كتب إكس إكرك: بُتيگ اكّاه......:قصيدة ( حدث البتيگ يوما

2022-11-30 14:44:34

للعلامة القاضي السيد ولد أحمد ولد عبد الله ولد اباه رحمه الله

 

قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً :: وتهونُ الأرضُ إلا (موضِعا)

 

كتب الإداري الأديب محمدن ولد سيدي الملقب (بدنَّ): 

من أعظم النعم التي منَّ الله علي بها في حياتي معرفتي للعبد الصالح أحمدْ  ولد الهادي رحمه الله، صادفته في بداية الدراسة الجامعية منتصف السبعينيات في الرباط فنشأت بيننا ألفة غريبة و تقاسمنا فناءَ البيت في عمارة الكنزره و لقمة العيش و ظروف الدراسة لغير الممنوحين من الطلاب! 

 

و من فضله علي و ما أكثره أن تعدَّتْ معرفتي إياه و ما في ذلك تعدٍّ إلى مجموعة طيبة من محيطه الطيب الخاص. 

من تلك المجموعة المنصور بن فتى و محمدْ بن ابَّاه و أحمدو بن المجتبى وإخوته و السيد بن أحمدْ بن ابَّاه وغيرهم.

 

كان هذا الأخير آنذاك طالبا في إحدى الثانويات في مرّاكش و كان له صديق في الدراسة لا يفارقه اسمه محمد.

و في إحدى مراحل الدراسة التحق بنا الأستاذ الأستاذ النحوي أبّان فترة الامتحانات و كان مسجلا في السنة الأولى من القانون.

جاءت النتائج فإذا به الأول في الترتيب في قسمه مثله مثل ستة من الطلاَّب الموريتانيين في شتى المؤسسات من بينهم المنصور في المدرسة الإدارية ولكن في المعهد العالي للصحافة أيضا لأنه الناجح الفعلي لا أنا إذ هو من كان يلقنني الدروس و لم يكن بينها و بين دروسه من قاسم مشترك سوى شذرات باهتة من القانون.

لم يكن الجد في الدراسة يحجبنا عن يسير من الدعابة المسؤولة يتصدرها الأدب. يقول الأستاذ الخليل:

السيِّدُ المفضالُ نعم السيِّدُ :: و صديقُه نعم الصديق محمدُ

خلاّن قد آختهما مُرَّاكشٌ :: فمحمدٌ هذا و هذا سيِّدُ

 

جرتْ انتخابات النواب و شارك فيها الوزير الأَوَّل أحمد عصمان و مضى في حملته إلى وجده في شهر يونيو 1977 دون أن يوقع صكَّ (الآمَامْكُو) فكان من نتائج ذلك على الطلاب أن لجأوا في تلك المرة إلى "استخدام" بعض ملابسهم الشتوية في فصل الصيف! و حمَلنا الحرص على ترشيد تلك الموارد الطفيفة على مشاركة خادمة البيت "ازهور" في بعض الخدمات بالتناوب.

و في إحدى الليالي ما هالنا إلاّ ضحِكُ أحمدْ ينبعث من المطبخ حينما فوجئ بالطالب المناوب و هو الإداري محمد بن اخليلْ الوزير السابق و السياسي الحالي و قد أراق المرق على الكسكس و لمَّا يبرح "أركَّابَ" بعدُ فسال هَدْرا و كِدنا نخسر الكسكس معه لولا أننا تأوَّلنا فأفضنا عليه من باللبن ما أكسبه شبها بغيره ولمْ يقوَ قوتَه فكان ذلك من بين جملة من العوامل أغرتنا بتناوله!

 

أعود إلى أحمد ولد الهادي لأقول إن الصدفة جمعتني و إياه في خلية البحث الإداري ثم مديرية التوثيق في المدرسة الإدارية.

بلغ من الورع أن جاءنا هاربا من راتب كبير لا يستحقه لدى صونادير! 

وكانت المدرسة فعلا آنذاك هي الحصن الحصين و الملجأ المكين من مثل تلك الرواتب على الأقل! 

كان لا يتغيب إلا بإذن صريح و ما كان يعود من "النبَّاغية" حتى ألتمس منه الدعاء و أمنحه الإذن للتغيب من جديد. 

و ربما أضطرُّ لاستدعائه من هناك فأرسل له مثلا بأن المحاسب ترتب له عليه حق زيارة و لكن فليطمئنَّ فإنها ليست زيارة مدد! 

و مما خفف مهمتنا معا انعدام العمل إلى حد أن صديقنا المرحوم ول الطلبَ ما فتئ يداعبنا بقوله: أتدرون لماذا سمي قطاعهما بخلية البحث لأن كلا منهما دائبُ البحث عن الآخر! 

بواسطة أحمد ولد الهادي تعرفتُ أكثر على العلامة ابَّاه بن عبد الله دون أن ألقاه وبواسطتي تعرف على الشيخ الرضا وعرَّف به شيخه دون أن يلقياه كذلك.

اللهمَّ ارحمه رحمة واسعة.

فهذه مجرد ذكريات تداعت من الذاكرة جرتها هذه القصيدة البديعة لصديقنا الأستاذ السيِّد بن ابَّاه و سأفرده بالكتابة إن شاء الله.

 

بُتيگ اكّاه و البتيگ الساحْلِ و بتيگ ادوانْ و بتيگ انميريّه وبتيگ أهل حمدِ في اندرْ و بتيگ أهل السبيعي في دكار وغيرها كثير ليست محلات تجارية بل هي معالم حضارية تجاوز إشعاعها الحضاري محيطها الخاص.

 

ساهمت في صناعة حقب معينة من التاريخ الحديث أو واكبته على الأقل ولها الفضل في أنها عليه شهود عيان. 

ساهمت في تطوير المجتمعات و في تكوين الأطر و أبلت بلاءً حسنا في الشؤون الاقتصادية و الاجتماعية أيام لم تكن هنالك منظمات غير حكومية..

ساهمت في تقوية اللحمة الوطنية و في ترقية ألوان معينة من الثقافة..

في متجر مماثل في (بي أم دي) دخلت إحدى الزبائن من إحدى المناطق الداخلية على التاجر في مطلع الستينيات و هي تكاد تميز من الغيظ فقالت له: بعتني كيلين من الأرز نصفهما من التراب!

نظر إليها مغتبطا و قال: لا عدمتُ أمثالَكِ من الأمناء ، لو سكتِّ لكنتُ الخاسرَ في الصفقة إذ أنَّ أرض نواكشوط أغلى بكثير من أرز أيندُوشين(Indochine).

 

نعم كان لمثل هذه الحوانيت أيضا دور حاسم في خلق ثقافة وطنية موحدة يجد فيها أهل كل منطقة ذواتهم.

و عن بعض هذه الجوانب يفصح الشاعر في قصيدته العصماء..

****

يقول العلامة القاضي السيّد ولد أحمد ولد ابّاه رحمه الله:

ذكريات بُتيگ اكّاه تحت عنوان:

 حدث البُتيگ يوما:

أجدك هل هذا البُتيگُ وأهلُه؟ :: بلى هو لكن قد تغير آهِلُه

وقفتُ به بعد الهُدُوّ هُنيهة:: وقد كَسَتِ الليلَ البهيمَ زوائلُه

أصختُ إليه بعد حين كأنما :: يُسائلني عن أهله وأسائلُه

بعيشكَ أين (اكّاهُ) قال ألم يزل :: جوادا كما كانت قديما أوائلٌه

إلى ناره يعشو بنو الحي كلُهم :: وتقصده من كل فج أرامله

وهل لم تزل تغشاهُ بعديّ فِتية:: وإخوانُ صدق لا تزال تواصله؟

سيروي لي التاريخ مجدا مؤثلا :: يعز على مر العصور مماثله

لياليّ أعياد نعمت بطيبها :: ودهري غض ناضر العيش باجله

وماضي ماض مشرق ومشرف :: ويشهد قومي بالذي أنا قائله

ولكن أضاعوني فيا عجبا لهم :: ولا غرو كم يستصغر الأمر جاهله

وقد جعلوني واو عمرو ألم أكن :: لهم همز وصل والجميع يواصله

بظلي يبيت السامرون ويلتقي :: به كل ذي دِينٍ قديم وماطله

وكنت وهذا البحر والموج وحدنا :: ولا شيء إلا السرح تعوي عواسله

فأصبحت مأوى كل غاد ورائح :: به انقطعت أسبابه ورواحله

وكم قال بي من ذي جلال ومنصب :: وباتت وظلت بي مرارا حلائله

وكان يَمُرّ (التّاهُ) بي كل ضحوة :: ولي الفخر فهو البحر والعلم ساحله

على خطوات كان منيّ بيته :: ومكتبه والعلم تلك مناهله

فيا حبذا لو كان لي أن أزوره :: ففي زوره يلقى المنى منه آمله

له خلق كالشهد قد عز مثله :: وكالروض غب الوبل تُلفى شمائله

يقابل بالصفح المسيء ولم يكن :: يقول حشا خيرا إذا ما تقابله

وتسمع قولا منه حمّال أوجه :: كلام بني ديمان شتى محامله

كذلك (حمّينَّ) جاري مطانبي :: و(محبوب) ذو البيت الشهير فضائله

وخير (فتى يحيى) به الفضل والندى:: إلى كنفي يأوي له الرحب كامله

وقل لي أين (إجبيب) كرشي وعيبتي :: وحافظ أسرار النّدِي ونادله

وأين ندامى ألّف السكر بينهم :: وآختهم أسبابه ووسائله

وكائن بذاك الشرب من ذي بطالة :: وليس سوى عطفيه والبرد شاغله

إذا الكأس دبت في مفاصله غدا :: يدب دبيب (الشيخ) رخوا مفاصله

وخر صريعا بعد ذاك كأنما :: أصيبت بماضي الشفرتين مقاتله

وقد خبروني أن (حواء) قد قضت :: وشطت (بتفسيرو) بعيدا مراحله

و(مختار) لا أدري أحي فيرتجى :: أم اغتاله من نائب الدهر غائله

ولم يعد (امبيريك) يضرب بالفِنا :: خباءا وهاتيك الأثافي منازله

ترى اللحم فيه بين نيء ومنضج :: كأن جفانا كالجوابي مراجله

يجوس خلال الحي طيلة يومه :: إلى أن تغيب الشمس تبدو مخائله

فيرجع ليلا بالجزارة مثقلا :: بما طاب من لحم الجزائر كاهله

ولن تعدمَنْ منه إذا جئته قِرى :: وكِنًا يقيكَ الحر والقَرّ داخله

فإما قتار يزكم الأنف ريحه :: وإما حنيذ لا محالة آكله

وإن أنس لا أنسى رجالا عرفتهم :: زمانا وصرف الدهر سلم غوائله

كمثل (لْبُ) و(أحمد عبدُ) و(أحمدّ سالم) :: و(بديّ) نعم الخل حين تزامله

نعمت به دهرا وقد كان أمة ::وكان وحيد النسج عز مماثله

وكان الوَفا والظرف بعض خصاله :: وحسن السجايا شيمة لا تزايله

يذكرني قول المعري كأنه :: عناه بذاك القول والحال قائله

(يهم الليالي بعض ما هو مضمر :: ويثقل رضوى دون ما هو حامله)

يبيت شجيا من شمائل حبه :: (كأن شمولا ما تدير شمائله)

أدار لأهل النصح والعذل ظهره :: سواء لديه عاذروه وعاذله

وتحسب نفث السحر من بعض نظمه :: وماء لجين ما تخط أنامله

وكان – إذا ما انجاب غيم عن السما :: تلبد وجه الشمس منه غلائله

وأغلق (جُبُّ) الباب خشية واغل :: ( يدب ويخفى شخصه ويضائله)

- تواجد - والأفواه تفرغ أكؤسا :: وذكرى السنين الحانيات تغازله

فأبكى وأشجى (جُبُّ) و(أحمدُّ) لم يزل :: تؤرقه أشجانه وبلابله

وكاد (أبو بكر) يذوب صبابة :: وعاوده الشوق الذي لا يزايله

فظن جبال الأرض مادت بأهلها :: وأيقن أن الشوق في الحال قاتله

بكته عذارى الحي حين افتقدنه :: وناحت عليه وُرقه وبلابله

عجبت لكم كيف احتملتم نعيّه::وهذا جداري كاد ينهد مائله

ولم يورق الخابور حزنا وحسرة :: وذابله يبكي عليه وصامله

وما زال بيت الشيخ يندب عهده :: وتسكنه أيامه وليائله

فهل ترجعن أم لم تكن برواجع :: عليه عشيات الحمى وأصائله؟

لهم كلهم مني سلام ورحمة :: سقى عهدهم من صيب المزن هاطله

 

كامل الود

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122