الضاد بين الكم والكيف... / أحمدًُ ولد شاش

2025-01-01 17:46:20

في الحكايات الشعبية، يقولون إن أحد فتيان "إݣيدي"، قال له رفيق سفره وهو يحاوره: (هاذ الزامل ظاع)، فقال له (أنظك يخي)، والأول يقصد (ضاع، أي بدا عليه الوهن واشتد حاله، ونطق الضاد ظاء على طريقة ما جد من روايتها في بوتيلميت وما جاورها), والثاني نطق كلمة من كلام وولف: أنضك، بمعنى (يَسْوَ), ولكن وفق قراءة الأول واختيار نزعته الحرفية.

القصة، على بساطتها وسطحيتها، تحمل من العمق والبلاغة والنقد الساخر ما لا حدود له.

فإن كان لا مناص من إبدال الضاد بالظاء، فلنسميها لغة الظاد، وسنجد إحراجا في قراءة قوله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)، وسنستغني عن أحد الحرفين، فوجوده شكلي، وسنقف أمام الحديث: (أنا أفصح من نطق الضاد)، الذي إن تضاربت رواياته فمعناه صحيح، وسنجد أن لا فرق في صفات ومخارج الحروف التي بينها الإمام شمس الدين محمد بن الجزري، فيفقد الضاد الاستطالة والرخاوة والاستعلاء والإطباق، وإن اتحد مخرج صووته مع الظاء كما اتحد مع الثاء.

والحقيقة، أن الكلام الوصفي الذي عثرنا عليه، وصف كيفي، وليس كميا، وبين الحالتين من الاختلاف في الدقة ما يفتح الباب واسعا للتأويل والترحيح.

فلو قدر لنا أن نعبر كميا عن الحروف لأمكننا الوصف الدقيق لها، وذلك بمعرفة تردد حرف وطول موجته، وهذا أصبح ممكنا، إنما الإشكال في صورة الحرف بعد خروجه من حيز الخلاف.

ولأن رواية الحروف شفوية تنقل بالرواية وتواترها، فإني سمعت الإمام بداه ولد البوصيري تغمده الله بواسع رحمته، يقول من أراد رواية ورش على حقيقتها، فليرمها عند الشيخ محمود خليل الحصري، كمسمعت بعض شيوخ القراء يقولون من أراد نطق الضاد الفصيحة، فليسمعها عند الحصري.

وعليه، فإن المغالاة في تشبيه نطق الضاد بالظاء، هو التباس وخلط في مفهوم مخارج الحروف لا في صفاتها، والتفريق هنا دقيق، إذ يكون بأجزاء متناهية في الصغر لا يفرق بينها إلا بالعدد وهذا وجه الإشكال.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122