د. عبد السلام ولد حرمة يحاضر في اتحاد الأدباء عن ''أدب السجون في موريتانيا

2025-03-13 23:28:45

نظم اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين مساء اليوم أمس الأربعاء بقاعة الأنشطة بمقره قرب كلتقى جامبور - لكصر ضمن برنامجه الأسبوعي 'الإفطار الرمضاني، ندوة بعنوان “أدب السجون في موريتانيا”أقلاها الدكتور عبد السلام ولد حرمه وذلك بحضور نخبة من كبار  المثقفين .

  وهذا أهم ما جاء فى محاور المحاضرة:

السجن السياسي ممارسة سلطوية اقترنت بنشأة الدولة العربية القطرية، ونتيجة انتشارها الجغرافي الواسع وديمومتها الزمنية شملت كثيرا من أصحاب الرأي وعاش تجربتها المرة  عدد من الشعراء والكتاب والمفكرين،  عبروا عن واقع عاشوه وتجارب مؤلمة مروا بها في سعيهم للحرية الذاتية وحرية أوطانهم ومجتمعاتهم، فهي في صميم النضال من أجل  الحرية ومشكلاتها في البلدان العربية ، بعدما ذاق الشعراء بأنفسهم مرارة السجن و مرارة الطرد، ونزع الجنسية، والاعتقال والسجن، والاقامة الجبرية  وفق معادلة معروفة : أنت تفكر أو تناضل: اذن أنت معتقل، هي  التجربة العربية المرة بشكل عام،  التي خلدها الشعراء في مرآة الذات وفي أرض الواقع وفي رحاب الحزن والمعاناة حين حملوا  هم أمة  في اغتراب داخلي  وظلام لا قرار له ولا ساحل، ظلام تفاجئهم فيه الضواري من كل صوب وحدب على مدار الساعة مكان يهيئ لفقدان الحياة فيه، وفي تفاصيل رعبه  شمخت نصوص لهم عديدة وظلت قناديل مضاءة يوقظ أصحابها قيم الثورة والتمرد بأجسادهم وصبرهم ومطاولتهم واستمروا ينابيع متدفقة لرفع الهمم وتحدي غول البطش، ونافذةً من أهم النوافذ التي راحت تدخل منها الشمس كاشفة واقعَ سلب الحريات واحتكار الحقيقة وجعل البشر في ذيل سلم الكائنات الحية حيث كانت وسائل النشر والاتصال محدودة، مقارنة مع ما يتوفر اليوم من شيوع  وسائل التواصل وسرعة انتقال المعلومة والصورة. في تلك السنوات العجاف تحولت مقرات العمل السياسي السرية في موريتانيا الى فضاءات للاحتفاء بهذه النصوص  التي تسللت من وراء القضبان وانتقلت منها إلى الصالونات وأصبحت على كل لسان،  و توجد قرائن عديدة على ضياع وفقد الكثير منها وهو ما يستدعي البحث عنه والعناية به ، صانة لذاكرة وطنية مشرقة، فهي وثائق فنية وذاكرة طرية واكبت مراحل صعوبة تحول بلادنا نحو هوامش دنيا من الحرية ، نعيشها اليوم، كان أصحابها ينشدون  بعضها في مجالسهم  الخاصة ويوزعون بعضها على صفحات المناشير والاصدارات السرية وتنشد في المناسبات الوطنية والقومية في فترات انعدمت فيها الطباعة و النشر وتعذرت في بعضها الآخر، ونصوص كثيرة منها فضل أصحابها الاحتفاظ به لأنفسهم. والشاعر هنا مناضل كتوم ينظر إلى قصائده السجنية رموزا تلوح أمامه وتسكن أفق الشعر لديه، في حب الأرض والأمة. 

بعض هذه النصوص الغائبة سمعناه وبعضها حدثتنا عنه أجيال الشعراء من الذين لم تغيبهم الموت وبعضها وجدت منه نسخ قبل أن تضيع في زحمة الملاحقات واللامبالاة  .

مدونة شعر السجون الموريتانية كانت الخبز اليومي لكثير من المواطنين افي سعيهم للحصول على حرية تليق بهم وكرامةٍ باتت مفقودة على المستويين الخاص والعام، سلكت طريق التحرير، بروح شاعرة ونبيلة ظلت غيثارة أوجاعها تنشد لحنها ويوقد أصاحبها ثورة البائسين والمحرومين بأجسادهم وتضحياتهم، على غرار ما وصف الشاعر الفلسطيني الشهيد كمال ناصر : 

. نحن هنا رغم الأذى والجحود.. مواكب تمضي وأخرى تعود.. 

نحن هنا نفجر الإيمان في دربنا نورا فينمو في ثرانا الوجود 

لم يكتمل إلى اليوم جمع هذه المدونة الموريتانية وما زالت الفرضيات قائمة بوجود بعضها حبيس التداول الضيق، أو رهين مخابئ عمليات المداهمة الليلية السابقة للبوليس السياسي في سنوات الجمر والرصاص، وبعضها لم يستطع اختراق جدران الزنزانة السميكة وطوي مع أصحابه الذين قضوا تحت قبضات الجلادين والتعذيب الوحشي...  

استطاعت صفحات جريدة صيحة المظلوم السرية ما بين 1972/ 1968 أن تحفظ وتصون نصوص ديوان سطور حمراء حتى جمعت في عمل جامعي 1986، وتمكن الشاعر فاضل أمين رحمه الله من تسجيل بعض نصوصه الثائرة بصوته الشجي لتكون أساسا لجل الأعمال المنجزة عنه في الجامعات قبل جمع وتحقيق ديوانه من طرف رفيقه في السجن والمعاناة الشاعر احمد فال أحمد الخديم، الذي دون بدوره نصوصه السجنية وأنشدها أحيانا، وتمكن جزء كبير الخطاب الشعري والابداعي داخل السجن لرفيق أحمد فال  في الزنزانة الموحشة وقاعات التحقيق الخليل النحوي حفظه الله واطال عمره ان يخرج من وراء القضبان بصوته الشجي خاصة ملحمة المطاولة والصمود ( قصيدة الدرب) التي استوت في الانصات الى زفراتها ونشيج وزهوها  صبايا موريتانيا مع زهادها وقادة رأيها في ذلك الزمن الاغبر وحولت نكبة سجون اجريدة والهندسة العسكرية وانواجلال إلى بطولة صيغت حروفها في غلاف ملاحم التاريخ العربي ايام عصوره الزاهية ومن أنسجته الحية طورت اقانيمها حركات الرفض السياسي المعاصر للقمع والاستبداد.

كما تمكن الشاعر الكبير كابر هاشم رحمه الله من تدوين نصه الرائع في سجن الهندسة العسكرية 1984 ( شعر قديم على طريقة المحققين)  ضمن نصوص ديوانه المطبوع  

المحاضرة تتطرق لأكثر من ثلاثين نصا شعريا لعشرة شعراء هم حسب ترتيب النصوص الزمني : 

أحمد عبد القادر

محمدن الشدو

احمد باب أحمد مسكة

لمام ولد الطفيل

فاضل ولد الداه

الخليل النحوي 

فاضل أمين

أحمد فال أحمد الخديم 

كابر هاشم

محمد الحافظ الجكني

وهي نصوص تصور معاناة وجودية عميقة ويصف بعضها مبتكرات التعذيب الجسدي وتفرض على قارئها أن يسأل من أين اكتسب الجلادون القسوة والسادية وهذا الكره للآخرين وكيف تحولوا إلى مخلوقات لا تعرف الرأفة أو الرحمة؟ وهل يمكن استعادة الإنسان الذي خبا أو مات في داخلهم؟ كما قال الروائي الكبير عبد الرحمن منيف، وكما قال الشاعر الخليل النحوي : 

سبيت هاهنا المروءة والرحمة والدين والحياء سبي!!

يكرهون القراءة، الكلمة المكتوبة، النبتة الخضراء، المكان النظيف، يكرهون أن يضحك إنسان، أن يتحدث إلى آخر، أن ينظر إليهم، أن ينظر إلى شيء، يكرهون أن يسألوا، ويكرهون الجواب! كيف تعلموا هذا الصمت كله، أين تعلموه؟ وهذا السواد المشرئب الذي يبرز في العيون والهيأة ورد التحية من أين أتاهم؟ ومن الرسائل الكثيرة التي توصلها هذه النصوص هي أن يتذكر المدافعون عن الكرامة والحرية في موريتانيا وخارجها حجم التضحيات المقدمة قبلهم وتحضر الحكمة الصينية القائلة بأنه يجب أن يتذكر العطاش منابع الماء لحظة انتهاء غلتهم، وأنه  لكي  يوجد على هذه الأرض شعب حر، يجب أن يكون هناك استعداد للتضحية من أجل الحرية، وأن يضع الإنسان حياته مثالا للنضال من أجل العيش في عالم حر وأكثر عدل.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122