التَّبْلِيغُ، وحِمَايَةُ المُبَلِّغِين:
قراءة في القوانين الموريتانية الجديدة..
تَضَمَّنَ العدد رقم 1585 من الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، الصادر بتاريخ 15 يوليو 2025 المنصرم، القوانين الجديدة المتعلقة بمنظومة مكافحة الفساد، وأصبحت بذلك نافذة، وهذه القوانين هي:
ـ القانون رقم 2025/021 المتعلق بمكافحة الفساد.
ـ القانون رقم 2025/022 المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح.
ـ القانون رقم 2025/023 المتعلق بالسلطة الوطنية لمكافحة الفساد.
تضمنت هذه القوانين الجديدة من بين ما تضمنته، نظاما قانونيا متعلقا بالتبليغ عن جرائم وشبهات الفساد، بما في ذلك مخالفة إلزامية التصريح بالممتلكات، أو تقديم معلومات كاذبة أو مضللة في التصريح، كما تضمنت مقتضيات تتعلق بحماية المبلغين..
نصت المادة 22 من قانون مكافحة الفساد الجديد، المحدد بالرقم أعلاه، في حماية الشهود والخبراء والمبلغين والضحايا على ما يلي: <<يستفيد المبلغون والشهود والخبراء والضحايا وذوهم من حماية خاصة تسهر عليها الدولة.
يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية من 40 ألف إلى 200 ألف أوقية كل شخص يلجأ إلى الانتقام أو الترهيب أو التهديد بأي طريقة أو بأي شكل من الأشكال ضد الشهود أو الخبراء أو الضحايا أو المبلغين أو أفراد أسرهم، أو سائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم.
ينظم مرسوم صادر عن مجلس الوزراء إجراءات حماية خاصة بالأشخاص المذكورين في الفقرة السابقة>>..
نصت المادة 23 من نفس القانون على ما يلي: <<يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية من 40 ألف إلى 200 ألف أوقية كل شخص يعلم بحكم وظيفته الدائمة أو الموقتة بوقوع جريمة أو أكثر من جرائم الفساد، ولم يبلغ عنها السلطات العمومية المختصة في الوقت المناسب..>>..
طبقا للمادة 47 من نفس القانون: يستفيد من أسباب التخفيف الأشخاص المتابعون في قضايا فساد الذين أبلغوا السلطات المختصة عن الجريمة ومرتكبيها وشركائهم قبل الكشف عنها من طرف أجهزة البحث والمتابعة..
نصت المادة 20 من القانون رقم 2025/022 المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح، على ما يلي: <<يمكن لأي شخص أن يبلغ السلطة بأية معلومات أو أدلة تتعلق بالتجاوزات المنصوص عليها في هذا القانون، وفي هذه الحالة يستفيد المبلغ من إجراءات الحماية المنصوص عليها في التشريع المتعلق بحماية الشهود والمبلغين.
تطلب السلطة عند الاقتضاء من كل مبلغ جميع الوثائق والمعلومات الإضافية التي من شأنها دعم الوقائع المبلغ عنها.
توفر السلطة آلية مجانية ومؤمنة للإبلاغ..>>..
نصت المادة 21 من هذا القانون أيضا على ما يلي: <<تضمن السلطة توفير الحماية اللازمة للمبلغين طبقا للتشريعات المعمول بها، وتحدد السلطة الإجراءات الضرورية للحماية>>..
والسلطة المذكورة هنا هي: السلطة الوطنية لمكافحة الفساد، المنشأة بموجب القانون رقم 023/2025 المذكور أعلاه، والمنتظر أن تبدأ إجراءات إنشائها فعليا قريبا، بعد صدور ونشر هذا القانون.
وفي صلاحيات هذه السلطة نصت المادة 5 من القانون المنشئ لها أنه من مهامها: تلقي الإبلاغات عن شبهات الفساد، ووضع نظام لحماية الشهود والمبلغين عن جرائم الفساد.
نصت المادة 19 من هذا القانون أيضا في آلية الإبلاغ، على ما يلي: <<تُنشئ السلطة نظاما شاملا يسمح بتقديم الإبلاغات عن شبهات الفساد بسرية وأمان، ويشمل النظام على وجه الخصوص منصة رقمية تمكن من متابعة تقدم التحقيقات بشأن الإبلاغات، مع المحافظة على عدم كشف هوية المبلغين>>..
للإشارة: ألغى قانون مكافحة الفساد الجديد رقم 021/2025، المقتضيات التي كان منصوصا عليها في المادة 47 من قانون مكافحة الفساد المُلْغَى ذي الرقم 2016/014، التي كانت تتضمن منح 10% من ناتج الأموال المستردة والمصادرة لهيئات البحث والمتابعة والتحقيق، وللمبلغين الذين أدى إبلاغهم إلى كشف جرائم فساد.
وجاء إلغاء هذه المقتضيات استصحابا ـ فيما يبدو ـ لاعتراضات وانتقادات واسعة في الساحة القضائية والحقوقية والقانونية لهذه المقتضيات، منذ إقرارها 2016..
من هذه القراءة يتضح أن القوانين الموريتانية الجديدة المتعلقة بمكافحة الفساد التي دخلت حيز النفاذ مؤخرا، أسست نظاما متكاملا ومتقدما ومتعدد الآليات للتبليغ وحماية المبلغين، يأخذ بالمبادئ التشريعية والتوجيهية الدولية، والنظم القانونية المقارنة، والممارسات والتجارب الفُضلى في هذا المجال..
أ. ع. المصطفى