كيف يمكننا أن نكون "حاضرين" وشبه "غائبين" في نفس الوقت؟ تلك مسألة أصبحت محط اهتمام الباحثين أكثر فأكثر، فانصب تركيزهم على الحالات المختلفة لحضورنا وقدرتنا على التركيز الذهني، مستكشفين ما ارتبط من ذلك مع أحلام اليقظة والتنويم المغناطيسي والتأمل.
.
فنحن قادرون بشكل طبيعي دون أن ندرك ذلك دائما، أن نجرب حالات مختلفة من الوعي بشكل يومي، بفضل تمتعنا بنشاط عقلي "يتسم بالمرونة"، حسب ما نقلته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن عدد من الباحثين.
وتحت عنوان "الفوائد غير المتوقعة لأحلام اليقظة"، قالت الصحيفة إن تلك الحالات تمر باليقظة والصحوة والنوم، مرورا بالحالة التأملية، أو حالة النشوة، أو حالات الذهول أو الإبداع الفني التي يمكن أن يطلق عليها حلم أو أحلام اليقظة.
في هذه الحالات من "فقدان الترابط الذهني" التي نبتعد فيها قليلا عن الواقع، وحتى أثناء نومنا، يستمر إحساسنا بالعالم المحيط، وأي تحفيز خارجي شديد وغير متوقع يمكن أن يعيدنا إلى المسار الصحيح لعالم اليقظة الحذرة، وفقا للصحيفة.
غير أننا لا نعرف كيف نطلق العنان لهذا "العقل الهائم"، أو كيف نعيش مراحله بشكل فعلي. والواقع أن البوابة الكبيرة للتنقل بين حالات مختلفة من الوعي هي أحلام اليقظة، حسب أخصائي علم النفس والتنويم المغناطيسي الدكتور مانويل فون ستراوشويتس.
ويرى ستراوشويتس أن هذه البوابة لا تزال مهملة وضحية لصورة مشوهة، رغم أنها تستحوذ بالفعل على ما بين 10 إلى 20% من حالة اليقظة لدينا.
ويضيف أننا أحيانا نفقد نظارتنا ونتحرك بحثا عنها وفجأة "نقع في حفرة"، وبعد ذلك بلحظات قليلة، وفي الغرفة المجاورة، نتساءل عما جئنا من أجله، وفي تلك الأثناء تتوارد إلينا أفكار وصور من حياتنا.
"إننا نعيش بشكل مستمر بعض التشتت في انتباهنا، حتى ونحن نحس أننا نعيش اللحظة الحالية بكل تفاصيلها (حضور)، فإن جزءا من وعينا يكون غائبا في تلك الأثناء"، على حد تعبير ستراوشويتس.
بل إن هذا الخبير ينفي بشكل قاطع أن يكون بإمكان الكائن البشري أن يركز أصلا بشكل كلي دون أي نوع من الشرود، فالذي لا يسهو أبدا وهو "حاضر بالكامل" هو الرب، أما الإنسان فهو منقطع بشكل أو بآخر عن العالم، وفقا لستراوشويتس.