قال معالى مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، السيد سيد أحمد بنان، إن وضعية حقوق الإنسان في بلادنا شهدت خلال السنة الجارية تطورات كبيرة وانجازات ملموسة في مجال ترقية وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تعززت معها مكانة موريتانيا بين مصاف الأمم الساعية بجد إلى بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ مفهوم الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأضاف في خطاب ألقاه مساء اليوم الاثنين بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من شهر دجمبر من كل سنة، أن الحكومة الموريتانية اعتمدت استراتيجية وطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان، تجسد رؤية موريتانية شاملة، ترتكز على الالتزامات المتعددة للدولة في ما يتعلق بالعدالة والرقي الاجتماعيين، وتعزيز مفهوم المواطنة ودولة القانون. إضافة إلى ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإقامة مجتمع شامل متكامل خال من كافة أشكال الإقصاء والغبن.
وهذا نص الخطاب:
“بسم الله الرحمــــــن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
أيها السادة والسيدات،
تخلِّد بلادنا غدا على غرار المنظومة الدولية، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف هذا العام مرور 76 عاما على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948.
وهي مناسبة لتجديد تعهد بلادنا بالتمسك بمبادئ ومضامين هذا الإعلان، بوصفه الوثيقة المرجعية والمعيار المشترك للشعوب والأمم في مجال حقوق الإنسان. إذ تم من خلاله الاعتراف بالحق في الكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة على أساس الحرية والعدل والمساواة والسلام، بشكل غيرِ قابل للتصرف، بما يخول لكل شخص التمتعَ بها كإنسان بغض النظر عن العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة.
ويحمل تخليدُ اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذه السنة، المخلَّدِ تحت شعار “حقوقنا، مستقبلنا، هنا والآن “، دلالاتٍ عميقةً وعِبَرًا مميزة، في عالم يعيش حالةً من التمايز والتفاوت والغبن حتّمت على الجميع التصدي لهذه الظواهر والعمل بجد وحزم من أجل تجاوزها والقضاء عليها.
وفي هذا السياق، شاركت بلادُنا في الحملة الدولية التي أطلقتها الأممُ المتحدة والتي امتدت على مدى عام كامل بهدف تسليط الضوء على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال التركيز على إرثه وأهميته والنشاط النضالي المنجز ضمن إطاره. وهو ما ينسجم مع توجيهات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وسعيِه الدؤوبِ إلى صون كرامة الإنسان عبر محاربة كافة الصور النمطية السلبية، حيث قال في خطابه الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 64 لعيد الاستقلال الوطني ما نصه ” وقفنا في وجه كُل ما من شأنه المَساسُ بِعيشنا المشترك، وانسجامٍنا المجتمعي، بمحاربة الصُّور النّمطيةِ الزائفةِ والعصبياتِ القبلية والشرائحية. وعلاوة على ذلك عَمِلنا على ترسيخ دولةِ القانون والمؤسسات، وتَعزيز الحرياتِ الفردية والجماعية، وحَارَبنا كافةَ المسلكياتِ التي تُناقض حقوق الإنسان، بتنفيذ الخِطةِ الوطنية لمحاربة الاتجارِ بالأشخاص والعملِ على مُواءمةِ قوانيننا مع ما صادَقنا عليه من معاهدات دولية ذات صِلةٍ. ” انتهى الاستشهاد.
وهو ما تعمل حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي على تجسيده على أرض الواقع من خلال مختلف السياسات والبرامج المذكورة في إعلان السياسة العامة للحكومة.
أيها السادة والسيدات،
لقد شهدت وضعيةُ حقوقِ الإنسان في بلادنا خلال السنة الجارية تطوراتٍ كبيرةً وانجازاتٍ ملموسةً في مجال ترقية وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تعززت معها مكانةُ موريتانيا بين مَصافِّ الأمم السّاعِيَةِ بجد إلى بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ مفهوم الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، اعتمدت الحكومة الاستراتيجية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان، الأولى من نوعها في البلاد، والتي تجسد رؤية موريتانية شاملة، ترتكز على الالتزامات المتعددة للدولة في ما يتعلق بالعدالة والرقي الاجتماعيين، وتعزيز مفهوم المواطنة ودولة القانون. إضافة إلى ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإقامة مجتمع شامل متكامل خال من كافة أشكال الإقصاء والغبن. كما شرعنا في تنفيذ خطة عملها على أرض الواقع.
وقد عرف الإطار القانوني تطورا هاما باستصدار القانون 039-2024 المتعلق بإنشاء المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، الذي سمح بإدخال إصلاحات هامة على عدد وتشكيلة ونشاط المحاكم المتخصصة لمكافحة العبودية، بهدف مواءمة المعالجة القضائية الوطنية للظواهر المذكورة، وتقريب العدالة الجنائية من المواطنين والضحايا على وجه الخصوص وتوحيد الاجتهادات القضائية والممارسات المثلى في ميدان حقوق الإنسان وحماية الفئات الهشة.
علاوة على القانون 039-2024 المتضمن الأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة، الذي سد فراغا تشريعيا كان قائما في المنظومة القانونية الوطنية لمحاربة تهريب المهاجرين.
وفي مجال الحماية، قمنا بإطلاق منصة رقمية تدعى “حمايتي” لاستقبال ومعالجة الشكاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، لاستكمال آلياتنا المتعلقة بحماية الحقوق والحريات، لتنضاف إلى الرقم الأخضر المجاني 1916 المخصص للإبلاغ عن حالات الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين.
كما قمنا، عن طريق صندوق دعم ومساعدة ضحايا الاتجار، بتسليم مِنَحٍ مالية لتمويل أنشطة مدرة للدخل لصالح ضحايا الإتجار بالأشخاص، ، استفاد منها 74 شخصا.
وواصلت الخلية المشتركة بين وزارة العدل وقطاعنا، عملها الدؤوب للمتابعة الدقيقة لقضايا العبودية والاتجار بالأشخاص، المعروضة أمام القضاء. وقد تمكنت هذه الخلية من وضع قاعدة بيانات لتتبع الملفات، يتم تحيينها بشكل أسبوعي.
أيها السادة والسيدات،
في مجال ترقية الحقوق المدنية والسياسية، ساهم جوُّ التهدئة والانفتاح السياسي والحوار، والتشاور، الذي اعتمده فخامة رئيس الجمهورية، كمنهج في تدبير الشأنِ السياسي، بل والشأنِ العام عموما، في حَصْرِ الاختلافِ، وتباينِ الآراءِ، والتنافسِ، في إطارٍ من المسؤولية الأخلاقية، وتَغليب الصالحِ العامِ. وهو ما مَكن من تنظيم انتخاباتٍ رئاسية، شفافة ونزيهة، في يونيو الماضي، في إجماع تام على قواعدها وأُسُسِ تسييرها.
كما تواصل الحكومة تنفيذ الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطويرِ العدالة، التي تضمن عصرنة قطاع القضاء، وتطوير بِناهُ التحتية، وتحسينِ ظروفِ العاملين به، ضمانا لاسْتِدامةِ ما تحقق في مجالات الحَكامة السياسية وترسيخ مبدإ الفصلِ بين السلطات.
ونعمل حاليا على إطلاق برنامج لتعزيز الدمج الاجتماعي والمهني للشباب نزلاء السجون، من خلال التكوين على بعض المهن، مثل الحلاقة، والخياطة، والنجارة، بهدف إعداد السجناء لإعادة الاندماج الاجتماعي.
أيها السادة والسيدات،
في إطار ترقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واصلت الحكومة تنفيذ البرامج الاجتماعية والخدمية الرامية إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين وتحسين ولوجهم للخدمات الأساسية وخلق مزيد من فرص العمل. وهو ما يترجم الأهميةَ البالغةَ التي توليها السلطاتُ العليا في البلد لترقية وتطوير قطاعيْ الصحة والتعليم من خلال تقليص الفوارق والقضاء على الاقصاء والغبن والتفاوت بين فئات المجتمع.
ففي ما يخص ترقية قطاع التعليم، تواصل الحكومة، للسنة الثالثة، تنفيذَ مشروع المدرسة الجمهورية، الرامية إلى ترسيخ مبدأ الإنصاف والمساواة، عن طريق استعادة مؤسساتنا التعليمية للعب دورها كحقل للقيم الجمهورية ودعامةٍ للحمتنا الاجتماعية ولوحدتنا الوطنية.
وفي هذا الإطار، تم توسيع تشييد البنى التحتيةِ التعليمية واكتتابِ وتكوينِ المدرسين وتوفير الدَّعاماتِ التربويةِ وهو ما أَوْصَلَ معدلَ التمدرسِ الابتدائي الصافي إلى 81 في المائةِ ونسبةَ الاسْتِبْقاءِ إلى 83 في المائة.
كما سيتم استحداث صندوق لتمويل برنامج لدعم سكن المعلمين والأساتذةِ وتخصيصَ كل المنازل التي تم تشيدها في إطار برنامج داري، وعددها 2508 منزلا، تزيد قيمتها الإجمالية على 22 مليار أوقية قديمة، لدعم هذا الصندوق. هذا علاوة على تخصيص علاوة شهرية بقدر 20.000 أوقية قديمة لمدرسي السنة السادسة من التعليم الأساسي سيستفيد منها خلال العام الدراسي 2024 – 2025 أكثر من 4000 مدرسٍ.
وفي ما يتعلق بالخدمات الصحية، عملت الحكومة على تَعزيز منظومتنا الصحية بتوفير الأدوية وتحسين جودتِها وبالتوسع في اكتتابَ الكوادرِ الطبية بمختلف فئاتها، وتحسينِ ظروفِ عملِها وفي بناءِ وتجهيز البنى التحتية الصحية مِن مستشفياتِ ومراكزَ ونقاطٍ صحية وهو ما مَكنَ من إيصال نسبةِ النفاذِ للخدمات الصحية لِما يناهزُ ثمانينَ في المائة سنة 2024.
وقد تَعززتْ شبكةُ الأمانِ الاجتماعي بما أحرز في مجال النّفاذ إلى التأمين الصحي الشاملِ، خاصة مع استحداث الصندوق الوطني للتضامن الصحي، الذي وَفّرَ الاستفادةَ من التأمين الصحي بتكلفةٍ رمزيةٍ لما يٌقاربُ 200 ألفِ مُتعففٍ.
أيها السادة والسيدات،
في إطار المهام الموكلة إليها ذات الصلة بتوعية وتحسيس المواطنين ولفت انتباههم تجاه القضايا الوطنية ذات الأولوية، قامت مفوضية حقوق الانسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني بما يلي:
-تنظيم يوم تربوي لحقوق الإنسان، تم خلاله توقيع اتفاقية للعمل على دمج تدريس حقوق الإنسان في المناهج التربوية؛
-اطلاقَ قوافل تحسيسية شملت كامل التراب الوطني حول الاتجار بالأشخاص؛
-إعداد الخطط الجهوية لمكافحة جميع أشكال التمييز الضار بالتماسك الاجتماعي؛
-اعتماد خطة العمل الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص؛
-إطلاق عمل الآلية الوطنية للإحالة لضحايا الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين؛
-إطلاق منصة “فضائي” الرقمية لإنشاء إطار دائم للتشاور وتبادل المعلومات بين الدولة والشركاء ومنظمات المجتمع المدني
أيها السادة والسيدات،
بصفتنا القطاع الحكومي المعني بمتابعة الالتزامات الدولية لبلادنا في مجال حقوق الإنسان، عملنا طيلة السنة الجارية على تعزيز تفاعل البلاد الإيجابي مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان وتعزيز تواجد خبراءنا الوطنيين في لجان المعاهدات الدولية. وفي هذا السياق، تم انتخاب بلادنا لعضوية لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل. كما تم تقديم ومتابعة التقارير الدورية وتقارير المتابعة أمام كل من لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولجنة الخبراء الأفارقة لحقوق ورفاهية الطفل.
ومن أجل ضمان متابعة دقيقة لتنفيذ التوصيات الصادرة لبلادنا من مختلف الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، قمنا بإطلاق العمل بقاعدة بيانات الكترونية ستمكن من المتابعة الدقيقة لالتزامات بلادنا في مجال حقوق الإنسان.
أيها السادة والسيدات،
لقد واصلت المفوضية، في إطار سياسة الانفتاح التي تنتهجها حيال جميع الشركاء والفاعلين في مجال حقوق الإنسان، العملَ المشتركَ من أجل ترقية حقوق الإنسان وحمايتها والبحث عن الحلول المناسبة للقضايا المطروحة، مُحْدِثَةً بذلك قطيعة نهائية مع منطق النُّكْرَانِ وأسلوب المواجهة.
أيها السادة والسيدات
ختاما، أؤكد لكم أن بلادَنا عاقدةٌ العزمَ، عبر مختلف برامجها واستراتيجياتها التنموية، على تعزيز وحماية حقوق الإنسان بالتعاون مع كافة شركائِها. وبهذه المناسبة، أدعو جميعَ الفاعلين الوطنيين، وشركاءَنا في التنمية، إلى المساهمة الفعالة في هذا التوجه الذي يعطي لحقوق الإنسان العناية والرعاية اللائقتين.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.