كيف يكون الإصلاح السياسي؟!.../ د. إشيب أباتي

2024-12-27 01:01:16

  قرأت في المواقع الافتراضية الموريتانية دعوة  للإصلاح السياسي، كما أشار لذلك  الرئيس محمد ولد الغزواني في خطابه الافتتاحي للمهرجان السنوي  للمدن الأثرية  في مدينة شنقيط المنارة التي،  تكاد أن تطفأ إذا ما العتمة طال ليلها، وعاديات  السياسة استشرى فسادها، واستانس القوم بهمومهم الذاتية، فغيبوا منغصات الحاضر، وتوارت مدن التراث خلف ظهورهم، فعانت  من  التنطع السياسي باحراق تراثها المعرفي، ولعله أشد خطرا زاحفا عليها في الحاضر القريب  لدفنها تحت  الرمال بدافع الوأد المتعمد الذي، يتوارث العرب الخشية  من مخلفاته على سلم القيم الأخلاقية، بل هذه المرة بحب المال الذي من أجله  حصل إهمال المدن التراثية، لانهم يؤثرون  إدخاره  لملء الجيوب التي لا تعرف للملايين عدا دون  احتساب أمر  التداعيات على الوطن، كالعجز عن مواجهة البيئة المدنية في العاصمة، ونواذيبو وغيرهما،، وتفشي  الجرائم ، كالقتل، والسرقة، والانحراف الاجتماعي في أحياء المدن الفقيرة، والهامشية، والمتسخة التي توزع الروائح الكريهة، ومظاهر المجاعة، والامراض على المارة، والساكنة بالتقسيط..!

ولولا عواصف الرمال الزاحفة على " نواكشوط"، وأمواج الأطلس العاتية في الجهة المقابلة، لكانت أحياء المدينة مقابر للأمراض المعدية  لساكنتها على الأقل ... !

 

      ولعل ما يهمنا هو أن الكتاب، والمثقفين، تدافعوا  على تبني دعوة الرئيس، كما تنازعوا - فيما سمعت - على تبنيها  من طرف أصحاب  التخصصات العلمية، والأدبية، والأكاديميين من كلية معهد، وكلية، وحامعة، لأن الاستجابة للدعوة، هي مقياس اختباري للوطنية، لدى النخبة الصالحة  من الحزبيين الموالين، وغير الموالين، والمعارضين، وانصاف المعارضين من الكتاب الذين لم ينالوا بكتاباتهم حظ الانتباه إليهم  على خلاف نظرائهم الذين اسكتوا، فربتوا على اكتافهم، وبصبصوا عليهم  قبيل الانتخابات وبعدها بالوظائف التكميلية،، فلاذوا بصمت القبور، وإن كتبوا، فعن التراث، ومقابر الأولياء والصالحين، وبقي  باب التنافس مفتوحا لهم مع أصحاب الثقافة المحظرية، والتمسك بالتراث في مجال  التناكب  مع  ذوي الجلابيب، والطرق  المتصوفة، ومروجي الكرامات، وناقليها جيلا بعد جيل لترسيخ إيمان المريدين، والنسابين الذين ساووا بين الإيمان بالله، وبين  كرامات الأولياء الذين صاروا مصدر الثروة على أجيال اليوم نظرا للأنسباء المشترك..!

     لذلك، لم تعدم  في الوسط الثقافي تناقل الأخبار المبشرة، أن زاوية الشيخ فلان، يشرف على  إدارتها الفيزيائي فلان،، أو الرياضي علان، او الدكتور، أو أستاذ التاريخ في إثارة النعرات القبلية….!

  

   ولا شك أن الإجماع الوطني حصل، أو كاد في الاستجابة لدعوة الرئيس غزواني، ولا غرو في تأييده  نظرا  لقيمة دعوته، وجعلها موضوع الساعة، والنقاشات الراغبة، وتلك الواجفة من هذا  التجاوب التلقائي الذي جمع معظم كتاب البلد من الفقراء، والمهمشين، والمتزلفين، وكأن الاستجابة في حد ذاتها  هبة عفوية للدفاع عن  الوطن، والوطنيين، والكل  مروج لها، وذلك تهيئة لأمر ما،  فما هو يا ترى؟

لعله من قيم المواطنة، والإخلاص للوطن الغالي الذي يسع جغرافيا،  ساكنته، وآماله كاملة في   شعارات "حزب الإنصاف " مع الإستدراك، المنبه  في إحدى اللافتات الخلفية، وذلك من أجل التمسك بما جاء في كتاب الله العزيز: " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق"، ولهذا  فمن غير المقبول عقديا،  الإيمان ببعض الكتاب، والكفر ببعضه، وبعد نهاية اللقاء الافتراضي..  

قال أحمد : هل سمعتم ما، سمعته قبل أن تخوني الذاكرة؟

فقال علي :  ماذا سمعت؟ اسمعنا إياه، وما فهمت من تعليق القوم لهذه الآية تحديدا، وإن كنت أشك في رؤيتك لها، لأني كنت ملازما لك، ولم تلتقطها نظراتي، إلا إذا كنت تقصد  الغبن الذي ملأ البطون، وفقأ العيون، فيما يجري من تظلم  متراكم في " تقسيم العمل" الذي لم يراع الكفاءة، وإنما آثر الولاء، والمحسوبية، والقبلية، والجهوية، وريعها  الذي أغدق على القلة، وأفقرت به  الأكثرية…!

 أحمد : لعلك، تتحدث عن خاطرة  نفسية، غيرت مزاجك، فهلا غيرت مزاجك إلى ما هو أفضل مما هو عليه اليوم..؟!

افترض أنك من التجار الاثرياء، واصحاب العقارات، والوظائف الوزارية المستحقة بالوراثة، ألن يكون مزاجك أكثر اعتدالا، وحديثك أكثر أريحية؟ فكن منصفا، وعامل الناس بما تريد أن يعاملوك به،، وهل ترضى، أن يكون مصير حظك الميمون، موضوع الساعة في الصالونات الكبيرة، والمتوسطة، والدور المظلمة، والأسواق العامة، وذاك للبحث عن تجريد" النخبة "  التي خصها الوطن  بالعطاءات، وامتنع  عن إفساد أخلاق السواد الأعظم، بالمساواة في الوظائف العمومية، وتوزيع العقارات، والثروات بين العامة، الدهماء،،؟

 علي : لعلك ذكيا، لدرجة تحسد عليها، وإما غبيا بما لا يحتمل لدرجة تثير التقزز منك، نظرا لمنطقك الأعوج، وفهمك المغالط، واسلوبك الوقح، وتبريرك الذي يفتقد الحجة، والاستدلال الموضوعي، والعقلي…!

ولعل نزوة الثرى أعمت بصيرتك، بما تمني  النفس بدوام الحال، وهذا  من المحال،،وهو جهل مبطن  بأن ما عندك، هو ملك لك، بينما الحقيقة المرة، أنه منتزع من المال العام، ولم تحصله عن جد، وكد، ولا ورثته من أب، أو جد، وكيف، وأنت  من هذا الوسط الاجتماعي الفقير، فمكانتك الأجتماعية -  إن كنت قد نسيت  -  في هامش المثلث السكاني، وهذا الكابوس الذي يطارد أحلامك البهيمية، وخوفك من استبدالها بأخرى، لكن أنى للذاكرة الجماعية أن تنمحي ، وينسى الناس  وجودك الاجتماعي - رغم وعيك الأغترابي -  مهما تحورت، كالحرباء من لون إلى آخر، ومن فقر إلى غنى بواسطة النهب، والتلصص، كالمجرمين، والسطو غير الشرعي، والإثراء على حساب المواطنين، وتهديد الوطن في ثوابته، فلن يبقى  حالك إلى الأبد، فتقاسم المغانم خاضع يوما ما  " للحوكمة"، مهما غابت عن بالك، فملايين المواطنين الخمسة، يستحضرونها في أحلامهم الوردية، ويسعون لتحقيقها في حياتهم  الجهنمية، وضمن مطالبهم اليومية في المأكل، والملبس، والمسكن الصحي، والطبابة المجانية، والعمل الشريف ، والتعليم  الوطني بلغة المجتمع، والامة، لا بلغة المحتل، ولما يزل يشكل بها وعي النشء،  وفي التنقل اليومي، وفي التملك الحلال، وفي المواطنة المشتركة…

فهل تعلم أن وجودك في المجتمع الموريتاني، يشكل جزءا من الماضي الذي  يصارعه الوعي العام  لمراجعة سياسة  أنظمة الحكم، وذلك لاستبعاث المدن التراثية المتربة، وتشييد المدائن العصرية..؟

فلماذا تجعل من وجودك مناف لوجود مجتمع بملايينه المطردة.؟!

صحيح، أنك  مفروض على  الأغلبية  حين حضرت هذه الشرذمة الانتهازية  بغياب الجميع، فكانت حصتكم من الوطن  مقابل هذه "السدانة" التي فاجأت المجتمع في غفلة من الزمن ، وقد يكون الجهل واحدا من تداعياتها، وعفة الفقراء المعبرة عن عجزهم، وضعف حيلتهم،  بينما كان يقابلها تلك الحيل الثعلبية للنخبة الوظيفية التي لا زالت تستظل تحت دوحة السفارات الاجنبية، وهي من ابناء الأعيان  الذين تسابقوا -  كما الكلاب تجاه  الفريسة -  نحو المال العام، وسرقته في نهم يزداد شراهة، فلا يعرف شبعا طيلة أربع وستين عاما..!

فهلا تذكرت :" من أين لك هذا؟"، حتى تعرف أنك لم تستحق ما استحوذت عليه، لا بجهد خاص، ولا بعلم متميز، ولا بتفكير سليم..؟!          

د.  إشيب ولد أباتي

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122