتأخر وقت العشاء إلى منتصف الليل أو ... 

><><><><><><><><><><><><><

{ ۱۲ }

تنعدم علامته كلياً،  دفعاً  للحرج المرفوع عن الأمة بنص القرآن ، ولما ثبت من حديث ابن عباس في صحيح مسلم :”أن النبي ﷺ جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر .

 ولكن مع التحفظ بأن هذا الجمع يكون لخاصة  من  يريد  الجمع للمشقة والضرورة ولا يكون ملزم في المسجد لعموم المسلمين .  وعليه  من اراد الجمع عليه بالنية بداية ثم ينظر إلى أشباهه من الذين يريد الجمع فيجمعوا ، ويبقى الوقت الأصلي للصلاة حاضر في المسجد لعموم المسلمين  وتبقى صلاة الجماعة حاضرة في المسجد . 

مع ملاحظة أن الاتفاق في مثل هذه المسائل صعب جدا، لوجود من يعتمد على أوقات ظنية وليست حقيقية، جاءت نتيجة دراسة عامة على قارة بأكملها بدون مراعاة لمسألتين: 

الأولى:  اختلاف المواقع (الأماكن) بالنسبة إلى خط العرض .

الثانية : اعتماد التوقيت الفلكي كأساس دون النظر إلى الأحكام الشرعية الصحيحة والملزمة لأداء شعيرة من أهم الشعائر للمسلمين.

وقد خلق لنا علماء الفلك  وواضعي اوقات الصلوات على أساس الدرجة الفلكية مشكلة كبيرة ، وذلك بإصرارهم على وضع جداول من قبلهم - باعتبار أن هذا من تخصصهم-؛ لكنهم لا ينظرون إلى المواقيت من منظار الشرع، والتي قد تخالف طريقة عملهم؛ لذلك يجب رضوخ علماء الفلك إلى حقيقة أن مواقيت الصلاة مسألة شرعية ؛ ربطت بعلامات واضحة، يدركها جميع المسلمين، ويجب أن نسخر الدرجات الفلكية للرؤية الشرعية والأحكام الشرعية في كل منطقة أو محافظة، والمرجع في تحديد هذه المواقيت هو الشرع ؛ فهي مسألة شرعية وفق احكام لا ظنية وفق درجات فلكية، وبهذا نفهم بأن كل علم...

><><><><><><><><><><><><><

{ ۱۳ }

للبشر يجب أن يخضع للشرع دون الخوض في مسائل ظنية وقياسات وفق نظريات مختلفة، وتقديرات محيرة وغير دقيقة، كما يذهب إليها رجال الفلك الذين بالغوا أشد المبالغة لتوجيه الدفة نحوهم، وهذا خطأ شرعي كبير لا يمكن القبول به أبدا، وسيلقي معارضة مستمرة وطويلة لا انفكاك منها، إلا إذا وجدت عقولٌ سليمة من هؤلاء الفلكيين ترتفع للحكم الشرعي الصحيح ويكون عندها استعداد للقبول  بالأمر على أنه مسألة شرعية. والله أعلم.

***

كتب الداعية ( محمد الأحمد  ابو يوسف المشهداني )

 رئيس جمعية الصحابة الثقافية  فنلندا ، عضو المجلس الإسلامي، امام وخطيب مسجد كاريا محافظة راسيبوري ، جنوب فنلندا 

* المصادر : 

 ١-هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في بيان تحديد اوقات الصلوات. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. 

٢- شرح الأصول العامة لعقيدة أهل السنة والجماعة الشيخ وليد السعيدان. 

 ٣- فتاوى الشيخ الدكتور عبد الملك السعدي .

٤- كتاب المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية للشيخ الدكنور عبد الكريم زيدان رحمه الله .

*  إشراف ومراجعة الشيخ المحقق أحمد ابراهيم حسان اليمني .علماء اليمن 

تاريخ البيان: شعبان ١٤٤٣ .  تم مراجعته وتحقيقه ذو القعدة

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122